إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر(*)
تضم الحركات الإسلامية، في مفهومها الواسع، جميع الأفراد والجماعات التي تسعى لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام. وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها، فإنها تتفق على القيمة الإيجابية للإسلام، وتريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلى مرجعية يكون فيها الإسلام، بتفسيراته المختلفة، قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة.
فقر الفكر السياسي الإسلامي
تعود أصول أغلب الجماعات الإسلامية المعاصرة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928، على يدي حسن البنا. وما ميز جماعة الإخوان عن سابقاتها من الجماعات الإسلامية ما يلي: أولاً، المفهوم الشامل للإسلام، فالإسلام كما يراه البنا “عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف”. ثانياً، أنّ الجماعة انتقلت من مرحلة الوعظ إلى العمل المنظم، فقد نجحت في التحوّل إلى واحدة من أكثر الحركات الشعبية المنظمة في المنطقة العربية. ثالثاً، تأكيدها على العمل السياسي، وخوض المعترك السياسي لإحداث التغيير المرتقب. رابعاً، سحبت الحركة قيادة العمل الإسلامي من العلماء التقليديين ووضعته في يدي النشطاء الحركيين الذين ينحدر أغلبهم من القطاعات “الحديثة” التي تشكل وعيها وتجاربها في المدارس الرسمية.
وتاريخياً، لم يتناول التراث الفقهي السياسي والأحكام السلطانية مفهوم الدولة بمعنى الكيان السياسي الجغرافي المتضمن عناصر: الأرض والشعب والسلطة، بل الدولة كانت تستخدم دوما بمعنى قريب مما يطلق عليه الآن “الأنظمة السياسية”، وفي هذه الحدود تصف عبارات مثل: دولة بني مروان، دولة بني الأحمر، ودولة بني العباس، من دون أن تتجاوز هذا المعنى. أما “الخلافة”، كما تبدو من خلال أبواب الفقه المختلفة ومؤلفات الأحكام السلطانية، هي صورة لكيان سياسي، السلطة فيه مركزية تتجمع في شخص الإمام/الخليفة، ومن شخصه تتناسل السلطات.
هكذا يبدو واضحاً أن مفهوم الدولة مفهوم مفارق، إلى حد بعيد، لمفهوم الخلافة. فالدولة ذات وظيفة سياسية بحتة، ورهاناتها متعلقة بالتالي بمصالح الجماعة/الأمة في إطار جغرافي محدد (التراب الوطني)، وعلاقتها مع أطياف المجتمع علاقة تعاقدية لتحقيق مصالح الأمة. وهكذا يكون من مقتضياتها أن تكون على مسافة واحدة من الإثنيات والملل والطوائف في إطار مفهوم “المواطنة”، ومن مقتضيات ذلك أن تقف حيادية تجاه الدين.
إنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية، خلال التاريخ المعاصر، حمل كثيراً من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدر كبير من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل، ودون التنظير لفكر سياسي واقعي يملك القدرة على التحرك والمرونة في محيط دولي مضطرب. لذلك بقيت أغلب الكتابات حول”الدولة الإسلامية” مثقلة بعبء التجربة التاريخية الإسلامية ولم تستطع الانفكاك عنها وتجاوزها. وربما تستطيع التيارات والحركات الإسلامية، التي انخرطت في معمعة النضال السياسي الواقعي، تجاوز التجربة التاريخية والتنظير لرؤية إسلامية تعبر عن فكرة ومشروع الدولة، عمادها الإصلاح السياسي وإقامة الحريات العامة والمجتمع المدني الديمقراطي، وإصلاح الفساد الداخلي والتنمية المستدامة.
إنّ تبنّي بعض التيارات الإسلامية لفكرة الدولة الحديثة أنتج مشكلات إضافية، إذا ما نظر إليها على خلفية استنساخ فكرة تلك الدولة إسلامياً والقول بفكرة “الدولة الإسلامية”، لأنّ الدولة الحديثة، شكلاً ومضموناً، أعادت ترتيب أولويات الولاءات، فاشترطت الولاء الأول للدولة بكونها مصدر تعريف الفرد، الذي أصبحت صفته ك”مواطن”، هي التعريف الأساسي الذي يسبق بقية التعريفات، وبه تحددت حقوقه القانونية وكذلك واجباته. إذ إنّ دستور الدولة يفسر طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة وهو المرجعية الوحيدة التي يعود إليها الطرفان عند الاختلاف، فليس هناك فرق، على مستوى القانون والواجبات والحقوق، بين الأفراد بسبب لونهم أو إثنيتهم أو دينهم، فجميعهم مواطنون.
أما في الدولة الإسلامية المفترضة فهناك غموض يحيط بهذه المفاهيم، فالولاء مسألة خلافية: هل هو للدولة أم للدين، ومسألة غير المسلمين في الدولة الإسلامية ما تزال شائكة، كما أنّ مسألة ولاء المسلمين المواطنين في دول غير مسلمة هي مسألة أكثر تعقيداً.
إن الفكر السياسي الإسلامي المعاصر مطبوع، إجمالاً، بنزعة تلفيقية، تستخدم الإرث السياسي الماضي في صورة الدولة الحديثة، من دون إحداث تحويرات عميقة عليه، أو صياغته وفق رؤية متماسكة.
وأخيراً، وفي سياق دراستنا لفقر الفكر السياسي الإسلامي نلاحظ غياب ثقافة المؤسسة لصالح ما نسميه “القدوة والهيبة”، وهي صفات للفرد، إذ إنّ المؤسسة لا كاريزما لها، لكنها أقدر على رعاية مصالح الناس من الأفراد لأنها تضمن الاستقرار والثبات والاحتكام للقانون.
عناصر الإشكالية
شغلت إشكالية الدولة المؤرخين وعلماء السياسة، وعكفت النخب الفكرية والأكاديمية منذ سنوات على دراسة الأطروحات الفكرية ذات المرجعية الإسلامية التي تتناول علاقة الدين بالدولة، والدولة بالمجتمع، وعلاقة الدولة مع المجتمعات الأخرى. وقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنّ هنالك أزمة بنيوية للفكر والخبرة الإسلامية في تحديد خطوط الاتصال والانفصال بين الدين والدولة. إذ ثمة ميول جارفة لإدخال القيم والمبادئ والأحكام والممارسات الإسلامية في قوانين الدولة وممارساتها. ومن أجل ذلك تبلورت صيغتان: أولاهما، في الإسلام السني. وثانيتهما، في الإسلام الشيعي. ففي الإسلام السني المعاصر هناك حديث كثير عن نظرية الحاكمية (المودوي، وسيد قطب)، وفي الإسلام الشيعي هناك تطبيق دستوري وفعلي لرؤية ولاية الفقيه في إيران.
مما يطرح مجموعة عناصر، من أهمها:
(1) – الدولة الإسلامية، بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1924 ثم قيام مصطفى كمال أتاتورك بتدشين نظام جمهوري علماني في تركيا، تجدد الاهتمام بفكرة الخلافة وتجديد فقه السياسة الشرعية. فدافع محمد رشيد رضا عن “الخلافة أو الإمامة العظمى”، ووُجدت مسوغات القول والجدل حول علاقة الديني بالسياسي، فصاغ علي عبد الرازق خطاباً نقدياً لنظام الخلافة في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” الصادر عام 1925 وانتشر الجدل واتسع.
بعد ذلك رفع الشيخ حسن البنا شعار “الإسلام دين ودولة”، مما عجّل في بلورة فكرة”الدولة الإسلامية” التي انتشرت في ظل الدولة الحديثة.
ويبدو أنّ “الدولة الإسلامية”، كما تطورت رؤيتها لدى الإسلاميين العرب منذ حسن البنا وعبد القادر عودة وحتى سيد قطب والغزالي والقرضاوي، هي دولة دينية، لها مهمة رئيسة هي “تطبيق الشريعة”.
ومن نافل القول التذكير بأنّ الحركات الإسلامية ظلت ترفع شعار “الإسلام دين ودولة”، وقد استندت في التشديد على مركزية هذا الشعار إلى الفهم القاضي بأنّ انصهار الدين والدولة في وعاء الإسلام لم يكن مرده الظروف التاريخية، بل يحيل إلى علاقة جوهرية ومفهومية، لأنّ إقامة الدولة واجب من صلب التعاليم الدينية. بيد أنّ الممعن في متن هذا الخطاب سيلاحظ أنّ رموزه، بمجرد ما كانوا ينتهون من التأكيد على تلازمية الدين والدولة في الإسلام، ينتقلون رأسا لتحديد دعائم الحكم الإسلامي في ضبابية وغموض، يعكسان غياب النظرة المؤسساتية في خطابهم.
وفي المقابل، هناك أصوات داخل الحالة الإسلامية تنادي بإعادة النظر في فكرة “الدولة الإسلامية” والتركيز على المجتمع، مع القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية. ولنجاح هذا المشروع، فلا بدَّ من الاستعانة بقراءة متجددة للنقاط المضيئة في الفكر والتراث العربي – الإسلامي، بغرض التعاطي المجدي مع أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي، ألا وهو وضع نهاية للاستبداد ومبرراته.
(2)- الحاكمية في مواجهة الأمة، وصل الفكر السياسي الإسلامي، مع السيد قطب وأبي الأعلى المودودي، إلى فكرة الحاكمية وإيديولوجيتها، التي برزت في المنتصف الثاني للقرن العشرين. وغدت حينها الشريعة أساسا للمشروعية، وتحولت إلى إيديولوجيا نخبة بالتمام والكمال. وكان من الطبيعي، بعد أن تحول مفهوم الدين والشريعة إلى إيديولوجيا سياسية نخبوية، أن يبدأ التنظير لفكرة النظام الإسلامي الشامل، فتزايد انفصال الشريعة عن الجماعة والأمة، عندما غدت الشريعة إيديولوجيا.
لقد أبرزت “الرؤية الحاكمية” الافتراق بين الشريعة والجماعة، أو بين الإسلام والأمة بوصفها جماعة مؤمنة. وقضت على الحلول الوسط: فإما أن تكون الأمة خاضعة لتلك الإيديولوجيا فتثبت إيمانها، أو لا تكون كذلك. ثم تفاقمت أزمة المشروعية لتصل عند الإسلاميين التكفيريين إلى حدود التشكيك في الهوية الدينية والثقافية للمجتمعات الإسلامية.
ومثلما اختلف الباحثون الإسلاميون في مفهوم نظام الحكم في الإسلام، فإنهم اختلفوا كذلك في مفهوم الحاكمية، وقد وصف أبو الأعلى المودودي الدولة الإسلامية بأنها “دولة شاملة محيطة بالحياة الإنسانية بأسرها، تطبع كل فرع من فروع الحياة الإنسانية بطابع نظريتها الخلقية الخاصة، وبرنامجها الإصلاحي الخاص، فليس لأحد أن يقوم بوجهها ويستثني أمرا من أمورها قائلا: إنّ هذا أمر شخصي خاص لكيلا تتعرض له الدولة”.
(3) – الأمة، يحتل مفهوم الأمة مكانة مفصلية في خطاب الحركات الإسلامية، بسبب أنّ الإسلام مقوم أساسي للأمة، ومعيار رئيسي للتماثل والهوية والولاء. فباعتبار الأمة الوعاء الذي ينتظم في إطاره الأفراد، ويتآلفون في كنفه على “تقوى الله والإيمان به”، فقد غدت مفهوماً متعالياً موسوماً بالعصمة واستحالة الضلالة، خلافاً لنظيره في الغرب، حيث تأسست الأمة على رابطة المصالح الدنيوية المشتركة.
ويحيل مفهوم الأمة بدوره على أسئلة مركزية، في سياق النظر في علاقة الحركات الإسلامية بالمجال السياسي الحديث، لعلَّ أبرزها معيار الانتماء لديها: هل هو عَقَدي ديني محض؟ أم سياسي؟ أم ثقافي قيمي؟ أم كل هذه العناصر مجتمعة وإن اختلف ترتيبها في سلم الأهمية؟
إنّ صياغة أجوبة عن مقوّمات الانتماء إلى الأمة يفتح الباب أمام بناء منظورات جديدة لإشكاليات تعتبر الحركات الإسلامية مطالبة، أكثر من غيرها، بالاجتهاد للتفكير فيها، وفي صدارتها قضية “الأقليات” غير المسلمة في بلاد الإسلام.
(4) – المواطنة، ويدور الأمر حول ما إذا كان بالإمكان طرح مفهوم للمواطنة يقوم على أساس التوفيق بين مجتمع مؤمن ودولة لا دينية، أي دولة تحترم الدين وتصون الحريات الكاملة لرعاياها المؤمنين لممارسة شعائرهم الدينية، المتعددة والمختلفة والمتباينة، من دون أن تتخلى عن مدنيتها.
ويبدو أنّ مفهوم المواطنة التي تعتمد على الرابطة الجغرا – سياسية، وهو من أهم مفاهيم الدولة الحديثة، قد ظهر مع دعوة الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، لكنّ التدقيق في تفاصيل هذا الإدراك للمواطنة في كتاباته، يجعلنا نجزم بأنه لم يكن واضحاً كفاية، فقد أدرك منه الجانب المتعلق بالمساواة في الحقوق والواجبات أمام السلطة، لكنه لم يدرك بشكل جيد في الحقوق السياسية، وعلى ما يبدو كان مفهوم المواطنة مقتصراً على الجانب المدني. وهذا يعزز الرؤية القائلة بأنّ رواد النهضة العربية الحديثة لم يحيطوا إحاطة متكاملة بمقتضيات الدولة الحديثة، أو حتى بمفاهيمها، فالمسألة بقيت وعياً يمتد على أجزاء من هذه المفاهيم، وهو وعي غير مكتمل، لكن كان واضحاً أنه يمضي باتجاه التكامل.
(5) – الدولة المدنية، بدءاً من القرن التاسع عشر، ومع الاصطدام بالتفوق الأوروبي، والتعرّف على مؤسساته الديموقراطية، تبلورت رؤية إصلاحية خارج “المؤسسة الدينية السلطانية” حاولت توطين المفاهيم الغربية عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدة مع الشيخين محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي: إنّ السلطة السياسية في الإسلام سلطة مدنية، وإنّ الإسلام لا يعرف سلطة ثيوقراطية.
ولأننا مازلنا في إطار فكر التلفيق، وليس التوفيق والتوافق، فقد وجد بعض دعاة الدولة الدينية الأمر سهلاً للغاية فلجأوا إلى تعبير الدولة المدنية، على أن تكون لها مرجعية إسلامية. ومثلهم مثل من استخدموا هذا التعبير بدون ربطه بمرجعية معينة، ولكن لم يبذل الذين لجأوا إليه كبديل عن تعبير الدولة الدينية جهداً لبلورته أو تقديم أي تأصيل له.
ولذلك تظل الأسئلة الأساسية التي يثيرها الحديث عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية بلا إجابة، ومنها: كيف يتم تجسيد المرجعية عملياً ونظامياً، ومن يعبر عنها وكيف؟
(6) – العلمانية، لم تتجاوز “علمانية” الإصلاحية الإسلامية إطار الدفاع عن مدنية السلطة والنظام السياسي من دون أن تصطدم بالدين. ونحن نسميها “علمانية” تجاوزاً لأنها ناهضت مبدأ السلطة الدينية، وأسقطت شرعيته، ونفته عن الإسلام، ولأنها قارعت الاستبداد الديني ورأت فيه أساساً مكيناً لتوليد الاستبداد السياسي. أما إذا التفتنا إلى مضمونها الفعلي، فندرك أنها موقف سياسي خالٍ من أي محتوى فكري من نوع ذلك الذي أسس الفكرة العلمانية في أوروبا، حيث تم الدفاع عن دولة حديثة تستمد السلطة فيها شرعيتها من الرأي العام.
وهكذا، يبدو الخطاب الإسلامي موزعاً بين منطقين في إدراك مفهوم العلمانية. يروم أولهما اختزالها في مقولة “الفصل بين الدين والدولة”، في حين ينادي الثاني بـ “علمانية إسلامية”، لا تقوم على إلغاء الدين وإقصائه، بقدر ما تتأسس على قاعدة التجربة التاريخية والإطار الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية، مما يعني الاجتهاد في إعادة تكييف العقيدة مع ما تتطلبه المجتمعات الإسلامية من حاجة إلى: تأسيس النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ضوء إرادات الشعوب وصيانة حقوقها الأساسية.
لذلك، يطرح التوزّع بين المنطقين أكثر من سؤال منهجي ومعرفي بخصوص تأصيل مفهوم العلمانية وتوطينه في المجال السياسي العربي، بل إنّ الاجتهاد الأكبر يعود إلى الحركات الإسلامية نفسها، فهي المطالبة، قبل غيرها، برفع اللبس عن مفهوم مفصلي في تشكُّل مجال سياسي مؤثث على التعددية، وحق الاختلاف، والتنافس، والتكافؤ في الفرص، وما إلى ذلك مما هو مندرج ضمن سقف الدولة المدنية.
(7) – الديمقراطية، وجد الإصلاحيون الدينيون، منذ القرن التاسع عشر، نوعاً من التوافق، في مجال المفاهيم السياسية الحديثة، ما بين الشورى والديموقراطية، حيث رأوا في الثانية الترجمة الحديثة للأولى، أو الأداة والآلية المناسبة لتطبيق مبدأ الشورى، ووسيلة فعالة للتعبير الواقعي عنه.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي عادت الفكرة القائلة: إنّ مرجعية الشريعة لا تتنافى مع الديموقراطية الإجرائية المعنية بتولي الناس لأمورهم عن طريق الانتخاب، فعاد التواصل من جديد بين نظام الشورى والنظام الديموقراطي، مما يبشر بفاتحة عقد سياسي جديد للعرب يأخذ الشعب والأمة والجماعة مكانتهم المركزية والمقررة فيه.
برامج التيارات الإسلامية المعاصرة
بداية يجدر بنا أن نميز بين الإسلام السياسي، بوصفه ظاهرة سياسية – دينية، وبين الإسلام كعقائد وعبادات وتراث ثقافي. إذ يمكن هنا الانطلاق من تعريف للإسلام السياسي على أنه اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي، على أنّ النقطة المحورية في الإسلام السياسي ربما كانت هي سعيه للوصول إلى السلطة، باعتبار أنّ ذلك هو الشرط الضروري لإقامة مشروعه.
أما تيار العنف فهو يتجسد في جماعات إسلامية مغلقة، مرجعيتهم الدينية تمنحهم يقيناً مطلقاً لا يجدونه في سواها، كما تمنحهم أيديولوجية مبسطة تحل كافة التناقضات حولهم، وتمنحهم شعوراً بالاستشهاد والتسامي والتعالي على الأوضاع الاجتماعية التي يعيشون على هامشها، وأخيراً تمنحهم مشروعية فيما يكنونه من عداء عميق لما حولهم. ولعلَّ الإشكالية الأساسية بالنسبة لهذه الجماعات هي أنّ خصومتهم النهائية مع مؤسسات المجتمع تمتد إلى الواقع الاجتماعي كله فتجعلهم ينعزلون عنه.
وفي سياق بحثنا عن إشكالية الدولة في الفكر السياسي للتيارات الإسلامية، غير العنيفة، المعاصرة، نجد من المفيد تناولها كما يلي:
(1)- الإسلام المستنير
مصطلح شائع منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان، يشير إلى تيار فكري يجمع بين الإسلام والعصر. والواقع أنّ الإسلام المستنير تيار ثقافي وجد في كل عصر، عبر تاريخ الإسلام الطويل، يشير إلى تفسير معين للنصوص، واختيار جماعي معين. وهو يمثل إحدى فرق العصر الحديث الكلامية والمذاهب الفقهية والتيارات الفلسفية، وهو قادر على أن يكون جسراً بين التيارات المتصارعة في عصرنا الحاضر، وقادر على المساهمة في الحد من الصراع بين الأخوة/الأعداء (العلمانيين، والسلفيين)، أنصار الدنيا وأنصار الدين، المتحررين والمحافظين.
(2)- النهضويون الإسلاميون الجدد
حدثت في البيئة المحيطة بالدول والمجتمعات والحركات تحولات كبرى جذرية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، وقد وجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام هذه التحولات الكبرى والتي تغيّر من علاقاتها ودورها. فأجرت بعضها مراجعة شاملة لمواقفها الفكرية والسياسية ورؤيتها لقضايا سياسية واجتماعية، مثل: الديموقراطية والتعددية السياسية والمرأة والأقليات وتطبيق الشريعة والحريات الشخصية.
وهكذا، كان علينا أن ننتظر ثمانينات القرن الماضي لنرى ملامح مراجعة للأفكار والبرامج باتجاه العودة إلى فكرة المشاركة والديموقراطية لدى بعض أطراف الإسلام السياسي، إذ أعيد الاعتبار مجدداً إلى: أولاً، فكرة الشورى ومعادلتها بالديموقراطية ومؤسساتها وآلياتها. وثانياً، وصل ما انقطع مع التربة الفكرية للإصلاحية الإسلامية بنفي فكرة الدولة الدينية. وثالثاً، إحياء فكرة الطابع المدني للسلطة في الإسلام، ومرجعية الأمة في الشأن العام، واحترام التنوّع في الاجتماع السياسي.
ولم تقتصر مساحة هذه المراجعة على راشد الغنوشي وحركة النهضة التونسية، أو محمد سليم العوا، بل فرضت نفسها على الإخوان المسلمين في مصر وسورية، وتعززت أكثر عند حركتي “العدالة والتنمية” في تركيا والمغرب.
ومن شأن هذه المراجعة وتواصلها أن تعكس، من جهة، هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها. وتعمل، من جهة ثانية، مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى في التوصل إلى الحلول المجدية، لإقامة نظم سياسية عربية تضمن المساواة والعدالة والحريات الفردية لجميع المواطنين.
وقد يكون هذا المدخل في استشراف اتجاه إعادة الحركة الإسلامية لإنتاج نفسها أكثر منطقية وصحة، فهي بحاجة إلى أن تبحث عن تعريف لنفسها يختلف عما كانت عليه طوال العقود الماضية، وهو تعريف يجب أن يكون مستمداً من رؤية لدورها وما تسعى إليه بالفعل، ومن حاجة مجتمعاتنا العربية إلى الانخراط في عصر العولمة بكل تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
وفي الواقع، هناك ثلاث مسائل يركز عليها النهضويون الإسلاميون الجدد: أولها، مصدر السلطة، حيث توصلوا إلى التفريق بين المرجعية العليا، والأخرى التدبيرية. فالمرجعية العليا للشريعة، أما القضايا التدبيرية فيقولون إنّ المرجعية فيها للمجتمع. وثانيها، طبيعة السلطة السياسية، يقولون إنها مدنية، بمعنى أنه لا تتوافر لها القداسة أو العصمة شأن السلطة الدينية، كما أنّ الناس هم الذين يشكلونها، وهم الذين يمارسون التفاوض والتنافس بالمشاركة فيها، وبتداولها، وبسن التشريعات البنائية، وليست التأسيسية، التي تنظّم ذلك التداول. وثالثها، وظائف السلطة، إذ يقول الإصلاحيون الجدد إنها تتناول تدبير الشأن العام وإدارته بما يصلحه، ويصون الوجود الوطني والمصالح الوطنية، بعد أن يكون الاجتماع السياسي بالتفاوض وبالتنافس وبالمشاركة قد حددها، وحدد الطرق والوسائل الكفيلة بالوصول إليها.
(3)- أحزاب الوسط الإسلامي
شهدت الساحة السياسية العربية، خلال العقدين الماضيين، حضوراً مكثفاً لتيارات الوسط الإسلامي ذات الطابع السياسي، منها على سبيل المثال: حزب النهضة في تونس، الذي تأسس في عام 1981 تحت مسمى”الاتجاه الإسلامي”، وحزب”العدالة والتنمية” في المغرب الذي يضم بداخله خليطاً من الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية التي تأسست عام 1967، وأعضاء من حركة “الإصلاح والتجديد” المغربية، وحزب الوسط الإسلامي الأردني الذي تأسس عام 2001، وحزب “الوسط الجديد” في مصر، الذي يكافح أعضاؤه منذ عشر سنوات من أجل الحصول على رخصة قانونية تمكّنه من مزاولة العمل السياسي، ولم يحظوا بها حتى الآن.
وثمة عوامل موضوعية تدفعنا نحو دراسة ظاهرة أحزاب الوسط الإسلامية، يمكن أن تساهم في ترسيخ تجربتها، وتكثيف حضورها السياسي في العالم العربي، وما قد يؤدي إليه ذلك من مصالحة تاريخية لإشكالية الدين والدولة، التي شغلت، ولا تزال، حيّزاً مؤثّراً في الفضاء العربي.
فمن جهة أولى، تعبّر هذه الأحزاب عن درجة متقدمة من الوعي السياسي الإسلامي طالما افتقدته الساحة العربية منذ نشأة الدولة الوطنية، وهو الذي تعرّض لقدر كبير من التشويه بفعل الصراع الضاري بين الدولة وتيارات العنف الديني الذي استمر قرابة عقود ثلاثة من القرن المنصرم، ما أثار الشكوك حول فرص “إنضاج” تجربة سياسية إسلامية مدنية. ومن جهة ثانية، تمثل هذه الأحزاب خروجاً عن التصنيف التقليدي لتيارات الإسلام السياسي بين معتدل وعنيف، كي تضيف معياراً جديداً للتصنيف يتمثل في الكفاءة السياسية، أي قدرة هذه التيارات على استيعاب مفاهيم الديموقراطية والعمل المدني، والتعاطي معها بعيداً من هيمنة الديني على ممارساتها السياسية. ذلك أنّ هذه الأحزاب، وإن كانت تتمتع بمرجعية دينية تحكم رؤيتها لذاتها وللآخرين، شأنها في ذلك شأن التيارات الإسلامية الأخرى، إلا أنها لا تنطلق في ممارستها السياسية من خلفية دينية، ولا تمثل المرجعية بالنسبة لها سوى “حاضنة حضارية” تتسع لجميع صنوف الاختلاف السياسي والديني داخل الوطن الواحد.
ومن جهة ثالثة، تقدم هذه الأحزاب رؤية متميزة لطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، تمكنت خلالها من حل تلك الإشكالية التاريخية، التي طالما لازمت جميع تيارات الإسلام السياسي، وتجاوزت بها أطروحات العديد من التيارات الإسلامية، خصوصا فيما يتعلق بقضايا المواطنة والمرأة. ومن جهة رابعة، تطرح هذه الأحزاب مشروعاً “حداثياً” للمجتمعات العربية، وهي بذلك تقدم حلاً قد يعتبر “خلاصاً” للإشكالية التي أرّقت الفكر الإسلامي طيلة القرن العشرين، ممثلة في كيفية العلاقة بين الدين والحداثة، وما تنطوي عليه من قضايا خلافية تتعلق بالهوية والذات الحضارية وشكل العلاقة مع الآخر.
ومن جهة أخيرة، تتمتع هذه الأحزاب بدرجة عالية من المرونة الفكرية، تسمح لها بتطوير أفكارها وآلياتها، وتجعلها في حالة سيولة دائمة واشتباك متجدد مع قضايا العصر، وذلك مقارنة بحركات إسلامية متقوقعة داخل جدران “النص الديني”، دون القدرة على تجاوزها، مما أدى إلى جمودها السياسي والفكري، وقلل من فرص اندماجها في الحياة المدنية.
وواقع الأمر فإنه يمكن النظر لأحزاب وتيارات الوسط الإسلامي، باعتبارها وصلاً لمشروع النهضة العربية الذي طرحه الآباء المؤسسون: الطهطاوي والتونسي والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي، وتم قطعه منذ ثلاثينيات القرن الماضي بفعل الأفكار والمشاريع التي طرحتها الأحزاب والتيارات الراديكالية في صياغاتها الماركسية والقومية والدينية.
في ضرورة التجديد الإسلامي
للمشهد الجديد حسناته وسيئاته بالطبع، ولكنّ المؤكد أنه بحاجة إلى تفكير جديد يوصل إلى أدوات فهم وعمل جديدة، ويطرح أسئلة جديدة مختلفة، مثل هل يتحول الإسلام إلى مكوّن لكل التيارات والاتجاهات والطبقات تتشارك فيه ولا يقدم برنامجاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً خاصاً به؟ بمعنى هل يختفي الاتجاه الإسلامي كتيار مستقل، لنجد مثلاً تشكيلات يسارية إسلامية، وليبرالية إسلامية، وعلمانية إسلامية، وقومية إسلامية، ومحافظة إسلامية؟ لتتحول الإسلامية إلى مكوّن مشترك، أو تفقد خصوصيتها وتنتهي كظاهرة سياسية وإطار للتجمع والعمل.
إن هذه المقولات تتطلب من الحركات الإسلامية تبنّي جملة من الأفكار والممارسات بشكل صريح لا لبس فيه:
(1)- أن تتحول إلى أحزاب سياسية لها برامجها وأهدافها ووسائلها وتنظيماتها، وأن تعزف عن وضعها الحالي، حيث تعتبر نفسها حركات دعوية تلبس أحياناً ثوباً سياسياً.
(2)- أن تقبل إجراء قراءات نقدية وجدية معمقة للفقه الإسلامي وللتراث وللأحاديث النبوية وللأحداث التاريخية.
(3)- أن تشرح ماذا يعني شعار “الإسلام هو الحل”. هل هو خلاص فردي أم حل سياسي أم اجتماعي أم ثقافي أم اقتصادي؟ وألا تبقيه شعاراً عاماً غير محدد المعالم والأهداف، باستثناء خاصيته الجاذبة للشعبوية التي تخلط بينه كشعار ديني وشعار سياسي.
(4)- أن تشرح للناس معنى أنّ الإسلام هو المرجعية الأساس للدولة أو المرجعية الرئيسية، كما تشرح مضمون الدولة حسب مفهوم هذه الحركات ومعاييرها ووظائفها ومهماتها ودورها الاقتصادي والاجتماعي.
من هنا أهمية مشروع سياسي إسلامي جديد يحاول حل هذه المعضلة، عبر ما يسميه نظاماً ديموقراطياً في إطار المرجعية الإسلامية. فالنظام السياسي يقوم على أنّ الشعب هو مصدر السلطات، الأمر الذي يجيب بشكل حاسم على سؤال طالما أربك حركات أصولية طورت خطابها السياسي باتجاه قبول الديموقراطية. والمواطنة، وليس الدين، هي أساس العلاقة بين النظام السياسي والشعب.
