تقدير موقف حول التطبيع مع النظام السوري
يشغل بال السوريين، خاصة المهجرين منهم التطبيع مع النظام السوري، من دول عربية وبعض الدول الاوربية وغض النظر الامريكي، إذ أنّ قراءة الواقع من عودة النظام إلى جامعة الدول العربية وإعادة فتح بعض السفارات العربية أو الزيارات لبعض المسؤولين الأوربيين أو الضغط على المعارضة الرسمية من قبل تركيا تشكل هاجساً للسوريين. ولكل من هذه الأطراف المنخرطة في الصراع السوري أهدافه الخاصة، فالعرب يعانون من مخاطر النفوذ الإيراني في سورية على المنطقة وكذلك مخاطر تصنيع وتصدير النظام للكبتاغون، أما الأوروبيين يهمهم الحدَّ من لجوء السوريين وما يرافقه من ظهور بعض حالات التطرف والإرهاب، وتركيا تبحث عن أمنها القومي وتسهيل تجارتها البرية مع دول مجلس التعاون الخليجي، أما لأميركا حسابات عديدة لذلك هي تدير الملف السوري ولا تنخرط فعلاً في العمل على إطلاق عملية الانتقال السياسي.
إنّ ثورة الشباب السوري في آذار 2011 السلمية حملت أهدافاً محددة أهمها حرية المواطن وكرامته. ولكنّ نظام الأسد قابلها بالحديد والنار مما خلف تدميراً لسورية وبناها التحتية ومئات الآلاف من الشهداء ومثلهم من الجرحى والمعتقلين والمغيبين وملايين المهجرين في أصقاع الأرض.
ولكن رغم كل ما يقال ويروج عن التطبيع مع النظام فإن عدة عوامل مازالت تعترض تحقيقه. فالولايات المتحدة، كما تعلن إعلامياً مصرة، على حل سياسي للقضية السورية عبر تطبيق القرار 2254. هذا ما قدمه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور “بين كاردن” في كلمته في مؤتمر منظمة مواطنون لأجل أمريكا آمنة، كما وعد المنظمات السورية في أمريكا، فمنذ أربعة أشهر قدم مشروع القانون بشكل رسمي ليضاف إلى ميزانية وزارة الدفاع قبل نهاية العام الحالي بعد تعديلات عدة لكن بدون تغييرات جوهرية في القانون والمناقشة جارية بشكل حثيث مع جميع الأطراف المعنية قبل أن يتم اعتمادها بشكل رسمي. جاء المشروع تحت مسمى (قانون حماية المدنيين السوريين – أو قانون قيصر 2).
إضافة إلى تقرير من وزارة الخارجية عن محاولات الدول بالتطبيع أو رفع مستوى التمثيل السياسي أو الدبلوماسي أو العلاقات الاقتصادية مع نظام الأسد. ويقصد التقرير برأينا إيطاليا والدول الأوربية الأخرى التي قد ترفع مستوى تطبيعها مع النظام من مستوى دبلوماسي من المرتبة الثالثة (قائم بالأعمال) كما فعلت إيطاليا أو السعودية وغيرهما لكن أغلبها مشروط وفقا لاتفاق خطوة مقابل خطوة. ولكن يبدو أنّ الطريق إلى الانخراط الأميركي الفعلي تعطله الإدارة المشغولة بالانتخابات وأوكرانيا وحربي غزة ولبنان. وعليه، تميل المقاربات إلى أنّ قانون التطبيع الموجود على طاولة بايدن لن يصدر، وأنّ القرار لن يضيف شيئاً إيجابياً على صدوره وأنّ أولوية الغرب هي حل معضلة النووي الايراني.
إننا نعتقد أن النظام السوري مفلس على الصعد كافة، وبالتالي لا يستطيع تقديم شيء مقابل ما يقدمه الآخرون. ومثال آخر تركيا والمصالحة مع النظام والضغط الروسي لكن لا أمل في اللقاء لأنّ النظام المستبد يخاف من تغيير أو تحريك أي حجرة من مربعه خوفاً من سقوطٍه.
ومن جهة أخرى، بعد كل ما يحدث الآن على الساحة في منطقتنا ليس هناك مصلحة للدول بالتطبيع مع نظام عاجز أقرب لكائن سياسي محتضر ومنتهي الصلاحية.
إنّ زعزعة حزب الله وإضعاف وجوده في لبنان هو إضعاف لدور إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة، بل وضعها في مأزق كبير وجعلها تتراجع بخطابها وتتوسل عبر رسائل مسؤوليها في الجمعية العمومية بأنها لا تريد المخاطرة بإشعال المنطقة وسط أجواء حرب بينها وبين العالم، ويزداد قلقها أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية التي قد تعيد ترامب للبيت الابيض وفقدانها لبعض أوراق الاستثمار في أذرعها كالحوثيين وحماس وحزب الله.
وعلى ضوء المعطيات السابقة الذكر، هناك أكثر من سيناريو يطرح نفسه في هذا السياق:
1- تؤكد الأحداث والوقائع للملف السوري بأنّ الولايات المتحدة هي من تملك أكثر أوراق الحل للقضية السورية بعد توتر العلاقة بين الغرب وروسيا بعد غزوها لأوكرانيا، إذ يبدو العالم حالياً في حالة من التوتر تعيد أجواء الحرب الباردة في القرن الماضي. وقد يوضع مرة أخرى قانون التطبيع على الرف، وبالتالي الاستمرار في ترك الوضع السوري في حالة من الاستنقاع وعدم إعطائه أولوية.
2- النظام السوري في أضعف حالاته ولم يعد يمتلك أية ورقة استثمار في مواجهة العالم الغربي، ولم يعد يستطيع الانتقال من ضفة إلى أخرى أو القفز على الحبال لفقدانه الدور الوظيفي له في تقديم خدمات أمنية وعسكرية ولوجستية للشركاء الروس والإيرانيين، بعد أن كان يقدمها للأمريكيين والغرب، هذه الاوراق سلمت للمحتلين وللميليشيات حزب الله وغيره، مما جعله في حالة قلق دائم وخوف من نزع كرسيه.
إنّ المنطقة على شفير هاوية، والأولوية الآن لوقف الحرب في غزة ولبنان. بعد الحروب تحدث متغيّرات على الصعيد العالمي والمنطقة ومنها احتمال تغيير مسارات الحلول للقضية السورية. وليس مستبعداً ّأن يكون تطبيع الدول المؤثرة والمنخرطة في الصراع السوري تخوفاً منها من فوضى ما بعد إسقاط النظام، لذلك تبرز اهمية أن يكون السوريون رقماً فاعلاً في تقرير مصيرهم، بما يتناسب مع التضحيات الهائلة التي دفع ثمنها الشعب السوري، إضافة إلى طمأنة العالم بأنّ سورية المستقبل، بعد عملية الانتقال السياسي، ستكون عامل أمن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
نعتقد بأنّ العمل الوطني التشاركي وتشكيل لوبيات ضاغطة في الدول الغربية وتوحيد الصفوف هو الهدف في هذه المرحلة والاعتماد على قوانا الذاتية أولاً مع التمسك بأهداف الثورة السورية، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة التي تقف في وجه من يحاول تعويم نظام الأسد وتبييض صورته. والمخرج يكون بالانتقال السلمي للسلطة وفق بيان جنيف 1 والقرار 2254 ومحاسبة مجرمي الحرب من الأطراف كافة.
أيلول /2024
مكتب السياسية
حزب الشعب الديمقراطي السوري/الهيئة القيادية