الثورة السورية في ذكرى انطلاقتها السنوية الثانية عشرة
حين هتف السوريون للحرية منذ اثني عشر عاماً وخرجوا للشوارع والساحات بصدورهم العارية، لم يكن في اعتقادهم سوى الخلاص من كابوس القهر والذل والفساد، والتطلع إلى مستقبل وحياة تليق بكرامة الإنسان. كانت جاهزيتهم للتضحية غير محدودة فجروا من خلالها ثورة شعبية بعد عقود من طغيان نظام استبدادي شمولي فئوي، كانت أحلامهم مشروعه وتطلعاتهم محقة وآمالهم كبيرة، تم قمعها بالشراسة المعهودة لنظام الإجرام الأسدي.
أين نحن من تلك الأحلام والتطلعات التي احتضنها الملايين؟ وما حال الشعب السوري في مواجهة ما تسبب به نظام عصابة الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس وميليشيتيهما من كوارث أين منها كارثة الزلزال التي حصلت في شهر شباط الماضي، وما حال سوريا الآن بعد تمزيق جغرافيتها وتهجير نصف سكانها وخروج أكثر من ثلثهم إلى دول الشتات، ومن بقي داخل البلاد يعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وما هي آفاق الوضع السوري في ظل التعقيدات الكبيرة للمشهد الدولي والإقليمي، ومحاولات بعضهم تطبيع علاقاته مع الأسد من جديد، وغياب التمثيل الحقيقي للشعب السوري، وما حال الثورة السورية التي لم تنطفئ شعلتها رغم كل ما حصل؟
أسئلة كثيرة يفكر بها السوريون، رغم أولوية اهتمام قسم كبير منهم في البحث عن مصادر للعيش تبقيهم على قيد الحياة وعلى حد أدنى من الأمان، تبدو الصورة قاتمة رغم النجاحات التي يحققها السوريون كأفراد وجماعات وهيئات واكتساب الدروس من المحن القاسية التي مروا بها.
لا شك أن المهام المطروحة على النخب والقوى السياسية والاجتماعية التي تتمثل بالنهوض بوعي السوريين، باتت مضاعفة عما كانت عليه، لكن لا سبيل سوى العمل والتفكير الصائب بعيداً عن الأوهام الإيديولوجية والعصبيات القاتلة، والتخلص من الأمراض الموروثة عن عهود التخلف والاستبداد.
الوطنية السورية التي أطلقتها ثورة الحرية والكرامة تنهض من جديد وتزداد القناعة بأهميتها وفاعليتها، وطموحنا أن تتحول من مرحلة الوعي إلى مشروع وطني ديمقراطي قادر أن يتحول إلى جسم سياسي معبر عن تطلعات الشعب ومصالحه. هذا المشروع يحتاج الى إنضاجه وعياً وممارسةً، وهو حصيلة عمل جماعي بعد تمزق الحقل السياسي السوري في ظل الاستقطابات التي شهدتها الساحة السياسية السورية من قبل قوى الأمر الواقع والأطراف الإقليمية والدولية.
بناء هذا المشروع لا يقتصر فقط حول الخطاب السياسي والمفاهيم السياسية لتأكيد الثوابت الوطنية تجاه مستقبل سوريا وربطها بمنظومة حقوق الإنسان بل أيضاً على صعيد الممارسة ومأسسة العمل الجماعي وتجاوز أمراض الخلاص الفردي التي سادت في عهود القحط السياسي الممنهج.
وحدة السوريين على أهداف ومهام مشتركة بمقدوره تشكيل قوة مؤثرة في المجالات كافة تبقي قضيتهم العادلة حاضرةً في المحافل الدولية، ويمكن أن يتم ذلك بمزيد من التنسيق والتشبيك مع الأطر والهيئات في بلدان الاغتراب والداخل السوري، ومثالنا على ذلك ما تقوم به الخوذ البيض من دور فعال، وما تقوم به بعض المنظمات والهيئات في أمريكا وأوروبا “تحالف قيصر، المركز السوري للدراسات القانونية…” المسار في هذا التوجه ليس سهلاً لكنه يستند إلى قوى كامنة كبيرة تفجرت بحشود شعبية شاهدناه في حراك عشرات الألوف في الشمال السوري، والتظاهر السلمي في السويداء ودرعا وفي أكثر من مكان، ويستند أيضاً بالسعي للحوار الدؤوب والمنظم، أنه مخاض عسير لكنه مجدي والفعل التاريخي ينضجه الزمن.
وإذا كان المجتمع الدولي المتردد تجاه قضايا بعض الشعوب قد عجز عن مساعدة الشعب السوري الذي ثار من أجل حريته وكرامته وإقامة دولة المساواة والمواطنة، إلا أنه أصدر قرارات عبر مجلس الأمن (بيان جنيف 1 والقرارين 2118 و2254) بمقدورها اذا توفرت إرادة جدية ان تضع سوريا على سكة الحل من خلال فرض هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات تنهي حكم الاستبداد وتفكك المركب العسكري الأمني القائم وتحقق العدالة الانتقالية وتعيد توحيد البلاد وإخراج الاحتلالات وإنهاء أذرعها المختلفة.
لتكن ذكرى الثورة حافزاً للخروج من حالة الإحباط والوهن التي أصابت قطاعاً من الشعب السوري واستعادة شباب الثورة دورهم وريادتهم في عملية التغيير الثوري المنشود.
تحية إجلال لأرواح شهداء الحرية والكرامة. الحرية للمعتقلين والعودة الآمنة لللاجئين.
عاشت سوريا حرة ديمقراطية، دولة للقانون والمواطنة.
16 آذار 2023
حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية