غزة.. ذروة الهزيمة والتلاشي أم بداية انطلاق شرارة النهوض!
لم نعلم تاريخياً أن مشهد الصراع بين الدول، وخاصةً في العصور الحديثة، كان يأخذ هذا الشكل من الهمجية والتوحش والبربرية كما يأخذه اليوم في غزة الذبيحة البطلة.
فإذا كان عنوان الفعل التدميري الذي يقوم به الاحتلال الصهيوني في هذه المدينة هو الإبادة بلا شفقة أو رحمة، لكل ما تدّب في عروقه الحياة في هذا البقعة من العالم، فإن سقوط جوهر مفاهيم التحرر والحقوق والعدالة والمساواة التي لطالما اعتبرنا أن المركز الأوروبي هو منتجها وصانعها ونموذجها الذي يرقى إلى النموذج العلمي والذي ينبغي أن يسود أوطاننا ومناطقنا في هذا العالم، هو العنوان الثاني لهذا الفعل التدميري.
حيث يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي قادة وزعماء هذا المركز الذي لطالما تغنينا، بل وقاتل الكثير منا من أجل الدفاع عن قيمه ومفاهيمه التحريرية والتنويرية، ليباركوا وبكل صفاقة عملية الذبح التي يقدم عليها الكيان الصهيوني في غزة البطلة، بل ويرسلون إليه الأسلحة التدميرية الاستثنائية ليكمل عملية التدمير والإبادة.
وقد جاء هذا الموقف لينزع الستار كاملاً عن الوجه القبيح الذي كان يختبئ خلف الخطاب الذي أشرنا إليه، الوجه الذي عُبر عنه بوضوح لا لبس فيه في الأدبيات الاشتراكية التي سادت في القرن السابق والتي كانت تؤكد على كذب ودجل وخداع الرأسمالية وديموقراطياتها وحرياتها وكذلك مرحلتها الإمبريالية.
وإذا كان سقوط الاتحاد السوفييتي السابق قد منح الإمبريالية القدرة والفرصة كي تتوسع في هيمنتها على العالم، لتنتج لنا لاحقاً خطاباً عولمياً واعداً متكئةً على ما أحدثته ثورة الاتصالات من ميزات وخصائص وإمكانيات جعلت من العالم قرية صغيرة، الأمر الذي منح الشعوب آمالاً وأحلاماً بغدٍ مشرق أكثر عدالةً وأكثر مساواة وأكثر أماناً وسلاماً، إلا أن هذا الوجه القبيح ما كان له أن يتغير.
بل أكد مرة تلو المرة وفي أكثر من محطة، أنه منسجم مع بنيته الرأسمالية الجشعة المتوحشة اللاإنسانية، فمن حربه في أفغانستان إلى تدمير العراق الوطن أرضاً وشعباً ودولة إلى إجهاضه لثورات الربيع العربي وتداعيات ذلك من تدمير وتهجير ومجازر لا تحصى وقتل لملايين الرجال والنساء والأطفال، إلى انحيازه العنصري الفاقع الذي تبدى في الحرب الأوكرانية/الروسية، ومن ثم إلى محطته الأخيرة حيث غزة الشهيدة البطلة التي أسقطت عنه قناع الزيف والتوحش.
نعم سقط القناع، وها هي شعوب العالم تتحرك بزخم ليس له سابقة في الماضي، تهتف لغزة البطلة، وتعرّي عهر الساسة العولميين الإمبرياليين وعلى رأسهم عهر ووحشية الكيان الصهيوني الاستيطاني البشع، وتطلق روح الأخوة والإنسانية والتلاحم نحو غزة ومن حولها من شعوب مقهورة مكلومة مبتلاة بأدوات نظام العولمة المتوحش الساقط.
إن هذه الانطلاقة الشعبية العالمية العارمة لابد أن تكون الرافعة الحاسمة والفاصلة لشعوبنا العربية التي أوصلتها أنظمتها الوظيفية إلى الحالة الراهنة، والتي لابد أن تهب لنجدة غزة البطلة ولتفتح معها ومع شعوب العالم صفحة جديدة في سجل جديد لنظام عالمي جديد تكون الشعوب فيه مرتكز السيادة والتحرر والسلام والرخاء العالمي.