الخداع الدولي للسوريين؟
بعد مرور أربع سنوات على انطلاقها، اتضح أن الثورة السورية تحظى بتأييد شعبي منقطع النظير، وأن فصائلها المسلحة حققت انتصارات وحاصرت النظام في أكثر من محافظة، أهمها العاصمة دمشق وحلب، ولم يتمكن النظام بالرغم من داعميه الأساسيين ممثلين بإيران والميليشيات الطائفية من الصمود، إلى أن جاء التدخل العسكري عام 2015 لدولة عظمى هي روسيا.
وبالرغم من أننا ننتقد الدور الروسي الداعم لنظام مجرم إلا أن روسيا نجحت في إحراز نتائج معينة في المجال الميداني والدبلوماسي والسياسي. وكل النجاحات الروسية لم تكن لتكون لولا إفساح الطريق أمامها من قبل اللاعب الأكبر وهو الولايات المتحدة. ولكن هذه النجاحات خلفّت المزيد من التهجير والقتل والتدمير. إذ إنها جاءت على حساب دم الشعب السوري ومنشآته الخدمية والطبية، وكذلك القضاء على ثورته المطالبة بالحرية والكرامة. وهذا الاستنتاج والنجاح تدعمه الأمثلة الملموسة والتصريحات المتناثرة هنا وهناك من قبل المسؤولين الأمريكيين.
ولكن لنرى ما هي ألاعيب المجتمع الدولي في إطالة عمر النظام وإجهاض نضال الشعب السوري.
منذ أن تمكنت روسيا من الجلوس مع الفصائل المسلحة السورية في أنقرة نهاية عام 2016 بدأ العد التنازلي بالنسبة للثورة في الميدان، وفي بداية 2017 بدأت مفاوضات أستانا وهي أكبر التفاف على الثورة وقالوا حينها هذه المفاوضات مخصصة فقط للتنسيق الميداني والعسكري. وكان سقوط حلب حدثاً فاصلاً في مسيرة الثورة.
وتمخض عن أستانا توجيه أكبر ضربة للثورة السورية تمثلت في اتفاقيات مناطق خفض التصعيد الأربع التي نفذتها روسيا وإيران (وهما دولتان ضامنتان!) والنظام واستعادوا مساحات واسعة من سيطرة الجيش السوري الحر إلى هيمنة النظام. وبقيت إدلب تحت سيطرة جبهة النصرة، ولكن أستانا أصبحت غطاء لجريمة العصر وهي التغيير الديموغرافي المتجسد في ترحيل ملايين السوريين إلى مناطق الشمال وتم توطين مرتزقة إيران بدلاً منهم.
ثم جاء الروس بمؤتمر سوتشي عام 2018 الذي كان أشبه بالكرنفال الهزلي حيث حضره 1400 سوري، وتمخض عنه قرار خطير جداً هو تشكيل لجنة للإصلاح الدستوري بالتعاون مع الأمم المتحدة وبمعارضة محدودة من النظام.
والغريب أن الائتلاف الوطني رفض بالأغلبية حضور مؤتمر سوتشي، إلا أنهم تهافتوا لاحقاً على المشاركة في اللجنة الدستورية!
ويعرف السوريون أن فرض اللجنة الدستورية كأولوية هو التفاف واضح ولعبة قذرة أجهضت مفاوضات جنيف وبيانها عام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 وجعلت العالم ينسى السلال الأربع التي يفترض أن تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية.
وبالرغم من الانتقادات الأمريكية المتتالية للمواقف الروسية في كل مناسبة إلا أنهم ومعهم كل الدول الأوروبية يسارعون إلى مباركة خطوات الروس، ويؤكدون على ضرورة تفعيل عمل اللجنة الدستورية وكأن الأمريكان والروس متفاهمين أو يتقاطعون بالنهاية حول تطبيق مبدأ المماطلة والتسويف لإطالة عمر الأزمة وأن تتحول سورية إلى دولة فاشلة وكي يجبروا السوريين على حلول لا تتناسب وطموحاتهم المشروعة.
ولعل الوضع الكارثي في الداخل السوري يخص الموالين قبل المعارضين والصامتين، أي أن الكارثة وطنية بامتياز والمشاركين في الجريمة أولهم النظام وحلفاؤه وأمريكا وإسرائيل.
وها هي اللجنة الدستورية تجتمع في جنيف هذه الأيام، ولا يثق السوريون بأي عمل لهذه اللجنة لأنها مُشَكّلة من قبل الدول من أجل صياغة دستور سوري. أي أن الخلل هو في طريقة تشكيل هذه اللجنة. وحتى لو صاغوا دستوراً، وهذا مستبعد لأن الهدف من اللجنة الدستورية هو تمكين النظام من ترتيب أوراقه إلى أن تزول أهمية اللجنة بحد ذاتها، فكيف يمكن تنفيذه في سوريا بوجود نظام قمعي فاسد دمر البلاد والعباد، والمجتمع الدولي يدرك ذلك جيداً فنظام الأسد لا يمكن أن يتخلى عن السلطة والثروة بطريقة الإقناع أو المنطق بل فقط بقرار دولي ملزم (تحت الفصل السابع) أو بطريقة الانقلاب العسكري أو غيرها.
ويبدو أن قصة اللجنة الدستورية التي لم تصل إلى أي نتيجة بعد أربع جولات على مدى عامين، ستحتاج إلى سنوات كي تبدأ بمناقشة الدستور نفسه.
وكل هذه المماطلة والتخاذل الدولي له مُخْرِج واحد وهو الأمريكان أما البقية فهم ممثلون في مسرحية قتل الشعب السوري وتدمير سوريا لغاية في نفس يعقوب.
فالوضع الحالي ليس في صالح الشعب السوري ولا في صالح النظام. الذي على الرغم من بقائه فهو هزيل وفاشل وعاجز عن حل مشاكل الناس المعيشية والاجتماعية والصحية والأمنية. أما المعارضة فهي مفككة ولللاعبين الدوليين والإقليميين دور في ذلك.
أيها السوريون لا تثقوا بالألاعيب الدولية، بل يجب الاعتماد على الذات وبناء تيار وطني ديمقراطي عريض يحمل هموم السوريين بصدق ويلتزم بقضية الثورة ويتمتع بصوت وطني مستقل.
إن لم ينهض السوريون ويوحدوا كلمتهم ويضعوا هم الوطن فوق كل اعتبار، كما قال المرحوم ميشيل كيلو وهو على فراش الموت، بغض النظر عن تصنيفاتهم معارضين أو موالين أو رماديين، سيبقى النظام والشبيحة وستستمر البلاد في الانحدار نحو الهاوية ولن يربح أحد من السوريين من ذلك سوى المتربصين بسوريا كبلد وشعب هز المنطقة والعالم بانتفاضته الشعبية العارمة.