كما وثقنا بانتصار الثورة، ثقوا بانتصار سورية الجديدة، ولا تنسوا العدالة الانتقالية

img

شهدت مسيرة الثورة السورية مراحل صعود وهبوط، ووصل العديد من السوريين إلى حالة اليأس والإحباط من انتصار الثورة، نظراً لقبول الأسد من قبل الدول العربية والأجنبية باستثناءات بسيطة.

وفقط كان الشعب السوري لا يريد بقاء نظام الأسد فانتصر الشعب. وفي تلك الظروف الحرجة والمكللة بالغيوم تمسك الأحرار والثوار الحقيقيين بحتمية انتصار قضية الشعب السوري.

وهناك فئة من السوريين كانوا يركزون فقط على سلبيات الثورة والعمل المعارض، لدرجة أن بعضهم غض النظر عن فضح جرائم النظام. وكانت النتيجة تضييع البوصلة ونسيان الحلقة الرئيسية في الصراع بين من ومن؟ ونحن كنا نركز دائما بأن الثورة هي ثورة شعب قامت ضد النظام الاستبدادي القمعي. أما الصراعات الأخرى فهي حاصل تحصيل وناتجة عن الصراع الرئيسي.

وبعد انتصار ثورة السوريين وتحرير دمشق من قبل الثوار، والذي جاء كتتويج لمرحلة صراع دامية قدم فيها السوريون خلال 14 سنة أثمن التضحيات.

وقد شكل تحرير دمشق وإسقاط نظام الأسد حدثاً تاريخياً جيوسياسياً واستراتيجياً بامتياز. وبرأيي فهو أهم حدث في عام 2024 ومن أهم الأحداث على مدى 100 عام. وأهمية انتصار الشعب السوري في إسقاط الأسد ستكون له تبعات شاملة ليس في سورية وحسب وإنما في الإقليم والعالم.

واليوم وقد فرحنا بهذا النصر وحصول السوريين على الحرية والشعور بالكرامة يأتي بعضهم وهم نفسهم الذين كانوا ينتقدون دائما أداء الثورة لدرجة أنهم روجوا إلى أنها هزمت وانتهت ولم يعد هناك ثورة، نفس هؤلاء اليوم يشككون بمستقبل سورية وينتقدون بعض الأخطاء التي تحصل بالفعل ويضخمونها وكأن لسان حالهم يقول إن الأقليات في خطر وأن السلطة الجديدة تريد دولة إسلامية وهذه رسائل للعالم تدعوه بشكل غير مباشر إلى عدم الاعتراف بالسلطة الجديدة وحتى محاربتها.

أعتقد أن هؤلاء هم نفسهم المشككين بالثورة سابقاً والمشككين بمستقبل سورية والترويج لعدم إمكانية بناء سورية الجديدة المدنية، وذلك بالرغم من كل التصريحات الصادرة عن قيادة السلطة الجديدة المتوازنة والعقلانية والوطنية والحريصة على احترام الآخر ومعتقداته وانتماءاته القومية والدينية والطائفية.

ما أريد قوله إن سورية اليوم أمام تحديات كبرى ومخاطر حقيقية تتشابك خطوطها بين الداخل والخارج، ولكنني على ثقة كاملة بأن الشعب السوري سيدافع عن المكتسب التاريخي وهناك شبه اجماع والتفاف حول القيادة الجديدة لأنها تقول قليلاً وتفعل كثيراً وترسل رسائل مشبعة بالمسؤولية إلى الداخل والخارج.

أيها الوطنيون السوريون!

اليوم نحن مدعوون للمساعدة في بناء سورية الجديدة الكريمة الحرة بكل ما نستطيع وكل في مجاله. بدل أن نقضي الوقت بالتشكيك والانتقادات الصحيحة والخاطئة، علينا أن نقدم شيئاً مفيداً للخروج من الأزمة الاقتصادية والمعيشية والصحية والتعليمية التي تشمل المجالات كافة.

صحيح أننا نريد بناء دولة مواطنة وأن نقلل من الشعارات الثورية فنحن بالفعل نجابه تحديات من نوع جديد تتعلق بإعادة الاعمار والتنمية، ولكننا لن ننسى الماضي بهذه السرعة ويجب أن تتحقق العدالة الانتقالية وتعاد الحقوق لأصحابها، فما نشهده عجيب وغريب. فشبيحة الأمس يزاودون على الثوار والأحرار الذين عرضوا حياتهم وأسرهم للخطر في سبيل دعم الثورة، بينما هؤلاء كانوا يحرضون ويحاربون الثوار ويلحقون بهم الأذى والاضرار التي وصلت إلى حد القتل. ولا يمكن لهؤلاء الشبيحة أن يتقلدوا مناصب في سورية الجديدة على الأقل إن لم يقدموا إلى المحاكم العادلة.

ومن أهم المطالب الملحة هو تشكيل هيئة حكم انتقالية تشرف على عملية الانتقال السياسي لتصل سورية إلى بر الأمان بعد إجراء انتخابات وتحويل السلطة إلى سلطة شرعية منتخبة.

وأنا على ثقة أن سورية ستكون من الدول المتقدمة والمتميزة خلال سنوات معدودة بجهود الغيورين على وطنهم.

وختاماً أتوجه للشباب السوري وأقول إن الثورة ثورتكم فأنتم فجرتموها وأنتم من ضحى أكثر من غيركم وأنتم الأجدر بالحفاظ عليها وبناء وطنكم الجميل الذي يتمتع الجميع بالحرية ومساواة الجميع أمام القانون.

الدوحة – 12/1/2025


الكاتب الدكتور محمود الحمزة

الدكتور محمود الحمزة

أكاديمي وسياسي سوري

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة