سياسة الاغتيالات الإسرائيلية.. محاولة في استعادة وظيفة الردع

img

منذ نشأة الدولة الإسرائيلية الإستيطانية، كانت نظرية الأمن القومي تعتمد على الحائط أو الجدار الحديدى الذي صاغه جابتونسكى ثم حدد معالمه ديفيد بين جوريون، وارتكزت على تحقيق وظيفة الردع، والعمليات العسكرية السريعة ضد الدول الأساسية للدائرة البؤرية – مصر وسوريا والأردن – ودول دائرة الطوق. اعتمدت نظرية الأمن القومي على ما يلي:

1- التفوق التكنولوجي، والعلمي وخاصة في الصناعات العسكرية، وحيازة السلاح النووى مع التعاون العسكرى مع فرنسا، من خلال دور شيمون بيريز في هذه المرحلة، والسعي للحصول على سلاح نووى للردع المطلق للدول الأساسية في الصراع.

2- الاعتماد على مصادر تسليح متطورة من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا.. إلخ، وإدخال تطويرات وتعديلات على أنظمة التسليح، بالإضافة إلى تطوير مستمر لصناعات التسليح الإسرائيلية، والربط بينهما، وبين التطورات العلمية فائقة التطور على نحو ما ظهر مؤخرا من استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب على قطاع غزة، وإزاء حزب الله في لبنان.

3- الحرب الخاطفة ونقل العمليات العسكرية إلى أرض الخصم، بما يحقق الصدمة، والردع على نحو ماتم في عدوان يونيو 1967، وهو مالم تستطع تحقيقه في حرب 1973.

4- رفع مستويات الأداء العسكري من خلال أنظمة التدريب، في مختلف القوات البرية والبحرية والجوية، والاعتماد على نظام قوات الاحتياط بالإضافة إلى البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية في مختلف قواتها، وتطوير صناعة المدرعات، والصواريخ، والطائرات المسيرة..الخ.

5- الارتقاء بمستويات التكوين المعرفي للضباط والقيادات في كافة التخصصات في العلوم الطبيعية والإنسانية من خلال البعثات إلى الجامعات الغربية الكبرى.

6- سياسة الاغتيالات لبعض قادة المقاومة البارزين في حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ومنظماتها، وأيضا الكوادر القتالية، وذلك لتحقيق الردع على نحو ما حدث مؤخرا مع إسماعيل هنية، وفؤاد شكر القيادي الأبرز عسكريا في حزب الله، وامتدت الاغتيالات لبعض قادة الحرس الثوري الإيراني، يمتد الردع إلى ما يطلق عليه محور المقاومة والمساندة بقيادة إيران. والردع هنا كوظيفة نفسية يتسع كرسالة لبعض القيادات السياسية العربية.

في المراحل التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، شكل الردع والاغتيالات مكون بارز في نظرية الأمن الإسرائيلي على الرغم من الشروخ التي ألمت بها بعد حرب أكتوبر 1973.

كان التركيز جيو سياسيا على الدائرة البؤرية، ودول الطوق، من خلال بعض العمليات النوعية ذات التخطيط الجيد، والذكي، والأداء المتمكن في تنفيذ بعض العمليات، سواء بالضربات الجوية، أو عمليات التدخل البري، وهو ما حدث أثناء الحرب علي لبنان،وإخراج عرفات وقيادات م. ت .ف ،وإجبارهم على الانتقال إلى تونس – وبعضهم – إلى اليمن الجنوبي آنذاك.

7- اللامبالاة بالقوانين الدولية، في نظرية الردع وتوظيف الدولة والجيش الإسرائيلي مفاهيم الدفاع المشروع، والالتواء بمعناه، ودلالته في السلوك العسكري الإسرائيلي في الإقليم ارتكازا على هيمنة بعض العناصر اليهودية الداعمة لها، في أجهزة الإعلام التقليدي الكبرى في الغرب – الصحف والمجلات والإذاعات والتلفازات الكبرى – منذ إنشاء الدولة في ظل ضعف الحضور العربي، وعدم قدرته على التأثير على اتجاهات الرأي العام الغربي.

8- تطوير القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية في الدول العربية، وفي الإقليم الشرق أوسطي بما فيها الأطراف غير العربية -تركيا وإيران وأثيوبيا-، مع التمدد في أفريقيا لاسيما بعد صدمة هزيمة الخامس من يونيو 1967. ناهيك في العديد من دول العالم.

اعتمدت الموساد على تجنيد بعض العملاء في مواقع حساسة في بعض هذه البلدان، خاصة في ظل وجود بعض الجاليات اليهودية في أوروبا، وأمريكا. قوة الموساد الاستخباراتية اعتمدت على الاستخدامات التكنولوجية الاستخباراتية الإسرائيلية، أو التعاون مع المخابرات الأمريكية والبريطانية والأوروبية، وتحولت إلى قوة ضاربة في أجهزة الجيش الإسرائيلي، وتراكم رأسمالها الاستخباراتي، ومعها الشاباك، وآمان ، ونجحت هذه المؤسسات الاستخباراتية والأمنية في عديد العمليات، وخاصة اغتيالات بعض الشخصيات القيادية الفلسطينية، في بيروت وتونس والأردن، إلا أن صدمة طوفان الأقصى كشفت عن قصور في أداء بعض هذه الأجهزة، وأيضا عن مدى استجابة رئيس الوزراء المتطرف نتنياهو، وهو ما سيخضع للتحقيقات والمساءلة في اعقاب وضع الحرب في قطاع غزة أوزارها!

تركز عمليات الشاباك، وآمان على الفلسطينيين في الضفة، وقطاع غزة، وعلى اغتيال بعض قادة وكوادر حماس والجهاد الإسلامي، والشعبية، ولا تقتصر فقط على كبار القيادات الفلسطينية، بهدف الردع، وإشاعة الخوف داخل هذه المنظمات، وإنما تمتد إلى بعض الكوادر من المستويات الأولى، والثانية.

سياسة الاغتيالات تم توظيفها في سياق الحرب على قطاع غزة، والهجمات الجوية، وبالصواريخ، والمدفعية والمسيرات بينها وبين حزب الله، إلا أن ذلك لم يؤثر سياسيا على البنية القيادية لحماس، والجهاد وحزب الله في ظل وجود فوائض قيادية داخل هذه المنظمات، واستمرارية أطول حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي علي نحو ما يشارف العام إلا أسابيع، وأدت إلى إنهاك نفسي وقتالي في الجيش الإسرائيلي كنتاج لقدرة حماس علي تجنيد أكثر من ثلاثة آلاف شاب بعد التدخل البري في القطاع وشماله ووسطه وجنوبه، وإلى تفاقم مشكلات سياسية وجودية، ستنفجر في أعقاب الحرب . لم تستطع سياسة الاغتيالات أن تحقق الأهداف المرجوة من وراءها كاملة، على الرغم من توظيف بنيامين نتنياهو لها داخليا في رفع بعض من أسهمه، إلا أن إطالة أمد الحرب على القطاع، والعمليات في الضفة الغربية، وجنوب لبنان والضربات الجوية في بعض المناطق في سوريا، أدت إلى تزايد بعض الضغوط من أهالي الأسرى الإسرائيليين في عملية طوفان الأقصى، وتزايد المخاوف من عدم إتمام صفقة للإفراج عنهم، ووقف إطلاق النار.

سياسة الاغتيالات في أعقاب صدمة طوفان الأقصى، لم تستطع أن تحقق أهدافها في الردع لقادة المقاومة، ومحور المساندة، وتدفع بعض اليمين واليمين التوراتي المتطرف إلى محاولة مواجهة حزب الله في لبنان، وهو أمر قد يدفع إلى توسيع دائرة الحرب في المنطقة!

المصدر: الأهرام


Author : نبيل عبد الفتاح

نبيل عبد الفتاح

باحث وكاتب صحفي مصري. مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وشغل منصب رئيس مركز تاريخ الأهرام، كما عمل رئيساً لفريق تحرير "تقرير الحالة الدينية" في مصر. مختصّ في شؤون الجماعات الإسلامية الأصولية.

RELATED POSTS

Comments are closed.