مؤتمر بروكسل المسار الديمقراطي السوري مقلوباً
في الآونة الاخيرة من هذا الشهر، احتضنت مدينة بروكسل العاصمة البلجيكية مؤتمراً سورياً سماه ذووه المسار السوري الديمقراطي.
وبالرغم من أن الإطلالة الأولى على حيثيات ووثائق المؤتمر الأولية وهوية المحضرين له والجهة الراعية معهم تنظيم قسد الانفصالي والمصطنع، وما لذلك من دلالات تشير إلى حتمية فشل هذا المؤتمر من وجهة نظرنا، وهو الأمر الذي لم يكن ليحفزنا على كتابة هذا المقال إلا أن مشاركة بعض الأسماء السورية المحسوبة على تاريخ الحركة الديمقراطية والتي نالت الأطر التي تنتمي إليها هالة من الاحترام في الفضاءات السياسية السورية على مدى سنوات حكم الطاغية الكبير.
والطعنة الكبرى التي يوجهها هؤلاء إلى مفهوم وممارسة الديمقراطية بمسلكهم وحضورهم هذا
شكل دافعاً ومحرضاً لنا على تقديم مقاربتنا هذه التي لازالت الثورة السورية والكواليس السياسية السورية بحاجة إلى العديد من مثلها. خاصة وأن الثورة السورية العظيمة التي كشفت عجز وفشل أمثال هؤلاء الديمقراطيين الذين أخلوا ساحات العمل والنشاط الثوري في ذروة حاجة الشارع الثوري لهم وتركوها لقمة سائغة لأعداء الشعب الذين لم يتركوا فرصة إلا وانتهزوها في سبيل إجهاض الثورة والمتاجرة بها وتنفيذ أجندتهم الخاصة فيها.
لقد كُتب الكثير، وتمت الإضاءة ملياً على أسباب فشل هؤلاء الديمقراطيين إن من حيث تمثلهم للديمقراطية وممارستها في دوائرهم التنظيمية الخاصة بهم، أو في علاقتهم مع الفئات الشعبية الواسعة التي نأت عنهم وافتقدتهم بفعل ذهنيتهم النخبوية ونظرتهم الفوقية، ما كشف حقيقة قربهم أو بعدهم عن الشارع الثوري الذي أكد عزلتهم وتقوقعهم، كما أن استمرارية الثورة السورية رغماً عن الكثير من أصحاب النزعات النخبوية وزعامات الواقعية السياسية ودعاة الخضوع لموازين القوى ومفاهيم السياسة البراغماتية، التي لم تكن لتكون إلا على حساب الشعوب المقهورة والمضطهدة ولتثبيت حالها كمواضيع عمل لتحقيق مصالح الفئات الأخرى في مجتمعاتها المتصارعة، وكذلك لخطورة المرحلة التي تمر بها الثورة السورية والوطن السوري.
كل ذلك يستوجب منا أن نواصل تعرية وكشف كل ما يمكن أن يؤذي مسار الثورة وحراكها الشعبي ويقوض أهدافها في نيل الحرية والكرامة والسيادة ويمنع عنها استمرار اغتيالها من مختلف الجهات التي انكشفت لشعوبنا بحكم المرحلة التاريخية المنتفخة بالصراعات الدولية العولمية والاستعمارية.
إن الثورة والشعب السوري الذي دفع ما يفوق المليون شهيد وهجر في أربع رياح الأرض لكي يكنس نظام العصابة العميل ولكي يسترد المعادلة الصحيحة لمسالة السلطة، أي استحواذه على السلطة السياسية التي سرقت منه على مدى عقود مضت والذي كان شديد التعويل على نخبه السياسية والثقافية الديمقراطية تلك التي من المفترض أنها تتنفس التعريف الأوحد للديمقراطية الحقيقية أي حكم الشعب نفسه بنفسه والتي خذلته أيما خذلان وتركته فريسة لقوى الأمر الواقع المحلية والإقليمية والدولية كما أسلفنا.
إن شعبنا هذا لن يقبل بعد كل التضحيات التي قدمها أقل من انتصار ثورته واستلام السلطة السياسية، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا على أيدي ديمقراطيين حقيقيين يدفع بهم نحو تمثيله من خلال قواه الثورية الفاعلة في خضم الحراك الثوري وليس من خلال أمثال هؤلاء الحاضرين في بروكسل وأولئك الذين خانوا مفهوم الديمقراطية الحقيقية وممارستها وغردوا بعيداً، متماهين مع أعداء الشعب والقوى التي لازالت تتربص به وتتعامل معه من منظور فوقي، وتعتبره مادة لتحقيق مصالح الفئات التي عرتها الثورة، وكشفت عمق ارتباطها بأعداء الشعوب والديمقراطية الحقيقية.
أخيراً إلى أمثال هؤلاء الديمقراطيين نقول: إن قبولكم تمثيل شعبكم في غفلة عنه وادعائكم صحة تمثيلكم له بحكم ديمقراطيتكم التي تزعمون تبنيها، إنما في ممارساتكم وفهمكم هذا، تلتقون مع تلك القوى التي فرضت نفسها على شعبنا واستحوذت منه على السلطة السياسية غصباً وقهراً واستبداداً منذ عقود.. فهل هذه هي ديمقراطيتكم؟؟.
عبثاً لن تنجحوا.. فالثورة إنما جاءت لتحطم هذا الفهم لمعادلة السلطة السياسية والاستحواذ عليها.