بيان حول لقاء موسكو الثلاثي
اللقاء الذي جرى في موسكو والذي جمع وزراء دفاع كل من: روسيا وتركيا والنظام السوري برفقة مسؤولي أجهزة استخبارات كل دولة، لم يكن مفاجئاً لأحد بعد سلسلة من التسريبات في الآونة الاخيرة وخاصة ما يتعلق منها بالعلاقة بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية.
لم تكن العلاقات الاستخباراتية بخافية على أحد، لقد أقر الطرفان استمرارها دون انقطاع قبل وخلال سنوات الثورة السورية، وفي الآونة الأخيرة جرت تسريبات عن لقاءات عرضيه حصلت في أكثر من مناسبة لم يعلن عنها في حينه إلى أن جاء لقاء موسكو العلني والدور الروسي فيه.
ما هو واضح اليوم أن تركيا لم تعد تتحمل أثقال ما يجري في سوريا، وأصبحت القضية السورية من العوامل المؤثرة في الوضع الداخلي التركي في ظل عدد السوريين الكبير داخل تركيا والذي يقارب الأربعة ملايين، وما يترتب على الدولة التركية من أعباء استيعاب هذا العدد الكبير، إضافة إلى نفوذها الواسع على مختلف الأصعدة في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام “النصرة” والذي يقترب من دور دولة انتداب، وأصبحت الحكومة التركية اليوم أمام خيارات جديده تحكمها الانتخابات القادمة واستماتة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان بالإمساك بالسلطة وقطع الطريق على منافسيه من الأحزاب المعارضة التي توظف قضية السوريين المقيمين في تركيا كورقة ضاغطة على حكومة أردوغان لكسب صوت الناخب التركي، وصوت الناخب العلوي، إضافة للخطر الذي تشكله “وحدات حماية الشعب” الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني PKK والتي تعتبر العمود الفقري لتنظيم “قسد”.
لقد وفّر العدوان الروسي على أوكرانيا دوراً جديداً لتركيا ووسع من خياراتها وتثقيل دورها بحكم موقعها الجيواستراتيجي الذي أصبح بمثابة بيضة القبان في العلاقة بين كل من روسيا والغرب عموماً وأهّلها للعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا وبالشراكة مع الأمم المتحدة في تسهيل عملية إمداد المواد الغذائية ومنتجات الطاقة من روسيا وأوكرانيا الى دول العالم.
ما يهمنا نحن السوريين هو أن تركيا ذاهبة إلى خيارات جديدة يمكن أن يقال عنها بأنها ضارة بقضيتنا لما لتركيا من تأثير عسكري وسياسي ومجتمعي وخاصه في مناطق الشمال وهذا ما ينعكس سلباً على استمرار الثورة السورية ويعطي حبل إنقاذ للنظام السوري في ظل الأزمة الاقتصادية والمعاشية والأمنية والعزلة الدولية التي يعيشها، ويفتح الطريق أمام أكثر من دولة نحو إعادة علاقاتها مع النظام متذرعة بالاستدارة التركية نحوه وتشكل زيارة وزير خارجية الامارات ولقائه مع الأسد في دمشق مؤشراً على ذلك، في ظل صمت المجتمع الدولي المتجسد في مجلس الأمن الذي أصدر قرارات اممية جوهرها الذهاب الى حل سياسي ينتهي بهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، يسبقها الإفراج عن المعتقلين ووقف العمليات العسكرية وتامين الإغاثة وخلق البيئة الآمنة لعودة المهجرين والنازحين الطوعية والآمنة إلى منازلهم ومناطقهم.
ما كان لعلاقة تركيا مع النظام أن تصل إلى هذا المستوى المفتوح على لقاء قمة بين أردوغان والأسد حسبما افاد الأول بذلك، لولا تقاعس المجتمع الدولي وتخليه عن دوره في إنهاء المأساة التي يعيشها الشعب السوري على مدى هذه السنوات الطويلة، ولا يمكن لنا أن نتفهم كسوريين التصريحات الأمريكية المتكررة في ظل ثلاث إدارات إضافة إلى عدد من التدابير التي دخلت ضمن التشريعات الأمريكية مثل قانون قيصر والقانون المتعلق بالكبتاغون (الذي يدر المليارات على نظام الإجرام)، ووضع العشرات من مسؤولي النظام على قوائم الإرهاب، والتي بات يرى فيها المواطن السوري عديمة الجدوى في ظل استمرار هذا النظام، وتسويف الإدارات الأمريكية في تطبيقها.
شكل الحراك الثوري الواسع في مدن وبلدات شمال حلب وشمال غربها، بعد اللقاء الثلاثي، الذي أعلن تمسكه بأهداف الثورة والمطالبة بإسقاط النظام ورفضه للمصالحة معه، عامل ضغط كبير على مؤسسات المعارضة الرسمية المتمثلة بالائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة، التي بقيت صامتة صمت القبور وكأنها آخر المعنيين بالقضية السورية، حتى تكرم وزير خارجية تركيا والتقى بها، لتخرج علينا بعد هذا اللقاء دون حياء محاولة تبرير الموقف التركي والدفاع عنه ومقللة من ضرر السياسة التركية على الثورة بحجة عدم تخلي تركيا عن المعارضة السورية وأنها “تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري، وأن المعارضة تدعم تركيا في أي خيار عسكري أو دبلوماسي” حسب ما صرّح به رئيس الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف وتصوير ما حصل وكأنه في غير صالح النظام وروسيا، وهما أكثر من أضر بسوريا وهدد وحدتها الجغرافية والمجتمعية ودمر البشر والحجر والشجر، وأصبح الحديث مع النظام كمقاوم للإرهاب وليس الإرهابي الأول الذي رعى كل أشكال الإرهاب على الأرض السورية بمختلف مسمياته وكأن نظام بوتين حمامة سلام وهو الذي أشبع السوريون قتلاً وتدميراً وقدم كل أشكال الدعم إلى ربيبه الذي حوّل سوريا إلى دولة فاشلة.
أصبح لزاماً على قوى الثورة بالاستناد على الحراك الثوري الذي شهدته مناطق واسعة من سوريا والذي يأخذ أشكالاً مختلفة والمرشح للتصعيد والاتساع، إعادة تنظيم صفوفها وتقييم مواقفها من الدول الإقليمية والدولية ومن المؤسسات الرسمية “المعارضة ” والعمل على توليد جسم سياسي جديد يتعامل مع المجتمع الدولي بدلالة المصلحة العليا للسوريين الأحرار، وإعادة الاعتبار للقرارات الأممية وجذرها بيان جنيف1، والقطع مع أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية والضغط على المجتمع الدولي بوضع هذه القرارات على سكة التنفيذ وصولاً إلى دولة سوريا المستقلة لا مكان فيها للتسلط والاستبداد.
عاشت الثورة السورية والحرية للمعتقلين والمغيبين وعودة آمنة للاجئين والنازحين.
2023/1/10
حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية