غليون لـ “عربي21”: لا أمل في مفاوضات جدية مع الأسد
حاوره طه العيسوي
عربي 21 – 8 أيلول 2022
استبعد المفكر السوري، الدكتور برهان غليون، أن يكون للدعوات التي يطلقها البعض من أجل المصالحة أو التقارب مع نظام الأسد أي نتيجة أو أمل بالتحقق، مُشكّكا في إمكانية التوصل مع النظام إلى أي حل شاملا كان أو جزئيا.
أما عن دور الأسد نفسه في المستقبل فلا ينبغي أن يكون، في نظر غليون، إلا في محكمة جرائم الحرب الدولية.
ورأى، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، أن الحديث عن القبول بالأمر الواقع “يُعدّ خيانة للضحايا وتواطؤا مع مرتكبي الجرائم والانتهاكات البشعة؛ فهناك استحالة للمفاوضات الجدية مع الأسد، وعلينا البحث عن وسائل أقوى، ولا حل ممكنا إلا في تعاون السوريين على حرق ورقة الأسد الذي لا يفهم إلا لغة الحرب والانتقام”.
وشدّد على أن “الأوضاع السورية لن تتحسن لأن النظام لن يتراجع عن سياساته الإجرامية، والمجتمع الدولي لن يتحرك لمحاكمته أو إيجاد حل للمأساة، والتدهور المتفاقم في حياة السوريين، والانهيار الشامل للمجتمع، بعد تحويل الدولة إلى منظمة مافيوية، كل ذلك سوف يدفع الناس، لا محالة، بعد شهر، أو سنة أو سنتين أو ثلاثة، إلى انتفاضة خلاص جديدة”.
ودعا المثقفين والسياسيين، والذين لا يزالون يدافعون عن حقوق السوريين، إلى “عدم تغذية الأوهام والركض وراء سراب المفاوضات الدولية، والمصالحات الهزلية، وأن يُكرّسوا جهدهم منذ الآن لتنظيم الناس وتوعيتهم والأخذ بيدهم وعدم تركهم يصارعون الوحش وحدهم، كي لا نكرر ما حصل في الانتفاضة الأولى والثورة السابقة التي سمُيت عن حق (الثورة اليتيمة)”.
وفيما يأتي نص المقابلة الخاصة مع “عربي21”:
بداية.. ما قراءتكم للتحولات الجارية في الملف السوري؟ وهل دخلت سوريا مرحلة “الصفقات الدولية”؟
يكفي أن تتحول القضية السورية، أي مصير الشعب السوري والكارثة التي يعيشها الملايين من أبنائه، إلى ملف ينتظر على طاولة مكاتب المنظمات الدولية أو الدبلوماسية العالمية مَن يُذكّر به حتى ندرك عمق المأساة السورية. فمفردات السؤال نفسها تدل على الجواب: هو ملف للتداول لا أكثر ولا أقل، ولا يزال في مكانه الأول. لذلك لم يتقدم الحل ولا خطوة واحدة. والانتقال السياسي الذي نصت عليه قرارات الأمم المتحدة كأساس للحل يكاد هو نفسه يُنسى ويُستبدل بعبارات ومشاريع لا تقدم ولا تؤخر ولا هدف لها سوى تكريس تعفن الموقف وتفاقم المحنة وتدهور الأوضاع.
وأنا لا أرى أن هناك صفقات دولية في الأفق؛ فالدول التي انتزعت لنفسها أدوار ومناطق نفوذ خاصة بها لا تزال تتشبث بها بكل قوة، وهي ليست مستعدة للنقاش فيها، وإنما تبحث عن تعزيزها. وبالمثل أصبحت الدول التي أعرضت عن المشاركة في الصراع أكثر اقتناعا بموقفها، ولا تسعى أبدا إلى الدخول في نزاع مع مَن يسيطر على الوضع.
وإذا كان هناك صراع على سوريا فهو بين الدول التي تتحكم بها وتسعى إلى تعظيم نفوذها بعضها ضد بعض فحسب.
بعضهم يرى أن المصالحة أو التقارب مع نظام الأسد ربما يساهم في حلحلة الأزمة السورية، وأن هذا ربما يكون بديلا عن غياب “الحل الشامل”.. ما تعقيبكم؟
بعضهم جاهل بالتأكيد بما يجري في سوريا. مَن يرفض المصالحة ليست المعارضة، ولا الدول التي دعمتها، ولكن الأسد نفسه ومعه اليوم الدول التي تمسك بمصير سوريا ولا تنوي التنازل شعرة عن “مكتسباتها” ومواقفها، بل تسعى، كما ذكرت، إلى تعزيزها.
أما الحل الشامل أو النهائي فقد حصل، لكن كما يريد هؤلاء، وهو إعدام سوريا القديمة، الدولة والمجتمع، وتحويل ما تبقى منها بين أيدي الأسد إلى مزرعة حقيقية ومصنع للمخدرات ومركز شبكات تهريبها إلى مختلف أنحاء العالم. ولم يكن من الممكن للأسد أن يحلم بأكثر من ذلك.
المصالحة، في أي صيغة كانت، تُذكّر الناس بأن هناك شعبا، وطرفا آخر، وسياسة، ودولة وحقوقا وواجبات ودستورا وقانونا وما إلى ذلك. وهذا ما خاض الأسد الحرب من أجل إلغائه، فما بالك بممارسته. لذلك، لا يمكن أن يوجد أي حل، لا شامل ولا جزئي، مع الأسد. وهذا ما أعلنه هو وجماعته منذ البداية ولم يتراجع عنه خطوة واحدة: الأسد أو نحرق البلد، وهو لا يزال يحرقها كل يوم ويقتل أبناءها بالجوع والمرض والموت، ومَن يتيسر له طريق الهجرة يعتبر من المحظوظين.
النقابات المهنية والعلمية السورية طرحت قبل أيام “خارطة طريق” نحو تطبيق القرار 2254 وطالبت برفع الوصاية عن الثورة وإصلاح مؤسسات المعارضة لتكون ممثلة حقيقية للثوار.. فكيف تنظرون لمبادرة النقابات المهنية؟
أي مبادرات تدعو لإصلاح أحوال السوريين مرحب بها. لكن المهم أن تستند إلى أسس قوية تضمن الحد الأدنى من احتمال نجاحها حتى لا تتحول إلى تغذية للأوهام، وتقود إلى تعميق إحباط السوريين الذين كادوا يفقدون الأمل في أي مبادرة إن لم يفقدوه بعد.
برأيكم، لماذا لم يتخذ النظام السوري أي خطوات لحل الأزمة المستمرة منذ 11 عاما؟
مَن خاض الحرب ضد شعبه كما لو كان عدوا له لا يمكن أن يفكر في وجود أزمة ولا بالتالي في حلها. ما تسميه أنت أزمة هو يسميه انتصارا ويعيشه بوصفه كذلك. والانتصار يعني أن النظام ربح المعركة وأصبح أقوى من قبل. والاعتراف بوجود أزمة يعني القبول بالانتقاص من هذا الانتصار، تماما كما أن التنازل الذي يفترضه الحل السياسي للأزمة يعني الاعتراف بأن النظام ارتكب خطأ ما يحتاج إلى تصحيح، بينما هو لا يعترف إلا بالمؤامرة الكونية التي كان الشعب السوري أداتها، والتي يستحق من أجلها أكثر مما أصابه وما سيصيبه في المستقبل. هذا هو منطق النظام.
هل يمكن أن نشهد في سوريا “مصالحة تاريخية” تشمل كل الأطراف في حال قيام النظام بتغييرات حقيقية وواسعة في استراتيجيته وممارساته أم إن هذا مستحيل؟
هذا ضرب من الخيال أن نتصور أنه من الممكن للأسد أن يفكر في تغييرات واسعة من أي نوع. والدليل على ذلك موقفه في المفاوضات المستمرة منذ ما يقارب العقد. والجميع يعرف أنه كان السبب في تعطيلها، وأنه لم توجد في أي لحظة مفاوضات بين المعارضة والنظام. كل ما حصل في هذا المجال هو أن المجتمع الدولي، مُمثلا بالأمين العام للأمم المتحدة، وبعض الدول الغيورة على سمعتها، حاول أن يوفر للنظام مخرجا مما يعتقد أنه “أزمته”، تماما كما فكرت أنت في سؤالك، وكما تفكر المعارضة.
والآن يدرك الجميع، ونحن في مقدمهم، أن ما يُشكّل أزمة بالنسبة لنا وللمجتمع الدولي، ولملايين السوريين المعذبين داخل سوريا وفي مخيمات اللاجئين وفي المنافي، هو ما يُشكّل في نظر النظام فرصة لا تعوض لتضييق الخناق على السوريين، بمن فيهم مَن قاتلوا معه، وتحييدهم، والاستفراد بملكية سوريا كاملة وليس حكمها فحسب.
وبالنسبة للمفاوضات، فإنه لا يمكن لإنسان سوي أن يرفضها؛ فهي الطريق الوحيد للخروج بحل مقبول من الطرفين لأي نزاع، مهما كان نوعه، في سوريا كما في أي مكان. لكن ما يُباع للسوريين على أنه مفاوضات منذ أكثر من عقد هو شراء للوقت واستهزاء بعقول وحياة السوريين.
وإذا كانت المعارضة قد قبلت الدخول في المفاوضات في السنوات الأولى بالرغم من إدراكها نية الأسد السيئة وحلفائه أيضا، فليس لاعتقادها بأن هذه المفاوضات سوف تقود بالفعل إلى حل. كان الهدف، ولا يزال، هو عدم القطيعة مع المجتمع الدولي والاستفادة من فكرة المفاوضات لتعبئته ومعه الرأي العام الدولي لصالح القضية السورية، ووضعهما أمام حقيقة رفض النظام الحل السياسي، أي من أجل دفع المجتمع الدولي إلى تحمل قسط أكبر من المسؤولية في مواجهة نظام القتل الممنهج والإرهاب الشامل، وهذا يعني من أجل إقناع هذا المجتمع بضرورة البحث عن وسائل أقوى.
وما حصل للأسف أن هذا المجتمع الدولي المستنكف عن دعم الشعب السوري نجح فيما بعد في إقناع المعارضة بأنه لا يوجد حل ممكن للأزمة إلا بالمفاوضات مع النظام مهما كان الحال. وهذا يشبه ما حصل لأشقائنا الفلسطينيين عندما أقنعهم المجتمع الدولي بأنه لا حل ممكنا خارج المفاوضات المباشرة مع الحكومة الإسرائيلية التي لا تكف عن التنكيل بهم والاستمرار في سياسات التوسع والاستيطان.
لكن هل سيكون لبشار الأسد دور في المستقبل السوري، خاصة أنه بات أمراً واقعاً الآن؟
لا ينبغي أن يكون للأسد دور بعد الآن إلا في محكمة دولية لجرائم الحرب السورية. والقبول بفكرة الأمر الواقع في حالة ارتكاب ما ارتكبه الأسد ونظامه من جرائم هو خيانة للضحايا وتواطؤ مع مرتكبيها. ولا يستحق مرتكبها الإدانة فحسب، وإنما تهمة المشاركة في جعل الجريمة حدثا طبيعيا وعاديا ومن ثم تقويض معنى القانون والشرائع الدولية. الواقع هو أنه لا يوجد حل إلا في تعاون السوريين على حرق ورقة الأسد الذي لا يفهم إلا لغة الحرب والانتقام.
دعوت السوريين إلى الانخراط في “انتفاضة ثانية” في كل ربوع البلاد بعدما انتهت أو فشلت المرحلة الأولى من الثورة.. فهل تستشرف اندلاع هذه الانتفاضة قريبا؟
أنا لم أدعِ السوريين إلى الانخراط في انتفاضة ثانية. ذكرت أن الأوضاع السورية لن تتحسن لأن النظام لن يتراجع عن سياساته الإجرامية تجاه السوريين، وأن المجتمع الدولي الذي احتمى بتمديد مفاوضات فارغة وجوفاء لتمرير الوقت لن يتحرك أيضا لمحاكمته أو إيجاد حل للمأساة السورية، وأن التدهور المتفاقم في شروط حياة السوريين المادية والمعنوية، والانهيار الشامل للمجتمع، بعد تحويل الدولة إلى منظمة مافيوية، كل ذلك سوف يدفع الناس، لا محالة، عاجلا أو آجلا، بعد شهر أو سنة أو سنتين أو ثلاثة، إلى انتفاضة خلاص جديدة.
ومن واجب المثقفين والسياسيين، والذين لا يزالون يدافعون عن حقوق السوريين ويأملون بمستقبل أفضل لشعبهم، أن لا يضيعوا الوقت في تغذية الأوهام والركض وراء السراب، وأقصد هنا سراب المفاوضات الدولية، والمصالحات الهزلية، وأن يُكرّسوا جهدهم منذ الآن لتنظيم الناس وتوعيتهم والأخذ بيدهم وعدم تركهم يصارعون الوحش وحدهم، كي لا نكرر ما حصل في الانتفاضة الأولى والثورة السابقة التي سمُيت عن حق “الثورة اليتيمة”. وعلينا أن نعمل كي لا تكون القادمة انتفاضة يتيمة ثانية من دون أب ولا أم.
هل “الانتفاضة” التي تدعو إليها هي “انتفاضة سلمية بحتة” أم إنها تشمل أيضا الدخول في مواجهات عسكرية مع النظام، خاصة أن أي تغيير حقيقي مرتبط بتغير موازين القوى على الأرض؟
أنا لا أدعو إليها، وإنما أتوقعها. والسؤال عن تسليحها سؤال زائف وخادع، لأنه يوحي بأن سلمية الانتفاضة أو تسليحها يقرره الشعب. والحال أن جميع الانتفاضات الشعبية سلمية، لأن الشعب ليس قوات مسلحة ولا مليشيات ولا جيشا منظما ومدججا بالأسلحة. فهو لا يملك إلا قدميه ولسانه للتعبير عن مطالبه. مَن يقرر ما إذا كانت الانتفاضة سوف تبقى سلمية أو تتحول إلى مسلحة هو النظام وحده. فهو الذي يملك الأسلحة والجيوش، ويقرر أن يستخدمها لسحق الانتفاضة الشعبية بدل التفاعل مع مطالب جمهورها، وهذا هو الوضع الذي عرفناه في الانتفاضة الماضية.
لو رد النظام بمظاهرات مضادة، كما فعل في البداية، وفتح باب الحوار للتوصل إلى حلول تسووية، وهذه هي السياسة، ما حصلت الحرب. ولو حاولت بعض المجموعات أو الأحزاب المتطرفة، الجهادية أو غير الجهادية، جرها إلى السلاح لكان الشعب نفسه وقف في وجهها وساهم في قمعها. ليس هناك شعب مجنون يقرر أن يضع نفسه في مواجهة جيش مدجج بالسلاح معاديا له، ولا شعب يقبل الدخول في حرب مع جيش يحمي بلده وهو مكوّن من أبنائه.
لذلك، فقد اخترع النظام فكرة “المؤامرة الكونية” ليغطي على استهدافه الشعب وليبرر حربه عليه وقتل أبنائه. واستدرج من أجل تصويرها كحرب أهلية جميع القوى والحركات المتطرفة إلى ساحة القتال، لكنه لم يتوجه بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية إلا إلى المدنيين وعامة الناس.
ما تقييمكم لأداء مؤسسات الثورة السورية؟
ليست هناك مؤسسات للثورة، وما هو قائم الآن هو مؤسسات نشأت على هامش مبادرة الدول المتضررة من النظام والداعمة لفكرة التسوية والإصلاح وحل الأزمة بالطرق السلمية من أجل إيجاد طرف مفاوض يمثل المعارضة. وقد كان هذا هو المبرر العلني لتشكيل الائتلاف الوطني من قِبل الدول الصديقة نفسها، وفيما بعد هيئة المفاوضات، وسوتشي، وأستانا، وغيرها.
وبالتالي؛ فهي مؤسسات وظيفية لا تعيش إلا على استمرار هذه المفاوضات وبسببها؛ فلا أهمية لها ولا دور ممكنا خارج دائرتها. وكما أنه لا فائدة من صرف الوقت على دعمها أو إصلاحها فإنه كذلك لا فائدة ترجى من التشهير بها؛ فهي مجرد تعبير عن خواء المفاوضات الجارية في إطار الأمم المتحدة واستعصائها ولا علاقة لها بالمعارضة. المشكلة لا تكمن في هذه المؤسسات الشكلية ولكن في عجز هذه الأخيرة، أعني المعارضة، عن تكوين مؤسسات أو أطر تُعبّر عن وجودها وتعمل على توحيد إرادة الشعب، وتنظيم قوى المجتمع، وتعمل على تغيير الأوضاع وتحويلها، ولا تكتفي بملء الفراغ السياسي والإقامة الأبدية فيه.
ما المراجعات التي ينبغي على قوى المعارضة اتخاذها خلال الفترة المقبلة؟
ما فات مات، وينبغي التعويل على الجيل الجديد لبناء أطر معارضة وطنية جديدة ومختلفة.
هناك مَن يُحمّل تيار “الإسلام السياسي” المسؤولية الكاملة عن فشل الثورة السورية.. هل تتفقون مع ذلك؟
المسؤول الرئيسي عن الدمار والخراب وموت السوريين وتهجيرهم وعن تفاقم المحنة بدل انحسارها هو النظام وشركاؤه الإيرانيون والروس في الحرب والقتل وتحييد السوريين وقهرهم وتجويعهم. أما المسؤولية عن الخيارات الخاطئة للثورة، أي للخيارات الاستراتيجية والتنظيمية والدعائية، فتقع على كاهلنا جميعا، نحن النخب المثقفة والقوى السياسية إسلامية وغير إسلامية. وليس من الضروري أن تكون مسؤولية الإسلاميين كاملة، حتى لا تكون خطيرة وكارثية. وفشل بعض القوى الإسلامية في القيام بالمراجعة الجدية التي يقتضيها الوضع لم يزدها إلا مسؤولية في استمرار الأوضاع المأساوية ويشجع الآخرين على الهجوم عليهم والتهرب من المسؤولية.
هل ما حققته الثورة السورية حتى الآن كان يستحق كل هذه التضحيات الهائلة؟
لو فكر الناس بالتضحيات لما قامت أي ثورة في التاريخ. والتاريخ الاجتماعي لا يتحرك عن تفكير مسبق ولا باحتساب المضطهدين عدد ضحاياهم المحتملين. والثورة، كما ذكرت أكثر من مرة، لا تُصنع في أنبوب اختبار. الناس تنفجر عندما يفوق الضغط الواقع عليها طاقتها على الاحتمال. هذا قانون يكاد أن يماثل قوانين الطبيعة، ولا أحد يدعو أو يتحمس مسبقا للانفجار وتقديم التضحيات والمغامرة بروحه لو كان أمامه بديل أقل كلفة.
السؤال الذي يستحق الطرح هو بالضبط عكس ما طرحت، أي: هل يستحق الحفاظ على كرسي الحكم وما يجلبه من منافع مادية ومعنوية التضحية بشعب كامل وتدمير وطن وتقويض دولة وتحويلها إلى مزرعة للمخدرات وملجأ لنفايات التهريب المحلية والإقليمية؟ عندئذ نفهم حقيقة ما حدث ومعناه، أي الجريمة التي اُرتكبت بحق شعب كامل. فإذا رمى الناس بأنفسهم في الثورة وضحوا بأرواحهم لأنهم لم يعد لديهم خيار آخر، ولم يعد بإمكانهم تحمل الذل والعبودية، فهذه مأساة وتراجيديا إنسانية. أما عدوان النظام على أرواحهم وتدميره وطنهم ومستقبلهم انتقاما منهم فهو من باب الجرائم التي لا ينبغي أن تمر من دون ما يستحقه أصحابها من عقاب.
إلى أي مدى تتحمل سوريا استمرار الأوضاع الراهنة لعام أو عامين جديدين؟
إلى أن تعي النخب دورها، وتدرك مسؤولياتها، وتتحمل التضحيات من أجل خلاص شعبها. وهذا لا يحصل إلا عندما تؤمن ببلدها، وتتوقف عن الرهان على الآخرين أو الهجرة الفردية لإنقاذ نفسها وترك الشقاء على الآخرين الفاقدين لأي خيار.