جودت سعيد.. الشيخ الجليل والإنسان المفكر
في الليلة الظلماء يفتقد البدر
بألم وحزن شديدين تلقت الهيئة القيادية لحزب الشعب الديمقراطي السوري ومعها السوريون الأحرار، نبأ رحيل المفكر الإسلامي والعقلاني المتنور والشيخ المعلم “جودت سعيد”.
جسد الراحل خلال سنوات حياته الطويلة، النموذج الذي يعلي من قيمة العقل والإنسان، وبذلك انتمى عضوياً إلى المدارس العقلانية في الفكر الإسلامي إلى جانب علماء مجتهدين تركوا بصماتهم على الحياة الفكرية من أمثال ابن رشد وأبو العلاء المعري مروراً بمفكري عصر النهضة وصولاً إلى مالك بن نبي ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة ومحمد شحرور وغيرهم، عقلانيته هذه كانت دعوة إلى اللاعنف وتبني المقاومة السلمية في عملية تغيير أنظمة الاستبداد ورأى أن أي إنتصار بقوة السلاح هو بقاء تحت حكم هذا السلاح، لذلك كانت دعوته لللاعنف دعوة إلى إعمال العقل والإيمان به وحرية العقيدة ونبذ الكراهية واحترام الثقافات، وكان يرى في امتلاك السلاح النووي فقدان للعقل، وأن خلاص البشرية من الظلم لن يتحق بظهور المهدي بل بالنضال السلمي وحتى يغير الناس ما بأنفسهم من أجل نظام للدولة يتأسس على الديمقراطية التي تحترم الجميع.
لم يغادر شيخنا الجليل قريته الجولانية “بئر العجم” إلا بعد احتلالها في العام 1967، ليعود إليها بعد حرب تشرين عندما عادت سيادتها من جديد إلى الدولة السورية، ليعيش فيها ببساطة أبي ذر الغفاري، يعمل فلاحاً ومربياً للنحل مع عائلته وملتصقاً بأهاليها ومنكباً على التفكير والتأليف واستقبال طلاب المعرفة ،فكان على الدوام تحت رقابة عسس السلطان ومشايخه الذين ضاقوا ذرعاً بفكره الذي قدم نموذجاً للاهوت التحرير السلمي من الطغيان والديكتاتورية، حيث تعرض لعدة اعتقالات وأشكال من الإقامة الجبرية، فكان طبيعياً بالنسبة لواحد مثله أن يتفاعل مع دعوات التغيير السلمي في سوريا، فكان يتدفق السوريون للاستماع إليه في المراكز الثقافية وفي منتديات ربيع دمشق، وعندما تأسس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في العام 2005 كان واحداً من الموقعين الأساسيين عليه، وكان يرى فيه انتقالاً آمناً وعقلانياً لسوريا من الاستبداد الى فضاءات الحرية والكرامة.
مثلما دعا الجزائريين في أوائل تسعينيات القرن الماضي
بعدم اللجوء إلى العنف واستخدام السلاح بعد وقف العملية الانتخابية بعد أن شهدت انتخابات الجولة الأولى هزيمة لمرشحي السلطة، كذلك شدد على سلمية الثورة السورية وعدم الانجرار إلى ملعب السلطة الغاشمة والابقاء على التظاهر في الساحات والميادين، ولم يكن موقفه هذا محايداً تجاه الثورة السورية بل منحازاً وفاعلاً فيها، لقد شارك في مظاهرات “جاسم”، وزار مدينة دوما بعد المجزرة الأولى في الشهر الأول من الثورة حيث ألقى خطاباً في الحشود عبر فيه عن عزائه بشهداء أبنائها وتقوية عزم ثوارها بالمضي في كفاحهم السلمي وعدم الانجرار إلى العنف واستخدام السلاح، وكان ولديه: بشر وسعد من معتقلي اعتصام وزارة الداخلية بداية الثورة، وضمن هذا السياق ربطته أواصر من الصداقة مع الأب اليسوعي باولو دالوليو نصير الثورة السورية والذي أدان جرائم النظام، ولا يزال مصيره مجهولاً منذ أن اعتقله تنظيم داعش الارهابي في مدينة الرقة منذ العام 2013.
وكما لم يترك قريته إلا بعد وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي، لم يغادر سوريا إلا مكرهاً، بعد أن ضاقت عليه سبل العيش والتقدم في العمر ليكمل حياته في تركيا ويعيش أمل استعادة سوريا من قبل أبنائها وخلاصها من المستبدين والمحتلين، يكتب ويحاضر وينشر ويبشر بالمقاومة السلمية.
برحيله نفتقد قامة فكرية ووطنية كبيرة، سيظل حاضراً بيننا ببساطته وتواضعه وبما تركه من سيرة عطرة وفكر منفتح.
لروحه الطيبة السلام والسكينة والعزاء لسوريا ولأبنائها الطيبين.
2022/1/30
حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية