تقدير موقف سياسي

img

نعتقد بأن الروس تورطوا في حرب قد تنهي دورهم كقطب دولي فاعل في السياسة الدولية، وستظهر علامات الضعف وخسارتهم سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وربما على الصعيد العسكري بعد سبعين يوماً من القتال لم تعلن أي نتائج ميدانية، ما أدى إلى طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان إضافة إلى بعض القرارات التي بدأت الجمعية العمومية تحل محل مجلس الأمن هروباً من الفيتو الروسي العضو الدائم من الأعضاء الخمسة الدائمين، لأن غاية الأمم المتحدة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، أي مستقبلاً.

وإذا بقيت الحرب مستمرة، ستخسر روسيا الكثير من مصداقيتها الدولية، ونرى إنهاء الحرب ووقف القتال فيه مصلحة دولية، والعودة إلى الحوار رغم الخطأ القاتل لبوتين في غزوه لأوكرانيا الذي أعطى الفرصة للعالم الغربي إلى حشر الروس بزاوية ضيقة، ومع الحذر خوفاً من تصرفات حمقاء قد تؤدي إلى دمار العالم، وربما الصراع بين روسيا والغرب قد يصل إلى كسر العظم، وبقاء الأمريكان كقطب وحيد في العالم. 

إن غباء الدبلوماسية الروسية التي عادة ما تلجأ إلى ضخ معلومات غير صحيحة عبر إدارة الحرب وبعقلية إدارة الحروب التقليدية بعد أن كشف الإعلام الغربي عن تخلف مكانيزمات الروس وكيف يفكر المستبد كعقل لا يقبل المخالف له وبصيغة نفذ أولاً.

إن الدول تتعامل مع بعضها وفق سياسة المصالح، وتوحد الغرب في مواجهة روسيا جاء لسببين نرى الأول: هو اعتداء دولة على دولة مستقلة ذات سيادة وهذا خرق للقانون الدولي وهو خرق لميثاق الأمم المتحدة ما يجعل العالم في حالة فوضى بدلاً من السلام.

والثاني: الدفاع عن الديمقراطية ومصالحها، بعد دعم أوربي وأمريكي عسكري ومادي تجاوز ثلاث وعشرون مليار دولار.

من هنا بدأت العقوبات تفرض على موسكو من قبل الغرب وآخرها إعلان كبير الدبلوماسيين الأوربيين جوزف بوريل الثلاثاء الثالث من أيار حزمة سادسة من العقوبات الأوربية ستضمن إقصاء مصارف روسية أخرى من نظام سويفت للتعاملات المالية الدولية وسط سعي أوربي معقد للحد من واردات الطاقة الروسية مع تحولات في مواقف الدول كألمانيا أكبر مستهلك للطاقة الروسية التي قد تستغني عن هذه الطاقة، ما يحرم موسكو من مصدر كبير للدخل (علماً أن صادرات الطاقة مستثناة من العقوبات الدولية) وقد يحد من جهود الكرملين الحربية، ومن البنوك التي طالتها العقوبات “سبير بنك” أكبر مصرف في روسيا تبلغ حصته 37% من السوق وسيتم إقصاؤه، إضافة إلى عقوبات جديدة على النفط الروسي.

يعتقد بعض الخبراء والمحللين بأن هذه الحرب ستستمر لسوء الحظ نتيجة التدخل الخارجي فيها وربما تحدث متغيرات على صعيد العالم بأسره وولادة نظام عالمي جديد، وبعضهم أسماها حرباً عالمية ثالثة لكن بعقلية 2022، والقانون الدولي وربما مجلس الأمن، وكذلك في دور الأمم المتحدة وهذه طبعاً كلها تلميحات.

وربط بعضهم ما حدث في سوريا بما يجري في أوكرانيا صحيح لجهة المجازر والوحشية، لكن في أوكرانيا، اعتداء صارخ كما نوهنا في المقدمة على دولة ذات سيادة، أي اعتداء خارجي، بينما في سوريا هناك ثورة شعب ضد نظام مستبد فاشي أي داخلية.

من هنا يجب عدم المقارنة أو كما يذهب بعضهم إلى السب والشتم والتهويل على الغرب بأنه تبنى موقف أوكرانيا ودعمها في مواجهه احتلال خارجي، بينما لدينا اعتبروها ثورة تحررية ضد الاستبداد ولو كان الروس طرف في محاربة وقصف وقتل للسوريين كما يحدث من تدمير وقتل للشعب الأوكراني وهدم البنية التحتية في مدن أوكرانية وتشبيه التدمير لمدن سورية عامة ولحلب خاصة.

الموقف التركي من الحرب على أوكرانيا

مازال الأتراك ممسكين بالعصا من المنتصف، ومحاولاتهم في إيجاد حل لوقف الحرب ولوجود مصالح لهم وقيامهم بدور الوسيط بين الأطراف وترتيب لقاءات بين الطرفين وآخرها محاولة لقاء زيلنسكي وبوتين في استنبول، وباءت بالفشل ويبدو أن التعنت الروسي أو العقلية الفوقية للروس تجعل من اللقاء غير ممكن بالمرحلة الراهنة، ونعتقد أن الأتراك يعرفون مصالحهم جيداً وأين تكمن قوتهم، ولذلك انعكاسات الحرب على الملف السوري مازال راكداً لجهة تركيا رغم الضغط الناعم لأمريكا على الأتراك وكذلك السوريون في تركيا وإعادتهم للداخل مازال في إطار معركة الانتخابات الداخلية المزمع إجراءها في تركيا.

وإن طرح التقارب التركي الخليجي وآثاره عل القضية السورية نراه بإيجابية ولا نعتقد أن الأمريكيين بعيدون عن هذه الخطوات التي تقوم بها تركيا والانفتاح باتجاه المحيط والأتراك يجيدون سياسة المصالح، ومن حيث النتيجة لن تخرج تركيا عن سياسة حلف الناتو في الموقف من الروس، وفي النهاية سينعكس ذلك على الملف السوري كخطوة إيجابية رغم الخلافات حول الموقف من حزب العمال الكردستاني لجهة وضع الشمال وضعف النظام السوري وإضعاف دور الروس.

وهذه الحرب انعكست على المحادثات النووية الإيرانية مع الأمريكان، ونعتقد أنها وصلت إلى طريق مسدود رغم قيام الإيرانيين بوضع الموقف من الروس كورقة ضغط على أوربا والغرب في تحقيق مكاسب لصالحهم إلا أنها باءت بالفشل وبعد تصويت الكونغرس الأمريكي لصالح وقف المحادثات والعودة إلى عهد ترامب في وقف المحادثات ومن هنا نرى الموقف الملتبس للإمارات والسعودية في التعامل السلبي من الحرب الروسية على أوكرانيا وخاصة لأن الأمريكان لم يحددوا موقفهم بوضوح من الحوثيين باليمن وأيضا من إيران وعدم وجود حزم غربي بمواجهه الإيرانيين، أو كما يقال تخلت عنهم.

الموقف الإسرائيلي

نعتقد أنه سيكون هناك مواقف متطابقة بين الغرب والإسرائيليين من الحرب على أوكرانيا، بعد أن اتهمت موسكو في يوم الثلاثاء الثالث من أيار إسرائيل بدعم نظام النازيين الجدد في كييف، كما سماها لافروف في تصريحاته الأخيرة وتحدث فيها عن أصل هتلر اليهودي ما أثار غضب تل أبيب، وردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي وطلب اعتذار لافروف عن هذه التهمة. ويجب أن نقرأ جيداً الموقف الإسرائيلي وتأثيره على الوضع السوري عموماً لأن إسرائيل ومصالحها هي بارومتر الغرب في المنطقة ومع هذا حاول بوتين بالاتصال الهاتفي مع بينت لتوضيح الموقف مما طرحته الدبلوماسية الروسية.

ونعتقد من المفيد أن نقيّم أداء المعارضة السورية قبل أن نتهم الغرب والدول بأنهم باعوا قضيتنا.

إن سوء أداء المعارضة الرسمية هو الذي قزّم القضية السورية وحولها إلى لجنة دستورية وزعامات وفصائل وميليشيات ومحاربة آل الاسد فقط بدلاً من قضية نضال شعب ضد الاستبداد طالب بالحرية، وأصبحنا الحلقة الأضعف في المشهد الدولي. وما كانت مجزرة التضامن إلا سلسلة من مجازر عديدة ارتكبها النظام المجرم بحق شعبنا في درعا والحولة وبانياس وحمص وحلب وجسر الشغور والبيضة والغوطة ودوما وحرستا ونظن أنه سيظهر للعالم مدى ارتكاب نظام الكيماوي من جرائم ضد الإنسانية.

ومن خلال الفيديوهات نرى وحشية ميليشيات النظام في قتل السوريين، وأن هؤلاء الضحايا كانوا قد أخذوا من حاجز لتوهم وذلك لعدم وجود مظاهر تدل على أنهم معتقلين أو موقوفين. وأن الإفراج عن بعض المعتقلين الذين لم يتجاوز عددهم المئتين من العدد الإجمالي المقدر 135 ألف، أغلبهم تم اعتقاله على خلفية المصالحات مثال درعا 38 شخص بعد 2018. وأيضا أفرج عن الحالات التي وصلت إلى حد الجنون.

مشاهد مؤلمة، تعبر عن وحشية السجان والعصابة الحاكمة ولم يذكر أي معتقل مثل خليل معتوق المحامي وفايق المير وعبد العزيز الخير ورجاء الناصر ورانيا العباسي وأولادها. وذكرت رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا في بيان لها بأنه لم تصدر وزارة العدل معلومات عن المعتقلين المفرج عنهم أو أعدادهم. ونظن أن وزارة العدل لا علم لها بما يجري ولم تضع يدها على أي ملف من ملفات المعتقلين وإنما نظام الإرهاب والأمن ومحاكم استثنائية هي من تتحكم بهذه الملفات الخطيرة وهي ورقات ابتزاز.

وأخيراً قد تحدث متغيرات كبيرة على النظام الدولي بعد الغزو الروسي على أوكرانيا لأن الغرب واضح في مواقفه في إنهاك روسيا وإلحاق الخسائر بها على المستويات كافة، ولن تمر انتهاكات بوتين للقوانين الدولية مرور الكرام.

وأيضاً انعكس ذلك على تجميد الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي ويعتقد كثير من المحللين بأن الاتفاق لم يعد صالحاً بعد 24 شباط وخاصة انحياز إيران إلى الجانب الروسي في هذه الحرب كونه من ساعد إيران في الحصول على مواد التصنيع النووي.

إن إضعاف روسيا وإيران في المنطقة قد يبدأ في سوريا ولم يعد خافياً على أحد بأن التدخل الروسي والإيراني في سوريا هو من ساعد في استمرار الأسد في السلطة.

8 أيار 2022

لجنة السياسة والإعلام

حزب الشعب الديمقراطي السوري

الهيئة القيادية


Author : هيئة التحرير

هيئة التحرير

RELATED POSTS

Comments are closed.