عن الليبرالية.. وهل تحتاجها سوريا بعد الانتقال السياسي
نينار برس 16 فبراير 2022
نقترب من تغيير سياسي في سوريا، وهذا يحتاج إلى رؤية على مستوى بناء الدولة والسلطة، بعد سنوات طويلة من حربٍ شنّها النظام الأسدي على الشعب السوري، هذا التغيير في أنساقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يحتاج إلى حوامل حقيقية، فمن هي القوى القادرة على حمل برنامج التغيير؟
نينار برس طرحت السؤال التالي على عدد من الشخصيات الفكرية والسياسية السورية:
س: سوريا مدمّرة البنى التحتية بسبب عدوان النظام الأسدي عليها، هل تعتقدون أن حكومة ذات توجه ليبرالي سياسي واقتصادي واجتماعي هي الأكثر مقدرة على وضع برنامج التنمية السورية الشاملة موضع التنفيذ؟ أم أن أي حكومة يمكنها تنفيذ هذا البرنامج؟
نحتاج حكومة توافق وطني
الدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون الشهيرة يقول في إجابته على هذا السؤال: “لا توجد حكومة ليبرالية، أو ديكتاتورية عسكرية، أو مدنية، قادرة على مواجهة الوضع الكارثي الذي صارت عليه سورية وشعبها، ولو كان هناك عدو يريد أن يسحقها الى الأبد، ما كان قادراً أن يفعل أكثر من ذلك”.
ويضيف الدكتور غليون: “حتى نستطيع أن نعيد وضع البلاد على أقدامها ونضمّد جراح الشعب السوري، الذي لايزال ينزف دماً ودموعاً وعرقاً، ينبغي أن نفكّر أولاً بحكومة توافق وطني، تضمّ جميع القوى السياسية، وتصالح بينها، ولا أتحدث عن طوائف ولا عشائر ولا مناطق”.
ويرى غليون أن المهمة الثانية هي: “أن تعمل هذه الحكومة برعاية دولية، لتطبيق برنامج إنقاذٍ، تساهم في تمويله والإشراف على تنفيذه الأمم المتحدة، في إطار الاعتراف بسيادة الدولة السورية وتعزيز قدراتها. فكما كانت الكارثة السورية التي تمثّلت في دمار البلاد وتحطيم الشعب وتهجيره وتمزيقه نتيجة تضارب مصالح دولية، لا يمكن أن تنجح إعادة الاعمار إلا بتضافر جهودٍ وعلى الجانبين هذا دورنا”.
ويعتقد غليون: “علينا نحن السوريين أن نركّز جهودنا منذ الآن على استعادة اللغة المشتركة والتفاهم على صيغة الخروج من العدمية والمحرفة الوطنية، كما علينا أن نتعاون لبناء تجمع الدول الراعي لعملية الإنقاذ، وأن نسعى الى بلورة صيغة التعاون معها، الدول التي من مصلحتها أن تعود البلاد الى الحياة، وعلى الجانبين هذا دورنا”.
ويتابع غليون كلامه فيقول: “ولا أرى نظاماً يسمح لنا بالتفاهم كسوريين، وتجاوز الماضي، إلا نظام الدولة الديمقراطية، والاقتراع العام، ووضع حدٍ لكل أشكال التمييز السياسي، أو الديني، أو القومي، وهو في نظري النظام الذي يساعدنا أيضا على إدماج دول عديدة في تجمع الدول الداعمة للإعمار، مع حفظ السيادة الوطنية، والبقاء على مسافة واحدة من جميع المعسكرات الدولية والاستقطابات”.
دولة اقتصاد حر
الدكتور هشام نشواتي الطبيب والناشط السياسي وهو سوري أمريكي يقول في إجابته على سؤالنا: “لا أرى أن هناك عائقاً لأي حكومة تستلم قيادة سوريا بعد نظام الأسد، لا أرى أي عائقٍ لأي حكومة تقوم بواجب التنمية السورية كاملةً، وبناء سوريا الوطن الجديد، إذا تحققت أربعة أو خمسة شروط”.
ويعدّد نشواتي هذه الشروط فيقول:
1- لابدّ أن تكون حكومة وطنية تؤمن بالوطن إيماناً صادقاً متجذراً وأصيلاً.
2- وتؤمن بالحريات والديمقراطية واقتصاد السوق الحر.
3- وأن تتعهد بمحاربة الفساد والرشوة والوقوف بحزم ضد أي طرفٍ كان، يقوم بهذه الافعال المدمرة للاقتصاد، من دون الاعتبارات والمحسوبيات والوساطات.
4- يجب توظيف أصحاب الكفاءات والخبرات لتسلم عجلة الوكالة الاقتصادية والتنموية للبلد الوطن بعيداً عن تشكيل عصابات النفوذ والرشوة”.
ويرى الدكتور هشام نشواتي أن: “اقتصاد السوق الحر هو الأهم، فالدول الغربية المتقدمة، الأوروبية، والأمريكية، والكندية، هم الدول المتقدمين اقتصادياً لأنهم بنو اقتصادهم على أسس علمية صحيحة، وحاربوا الفساد والرشوة”.
ويضرب الدكتور نشواتي مثالاً فيقول: “حكومة أردوغان حكومة توجهاتها شبه دينية محافظة سياسياً، ولكنها اعتمدت اقتصاد السوق، فاستطاع أردوغان أن يحقق اقتصاداً قوياً لتركيا، طالما أن هناك حكومة تحقق الشروط هذه، لا أرى أن هناك مانعاً لهذه الحكومة أن تحقق التنمية الشاملة بغض النظر عن توجها السياسي إذا ما كان ليبرالياً أو معتدلاً أو محافظاً دينياً”.
ويعتقد الدكتور هشام نشواتي: “إذا لم نتّبع نمط اقتصاد السوق الحر كما في الدول المتقدمة اقتصادياً وعلمياً وسياسياً، كدول العالم الأوربية الغربية والأمريكية وكندا، وكبعض الدول الناشئة كالبرازيل وتركيا، فإننا سنصطدم بعوائق الصين، المتمثلة بعوائقها السياسية”.
ويرى نشواتي: “أنه لا يمكن بناء اقتصاد حر دون وجود الإنسان الحر سياسياً وفكرياً وثقافياً، وهذا يتم عبر بناء كامل وشامل للمجتمع والدولة الحديثة”.
النظام الليبرالي هو الأمثل
وطرحنا السؤال على الدكتور محمود الحمزة، وهو يحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات، وناشط سياسي سوري مقيم في روسيا، يقول الدكتور محمود الحمزة: “النظام الليبرالي هو النظام الأمثل لمستقبل سوريا الجديدة، ولكن بشرط أن يكون نظاماً ليبرالياً بمضمون اجتماعي، لا أن يكون نظاماً ليبرالياً متوحشاً يقضي على الفقراء والطبقات الكادحة”.
ويتابع الحمزة كلامه فيقول: “الليبرالية تعني نظاماً حراً، نظاماً رأسمالياً، بحيث تتوفر رعاية وخدمات، ومراعاة لمصالح الطبقات الشعبية والمحدودة من الناحية المادية، لذلك أعتقد أن النظام الليبرالي كأي نظام غربي، ولكن هناك حقوق وحريات للناس، وواجبات مصانة في الدستور، وهناك خدمات تقدّم للمواطن، هناك اهتمام بصحة المواطن ومستقبله، وهناك فرص للإنسان، أن يعمل ويدرس ويُبدع، وأن تكون هذه الفرص متكافئة إلى حدٍ بعيد”.
ويضيف الحمزة: “نريد نظاماً ليبرالياً بشرط ألا يتيح الفرصة للأغنياء باستغلال الفقراء واضطهادهم، وأن يكون هناك دستور يحمي الطبقات الشعبية المتوسطة والفقيرة ذات الدخل المحدود، وألا تكون حرية السوق الاقتصادية على حساب الشريحة الواسعة”.
ويعتقد الحمزة أن نظاماً ليبرالياً يجب أن يعترف بحريات الناس وحقوقهم، ويجب أن ينصّ عليها الدستور الجديد، ومنها حريات المعتقدات وحرية الرأي وأن يراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والدينية للمكونات في البلاد، من قوميات وأقليات دينية وطوائف، أي حقوق للناس سواء جماعات أو أفراداً”.
ويرفض الحمزة نظاماً ليبرالياً مرتبطاً بالديكتاتورية، ويرى أنه يجب أن يكون النظام الليبرالي مقترناً بالحريات وبالديمقراطية”.
التنمية تحتاج ليبرالية اجتماعية وثقافية
وطرحنا سؤالنا على السيد نبيل قسيس سكرتير حزب النداء الوطني، فأجاب بقوله:
“من نافل القول، أن عهد الاقتصادات الموجهة والمركزية قد ولّى، وبالطبع إن أقرينا بأن برامج التنمية الاقتصادية، التي ترتكز على معطى نظري ليبرالي، ينتهج سياسة المنافسة الحرة والنزيهة، وقانون السوق، هي المناط بها النهوض بمقدرات سوريا دولة ومجتمعاً”.
ويضيف قسيس: “وحيث أن مسألة البرامج التنموية ذات التوجه الاقتصادي الحر، لا يمكن أن تؤتي مفاعيلها إلا بملازمتها لسياسة ليبرالية على المستويين الثقافي والاجتماعي، لإطلاق قوى المجتمع الكامنة، فإن هذه البرامج يجب أن يتم تبنيها من قبل قوى سياسية ذات عقيدة ليبرالية، هذا على المستوى النظري”.
ويتابع السيد سكرتير حزب النداء الوطني حديثه فيقول: “أما على مستوى الواقع، فإن كمّ الخراب الذي لحق بسوريا عمراناً ومجتمعاً، إضافة إلى تشظّي المجتمع تشظياً عمودياً على المستوى السياسي والثقافي، فإن الحديث عن حلول في إطارها النظري المستند للتجارب التاريخية، يُضحي منقوصاً، وقد لا يؤدي إلى النهضة التنموية المأمولة”.
ويرى قسيس: “أن فرادة الحالة السورية، تستدعي اجتهادات ذات فرادة تتلاءم مع الحالة السورية القادمة بعد الحل السياسي، تراعي في اجتهاداتها كمّ البؤس الحادث، وهول الانشطار الاجتماعي والثقافي”.