وأهم ما في هذا المشروع أنه يساعد في طمأنة الخائفين من أن يقضي وصول حركة إسلامية إلى السلطة، في انتخابات حرة، على الديموقراطية في مهدها. ولذلك، فمن شأن مشروع النظام الديموقراطي في إطار مرجعية إسلامية، أن ينقل الحوار حول حقيقة موقف الحركات الإسلامية تجاه الديموقراطية خطوات إلى الأمام. غير أنّ هذه الفكرة لا تزال في حاجة إلى عمل عليها، يجعلها أكثر وضوحاً ويزيل الالتباس الذي ما برح عالقاً بها. إنّ أهم ما ينبغي أن ينشغل به أصحاب فكرة النظام الديموقراطي ذي المرجعية الإسلامية هو بلورة هذه الفكرة، وتقديم رؤية واضحة غير ملتبسة لهذه المرجعية بما في ذلك كيفية تجسيدها وآليات عملها.
المطلوب إذاً من الجماعات الإسلامية السياسية أن تكف عن الاستعمال الشعاراتي للإسلام، وأن تبدأ في صوغ النظرية الإسلامية السياسية الناضجة، ولن يكون ذلك إلا من خلال مجموعة من القراءات المعمقة الني يتم فيها استقراء جميع النصوص الشرعية ذات العلاقة بالشأن السياسي، ومحاولة إمعان النظر فيها مع فهم الواقع المعاش بكل تعقيداته، ثم محاولة الخروج برؤية إسلامية سياسية ناضجة، واضحة المعالم ذات عمق شرعي ووعي سياسي، يمكن الانطلاق منها وجعلها قاعدة لخطط إصلاحية عملية.
مستقبل الإسلام السياسي
الواقع أنّ الظاهرة الإحيائية الإسلامية ما تزال قوية وفاعلة، ولا تتجه إلى الانحسار، والبارز في تيارها الرئيسي ثلاثة أمور: مغادرة العنف، والانتشار ضمن فئات شعبية واسعة، والاتجاه المتعمد خلال العقدين الأخيرين للدخول في الدولة والنظام، أو الطلب القوي للمشاركة فيهما، بعد أن استتب لها الأمر في مؤسسات وجهات كثيرة في المجتمع المدني، وبعد أن سيطرت على “جدول أعمال” المتدينين، وصار لها نفوذ ثقافي بارز.
ولا شك في أنّ مسائل مثل التعددية السياسية والحريات الفردية، والأقليات، والمرأة، أمور أساسية لدولنا ومجتمعاتنا. لكن لا يمكن الزعم أنّ الإسلاميين هم الذين يحولون دونها أو يقفون عقبة في طريقها، فهناك من جهة وعي عام محافظ يتجاوز الإسلاميين، وهناك من جهة ثانية التجربة السياسية العربية المعاصرة، التي وضعت الجميع في مواضع ومواطن لا تقدم أغلبها أي أنموذج نستطيع أن نطلب من الإسلاميين احتذاءه.
ورغم أنني من أنصار الدولة الحيادية عن الأديان والأحزاب والأيديولوجيات، القائمة على أسس الديمقراطية الحديثة ومبادئها في الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان، دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين والعقيدة، إلا أنّ واقع صعود التيارات الإسلامية السياسية في عالمنا العربي يفرض عليَّ، انطلاقاً من موضوعية قراءاتي للتحولات الاجتماعية والسياسية، ومن انخراطي في شجون الشأن السوري والعربي العام، ضرورة دراسة هذا الواقع والاهتمام بتطوراته الإيجابية والسلبية والمساهمة في ترشيدها، وفق أسس قانونية وسياسية واجتماعية واضحة المعالم والأهداف والوسائل.
ولاشك أنّ نشوء تيار إسلامي مدني، يؤمن بفصل الدين عن الدولة، ودعم الدولة الحيادية التي ترعي كل الأديان وتصون مقدساتها، وتضمن حقوق كل مكوّنات مجتمعاتنا، هو أمر بالغ الأهمية في زماننا الصعب الذي لابدَّ فيه من دعم مؤسسات الدولة القائمة على مبدأ المساواة في المواطنة، وهو أمر بالغ الحيوية والأهمية لتطوير المفاهيم الدينية، ولكن بشرط الإيمان بدنيوية الممارسة السياسية، ولوازم الدولة من الديمقراطية الحقيقية والتعددية وتداول السلطة، واستناد البرامج السياسية إلى أسس مدنية ومعايير عقلانية، بعيداً عن المزايدات الدينية والتدخل في حيوات الناس الشخصية.
(*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة دولية حول “الحركات الإسلامية والمجال السياسي في المغرب والبلاد العربية، بدعوة من (مركز الدراسات الدستورية والسياسية) في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض – مراكش – المغرب، بمساهمة من مؤسسة “ونراد أديناور”، خلال يومي 21 و22 يونيو/حزيران 2007. (نُشرت في كتاب جماعي – 2008، مركز الدراسات الدستورية والسياسية/مراكش).