بيان بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية
نحو إعادة توحيد قوى السوريين باتجاه أهداف الثورة يوم انطلاقتها
منذ أحد عشر عاماً انتفض الشعب السوري على نظام استبدادي صادر حقوق الشعب طوال أكثر من 50 سنة، من خلال ثورة سلمية لإعادة هيكلة النظام السياسي على أسس ديمقراطية تستجيب لحاجات تقدم السوريين. وقد استطاع النظام تحويل هذا الثورة السلمية إلى صراع مسلح، أدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي وتحويل ثلثي السوريين إلى نازحين في داخل البلاد أو لاجئين خارجها في العالم. وقد ترافق ذلك مع ظهور ميليشيات وجماعات إرهابية متعددة كان لإيران ودول مؤثرة في الوضع السوري دوراً كبيراً في تشكيلها، سيطرت على أجزاء من سورية وحاكت النظام بممارساتها.
لقد كان الصراع الدائر في سورية وعليها قد أخذ في البداية شكل صراع داخلي أفرزه حراك شعب في مواجهة نظامه المستبد، غير أنّ التفاعلات المتشابكة ما لبثت أن حولته إلى صراع دولي وإقليمي واسع النطاق، وجاذب للقوى المتنافسة على منطقة الشرق الأوسط كي تضمن تأثيراً على النظام العالمي، والترتيبات الجديدة في الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي أدى إلى تحوّل سورية إلى ساحة لتصفية الحسابات المتعلقة بأنواع الصراعات القديمة والمستجدة كافة.
وبعد الكارثة السورية بات واضحاً وضرورياً حاجتنا إلى مواجهة الذات بمصداقية وعقلانية، إذ لا يمكن الاستمرار على النهج القديم، الذي أدى بالحراك الشعبي السوري إلى إضاعة البوصلة والطريق نحو الحرية والكرامة. إنّ الاستمرار في تجاهل الواقع، ونكران التحولات العميقة التي شهدتها مسيرة الصراع، لا يساعد على التقدم ولا يفتح أي طريق سالك من أجل إنقاذ رهانات الشعب السوري الأساسية، وإيجاد شروط خروج الملايين من أبنائه من حياة التشرد اللاإنسانية. والطامة الكبرى أنّ المعارضة الرسمية لم تتقدم برؤية ومواقف سياسية واضحة تجاه القضايا التي أثارها الحراك الشعبي، خاصة عدم إعلانها رفضها للعسكرة والأسلمة، أو ضبطهما في مشروع الثورة كمشروع وطني.
إن خيار السلميّة، كان سليماً بالكامل، وإذا كان السلاح ضرورة في بعض المراحل، ومن أجل حماية التظاهرات وليس من أجل تحرير المدن، فقد كان تنظيمه وضبطه ومركزته قضية لازمة بالضرورة. لقد فشلت المعارضة في كل ذلك، وأكملت دور النظام في تخريب سورية، وتسليمها للخارج، وتحوّلت هي ذاتها إلى أداةٍ بيد ذلك الخارج.
وهكذا، فإنّ احدى عشرة سنة على انطلاق الثورة السورية فترة ليست قصيرة لاختبار أحوال المؤسسات الرسمية للمعارضة وقدراتها، وللتأكد من عجزها وتقصيرها في مواكبة الثورة، وفي بناء قنوات للتواصل والتفاعل معه ومده بأسباب الدعم والاستمرار، وهي ثغرة كبيرة لثورة، جاءت مفاجئة وعفوية، وعطشى لقوى سياسية تقودها، ولشخصيات ورموز تاريخية تتصدر صفوفها. وللأسف لم تضع هذه المعارضة أهدافاً استراتيجية واضحة، ولم تستطع أن تحدد التكتيكات والوسائل اللازمة والأكثر فاعلية لتحقيق هذه الاستراتيجية، فتركت ومنذ البداية عفوية الشارع السوري والأحداث المرحلية والآنية تقودها وتسيطر عليها، وترسم لها تكتيكاتها واستراتيجياتها.
ومن جانب آخر، إنّ خذلان المجتمع الدولي للشعب السوري، ونكرانه لمبادئ الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وتنصّله من واجباته في حماية المدنيين السوريين، من الموت والدمار في البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي المحرّم دولياً، إضافة إلى معاناة اللاجئين منهم في بعض دول اللجوء، جعلهم يدركون أنّ حقوق الإنسان السوري أضحت موضوعاً في السياسات الإقليمية والدولية، أي مجالاً إضافياً تتفاعل من خلاله الدول طبقاً لعلاقات القوة والمصلحة وتقاسم النفوذ. ما يعكس ازدواجية معايير المجتمع الدولي، والتلاعب بالحقوق الإنسانية، لتحقيق مصالح أنانية للدول المؤثرة في المسألة السورية.
وبالرغم من ذلك فإنّ من الأجدى والأكثر نفعاً للقضية السورية أنْ يعمل السوريون على الاستفادة من الفرصة التاريخية في الحرب الروسية على اوكرانيا وما حصل من توحد غربي ضدها بأن نتوجه للشعوب الغربية بالقول: إن عدوان بوتين على الشعب الأوكراني هو تكرار لعدوانه على الشعب السوري، فكما أنّ مبدأ العدوان والإجرام واحد، فإنّ مبدأ العدالة ورفض الظلم هو واحد كذلك، كما أنّ تجاهل أوروبا وأميركا لانتهاكات بوتين بحق السوريين هي التي أفضت إلى تماديه في أوكرانيا ، وهنا نؤكد ادانتنا لما يقوم به النظام بالتنسيق مع بوتين في تجنيد مرتزقة سوريين للقتال في اوكرانيا.
إننا أحوج ما نكون إلى سياسات جديدة، تقوم على توحيد الصف بعيداً عمن تلوثت ايديهم بالفساد وبدماء الشعب السوري والعمل على تجميع السوريين من جديد، وتوسيع دائرة مشاركتهم وانخراطهم في نشاطات السياسة الهادفة إلى تقريب ساعة الخلاص. كما نحتاج إلى تنظيم أفضل للطاقات والجهود، وتفعيل للجاليات السورية في كل مكان، وتجديد للخطاب السياسي والإعلامي، بحيث تكون الثورة بالفعل لكل السوريين، ولحماية أرواحهم ومصالحهم، والخروج بخطة عمل واضحة، تهدف إلى استعادة المبادرة المفقودة، وإعادة تعريف الأهداف المرحلية والبعيدة.
ومن أجل الوصول إلى أهداف شعبنا، علينا العمل على المحاور التالية:
– محور داخلي يحدد صورة النظام البديل الذي يريده الشعب السوري، ولا يكفي أن نقول إنه سيكون ديمقراطياً، ولا بدَّ من تحديد نمط دولته، الذي سيقوم بتوافق جميع المكوّنات الوطنية السورية.
– فتح باب الحوار مع جميع قوى الداخل والخارج، للتفاهم على محددات للعمل الوطني. هذه المحددات هي حاضنة يضع الجميع تفاصيلهم العملية والنظرية في ضوئها، ويرون أنفسهم وغيرهم بدلالتها، ويلتزمون بها نواظم عمل وطني.
– تشكيل قيادة سياسية موحدة، تكوّنها التنظيمات المدنية والديمقراطية التي برزت خلال الأعوام الماضية، ترسم سياسات تغطي جميع جوانب الواقع، تتضمن خيارات صريحة.
إنّ المطلوب فريق من قيادات المعارضة وأصحاب الخبرة والكفاءة والمصداقية، عابر للتشكيلات القائمة، وبالتالي، مكمِّل وموحِّد لها، وليس نافياً ومناقضاً، يضع خطة للعمل، ويباشر في تنفيذ برنامج واضح ومتفق عليه للخلاص الوطني، تحت إشراف الرأي العام السوري ومراقبته.
ويبدو من الأهمية إدراك أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا قد يجعل سورية، ذات الموقع الاستراتيجي الهام في الشرق الأوسط، محكاً لتحوّلات في بنية النظامين الدولي والشرق أوسطي، باعتبارها إحدى القضايا في إعادة تشكيل هذا النظام. مما قد يدفع الإدارة الأميركية للإقلاع عن منهج إدارة الأزمة السورية إلى الانخراط أكثر فيها، وصولاً إلى الضغط على الإدارة الروسية للتوجه نحو الحل السياسي للمسألة، وفقاً لبيان جنيف والقرارات الدولية 2118 و2254 بمضامينها كافة وفي مقدمتها هيئة حكم انتقالية لا مكان للأسد وطغمته أي دور فيها واخراج القضية من مسارات آستانا واللجنة الدستورية.
وطالما حُكم على السوريين أن يكون نضالهم طويلاً قائماً على الصبر، ولكن مترافقاً مع الدفع باتجاه الأمام من أجل إبقاء شعلة الحرية حاضرة، ومن أجل تحقيق هدفهم في بناء سورية المستقبل،
بحيث يكون لهم دور في بناء بلدهم وتحقيق حلمهم. لكنّ هذا لن يتحقق بدون وحدة السوريين وبدون دورهم في التنسيق فيما بينهم بحيث يكون للتنظيم دور رئيسي في إيصالهم إلى أهدافهم. صحيح أنّ السوريين ليس لديهم الخبرة في العمل الجماعي، لكن لا بدَّ من امتلاك مهاراته من أجل تحقيق التنظيم الذي يعتبر المدخل الوحيد من أجل تحقيق صوتهم في الخارج والداخل.
إننا في حزب الشعب الديمقراطي السوري/الهيئة القيادية ندعو إلى العمل من أجل وحدة التيار الوطني العريض الاجتماعي الديمقراطي، كي نتمكن من القيام بدورنا في سورية المستقبل.
2022/3/15
حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية