التوسع الإسرائيلي في سورية: الأسباب، الأهداف، التداعيات، السيناريوهات المحتملة

تقدير موقف
بعد تقويضها قوة ومكانة حركة “حماس” و”حزب الله” وانهيار النظام السوري، وتحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي، تحاول إسرائيل فرض واقع استراتيجي جديد في المنطقة، سياسياً وأمنياً، بل وحتى التدخل لفرض نوع من أنظمة هشّة فيها، مستغلة تداعيات ما بعد “طوفان الأقصى”، بما في ذلك الدعم الأميركي لها.
ومن الواضح أنها تركز على سورية بالنظر لأهميتها الجيوسياسية، ولأنها تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وترزح تحت التركة الثقيلة التي تركها النظام البائد، على كل الأصعدة والمستويات. فلم تمر سوى ساعات على هروب بشار الأسد حتى سارع الجيش الإسرائيلي إلى استغلال الفراغ ليشن 480 غارة جوية استهدفت ما يزيد على 80% من قدرات الجيش السوري وبنيته التحتية وأسلحته الرئيسة، وأظهرت بعض الخرائط توغل إسرائيل العسكري في الجنوب الغربي من العاصمة دمشق، والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وعدد من القرى والبلدات السورية.
الأهداف الإسرائيلية:
على الصعيد السياسي تعمل إسرائيل على فرض ذاتها كدولة إقليمية أقوى، أو مهيمنة في الإقليم، ليس إزاء النظام العربي الضعيف والمفكّك فقط، وإنما إزاء الدول المنافسة في الشرق الأوسط، تركيا وإيران والسعودية. ومن هنا تبرر توسعها في سورية بالتخوف من صعود نفوذ الإرهاب والجهاديين، ومنع صعود نفوذ تركيا تحسباً لإمكان أن تحل محل إيران، وأنّ النظام السوري الجديد لا يظهر ما يفيد بالقطع مع العداء لها، واستدراج سورية إلى الحلف الإبراهيمي للتطبيع معها، وفقاً للمعادلات الجديدة في المنطقة التي تتجه نحو شرق أوسط جديد برعاية أميركية تحت قيادة ترامب.
وهكذا، تتركز الأهداف الإسرائيلية في سورية على:
- جعل الدولة السورية ضعيفة وهشة، وتدمير ما تبقى من ترسانة الجيش السوري بشكل كامل، ومنع تشكيل دولة سورية قوية.
- فرض طوق أمني في الجنوب الغربي، وإبعاد الجيش السوري عن الحدود قدر الإمكان.
- تقسيم سورية إلى أقاليم عرقية وطائفية، أو فرزها لمجموعات تدين بالولاء للهويات الفرعية بدلاً من الوطنية.
- محاولة فرض هيمنتها على إقليم الشرق الأوسط، بما يقلل من فرص تركيا أو السعودية، ويزيد من حصار الدول العربية، ولا سيما الأردن والعراق ولبنان.
وقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 5 نيسان إنّ إسرائيل تهدف إلى ” تقسيم سورية إلى مناطق تأثير”، بحيث تكون الولايات المتحدة صاحبة التأثير في الشرق، وروسيا في مناطق الساحل، وتركيا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب، والإدارة السورية الجديدة في باقي المناطق.
ووفق المخطط تعمل إسرائيل على السيطرة على أوسع منطقة ممكنة في الجنوب الغربي، ومن ثم تقسيمها إلى ثلاث مناطق جغرافية تحوّلها إلى ما سمتها “منظومة دفاعية” الأولى منها هي المنطقة العازلة التي تمتد من قمة جبل الشيخ وصولاً إلى الحدود السورية –الأردنية – الإسرائيلية، وجنوب طبريا، وسيتم تعزيز القوات العسكرية فيها إلى أجل غير مسمى لأهميتها الاستراتيجية إذ يمكن للجيش، من خلالها، مراقبة ما يحدث في منطقة دمشق وفي البقاع اللبناني. والمنطقة الثانية الأقرب للحدود وتضم بلدات جنوب سورية وأطلقت عليها تسمية “المنطقة الأمنية”، وفيها ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات يومية، ومنها يتوغل إلى العمق السوري بادعاء الحاجة العملياتية ومنع المسلحين من الاقتراب من الحدود. أما المنطقة الثالثة وتطلق عليها إسرائيل اسم منطقة “التأثير” ويتجاوز عرضها 65 كيلومتراً ويحدها من الشرق شارع دمشق – السويداء، فهي منطقة تعمل إسرائيل لفرض حكم ذاتي فيها مستقبلاً.
وفي هذه الأثناء باشر الجيش الإسرائيلي بإنشاء جدار متطور على طول الحدود، يقع في الأرض السورية، وهو جدار من شأنه أن يرسم حدوداً جديدة بذريعة ضمان أمن إسرائيل. وسيتم تزويده بمختلف التقنيات الحديثة التي تضمن المراقبة وعدم إمكانية التسلل وإلى جانبه ستزرع ألغام في مناطق عدة.
في الوقت نفسه تعمل قوات برية برفقة وحدات هندسية في الجيش على إقامة عوائق ترابية في العمق السوري، تضمن أيضاً أمن بلدات جنوب سورية، بذريعة منع تسلل مقاتلين وتنظيمات معادية.
ومن هنا، يمكن القول إنّ مقاربة إسرائيل في سورية أكثر خطورة من مقاربتها الاستراتيجية حيال قطاع غزّة وجنوب لبنان، فالأخيران لا يشكلان خطراً وجودياً على إسرائيل، إذ يقتصر خطرهما على البعد العسكري المحدود، أما سورية فتشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، إذا ما أعادت بناء نفسها على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
وهكذا، يمر الجنوب السوري بواحدة من أخطر مراحل التحول الجيوسياسي في تاريخه الحديث، مع اتساع سيطرة إسرائيل على المنابع المائية العذبة في مناطق القنيطرة ودرعا، وما رافق ذلك من تحركات استراتيجية طالت جبل الشيخ ونهر اليرموك. هذا التمدد المائي لا يهدد الأمن المائي لسورية فحسب، بل يضع الأردن أيضاً في دائرة الخطر، في ظل صمت دولي وعجز سوري عن المواجهة.
وتشير تصريحات قادة إسرائيل ونشاطات الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية التي احتلها بعد سقوط نظام الأسد، إلى أن إسرائيل تخطط لوجود طويل فيها. ففي 17 كانون الأول/ديسمبر، صرح وزير الدفاع من قمة جبل الشيخ، التي احتلتها إسرائيل قبل ذلك بأيام، بأنّ “قمة جبل الشيخ هي عيون دولة إسرائيل التي ترى الأخطار القريبة والبعيدة”، وأن الجيش الإسرائيلي سيقيم تحصينات عسكرية في المناطق التي احتلها حديثاً من أجل البقاء فيها فترة طويلة. وفي 23 شباط 2025، صرّح نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي سيبقى في جبل الشيخ وفي المنطقة السورية المنزوعة السلاح لفترة غير محددة، وأنه لن يسمح لقوات النظام الجديد في سورية بالدخول إلى المنطقة الواقعة في جنوبي دمشق، وطالب بأن تبقى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء منزوعة السلاح.
التنافس الإقليمي على موقع سورية في الشرق الأوسط:
إنّ جغرافية سورية تسمح بالتواصل مع كل مفاصل السياسة شرق الأوسطية، ويمكن أن تُفرِّق بين هذه المفاصل في آنٍ واحد. فالتغييرات التي حصلت فيها منذ سقوط النظام السابق، أدت الى انكفاء محور سياسي، وبروز محور سياسي آخر.
لقد أدّت عملية طوفان الأقصى، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى تغير قواعد الإقليم بشكل كامل، حيث دخلت إسرائيل في حربٍ كبيرة مع إيران ومع أذرعها، فتكوّنت نظرية جديدة في الأمن الإسرائيلي ذات طابع جيو استراتيجي تقوم على ضرورة إنهاء النفوذ الإقليمي الإيراني، والخاصرة الرخوة كانت في هذه المعادلة هو بشار الأسد، الذي كان لديه إدراك شديد بأنه سيكون أول من يدفع الثمن في هذه الحرب الإقليمية، لحجم هشاشة نظامه السياسي. لذلك حاول وحرص على أن يكون محايداً، مما أزّم وضعه أكثر مع كل الأطراف، وكان أحد الخارجين الأوائل من اللعبة الإقليمية الجديدة.
في المقابل، لا يعني ذلك أن إسرائيل كانت ترحّب أو ترغب في التغييرات الجوهرية التي حدثت بإسقاط الأسد. وما يبدو من السلوك العدواني الإسرائيلي أنّ قادتها لم يكونوا متوقعين هذا السيناريو، ربما كانت لديهم معلومات استخباراتية، وربما كانوا على علم بوجود ترتيبات إقليمية تركية وسورية داخلية، لكنّ حجم الانهيار الفوري والسريع لنظام الأسد، أدخل المخططات والتصورات الإسرائيلية في مأزق حقيقي، لأنها لا تعرف الكثير عن البديل الجديد. من هنا أتى الرهان الإسرائيلي على أدوار التركي والقَطري والإقليمي عموماً، لتأطير المشهد السوري في سياقٍ لا يشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وفي الوقت نفسه، تضمن إسرائيل عدم وجود تيارات إسلامية معادية على حدودها.
فمن سورية يمكن العبور الى واحات الشرق الأوسط برمته، من خلال إنشاء ما يطلق عليه «ممر داوود» لتتمكن من تحقيق أكبر أذية ممكنة في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.
ومن هنا كانت التوجهات الواضحة لقيادة المرحلة الانتقالية في سورية الجديدة من خلال إعلانها بأنها ستكون ضمن المنظومة الدولية للحفظ على أمن المنطقة والعالم، وليس الانخراط مع أي طرف في الصراع. بما يفتح آفاقاً جديدة لشرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً. إذ إنّ النظام الإقليمي والأمني الشرق أوسطي هو في حال ضبط وصياغة وفق توازنات إقليمية وأمنية جديدة، إذ يسعى الإسرائيليون إلى جعل دول الطوق في حال من الضعف والهشاشة التي لا تصل إلى الفوضى، لكنها كافية لجعل هذه الدول ضعيفة وفاقدة أية مبادرة حقيقية، وهذه سياسة ثابتة في العقيدة الإسرائيلية. وهي تستند إلى مقاربة أمنية ترى في تفتيت المجتمعات أداة لإضعاف الدول المحيطة بها، مما يتقاطع مع رؤية سائدة في إسرائيل تعد شعوب المنطقة كيانات فسيفسائية منقسمة.
لقد ساعد تشكّل السلطة السورية الجديدة في إعادة بناء منظومة التحالفات، مما يشكل حالة قلق وتهديد غير عادي بالنسبة لإسرائيل ومصالحها في سورية. فبعد إضعاف الدور الإيراني يجب متابعة حدود التنافس والتوافق الإسرائيلي – التركي، إذ يبدو أنّ كليهما حريصين على تقاسم النفوذ في سورية. فبالرغم من أنّ تركيا ينصبُّ اهتمامها على عدم السماح بتبلور كيان كردي مستقل إلى جوارها، وبحصر دورها في سورية بالقوة الناعمة، وبالوسائل الاقتصادية، والبني التحتية، وحتى تدريب أجهزة الأمن وليس أكثر، بغض النظر عن الخطابات. فإنّ إسرائيل، في ظل نمو الدور التركي واتساعه وتطوره من مجرد فاعل في شمال سورية إلى حليف استراتيجي للقيادة السورية، جعلها في حالة من التوجس، أي أن تكون سورية مدعومة من دولة حليفة وعضو في الناتو. في حين تبرز القناعة الإسرائيلية بأنّ مصالحها ستكون عرضة للخطر عند حدوث أي تقارب أو تفاهم تركي – أميركي في سورية بسبب منظومة العلاقات التي بنتها أنقرة في الإقليم مؤخراً. وأن قطع الطريق على أي تقارب تركي – أميركي في سورية لا بدَّ أن يكون بين أولوياتها، خصوصاً وأن الحديث يدور في الداخل التركي عن احتمال تحوّل المشهد السوري إلى فرصة للتقريب بين واشنطن وأنقرة في التعامل مع ملفات وأزمات إقليمية فيها كثير من المقايضات والصفقات.
ومن الخيارات التي تحاول إسرائيل اللجوء إليها، عودة الدور الروسي في سورية، كضامن يحقق التوازن داخل الملف السوري، مما لا يصنع تهديداً على حكومة تل أبيب، وبالتالي، تقل احتمالية وقوع مواجهة مع الجانب التركي والحكومة السورية. وترى إسرائيل أن عودة الانخراط الروسي تقلّص من الدور التركي في سورية، إلا أنّ الاشتباك التركي- الإسرائيلي سيكون تطوراً خطيراً، يخشاه الجانبان ويحاولان تجنبه، في ظل المحاولات الإسرائيلية المستمرة خلال السنوات الماضية تجنُّب خصومة أنقرة.
وفي أجهزة الأمن الإسرائيلية يتوقعون أنّ تركيا لا تعتزم السيطرة بصورة كاملة على سورية، بل جعلها تابعة سياسياً وعسكرياً من خلال إقامة جيش سورية الجديدة وإقامة قواعد عسكرية تركية، وهو جانب استدعى إسرائيل إلى إجراء محادثات مع روسيا ومطالبة جهات دولية بالسعي لضمان نشر قوات من الجيش الروسي في الساحل السوري وإضعاف دور تركيا بسورية.
ولم تقتصر الجغرافيا السورية على كونها بريد رسائل إسرائيلي لتركيا، إذ لعبت أنقرة هذا الدور أيضاً، حيث تبعث رسائل مفادها أنها تسعى لبناء نفوذ قوي في سورية، كجس نبض للموقف الإسرائيلي . وفي الحسابات الإسرائيلية فإنّ تركيا مثل إيران، لذلك لن تسمح لأنقرة بالتمدد وتقوية نفوذها أكثر في سورية. وفي المقابل فإنّ وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال لوكالة “رويترز”، إنّ تركيا لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سورية، وإذا أرادت دمشق التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل فهذا شأنها. وعليه من الواضح أنّ لا رغبة إسرائيلية أو تركية في مواجهة مباشرة، كما أنّ إسرائيل تدرك أنّ تركيا دولة كبيرة وقوية، وصديقة لإدارة ترامب الأميركية.
ما هي الخيارات السورية؟
مشكلة سورية إزاء تلك التدخلات الإسرائيلية أنها منهكة وضعيفة، وثمة عوامل تفكّك فيها. الخيار الممكن والأسلم إنما يكمن في تحصينها من جهتين: بناء الدولة، كدولة مؤسسات وقانون. وبناء المجتمع، على أساس المواطنة، بحيث يغدو السوريون جميعهم متساويين في الحقوق والواجبات، بمعزل عن أية تقسيمات إثنية أو طائفية أو سياسية، وهو السلاح الأهم في مواجهة إسرائيل، الذي جرى تغييبه، منذ اعتبرت قيادة المرحلة الانتقالية ” من يحرّر يقرّر “. ومن التهوّر طرح الخيار العسكري، في واقع سورية الممزقة، بل هي أحوج لاستعادة عافيتها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. إضافة إلى تعزيز علاقاتها، دولياً وإقليمياً وعربياً، بما في ذلك الاستجابة للتكيّف مع العالم والواقع، كما ظهر بعد إعلان ترامب رفع العقوبات الأميركية ولقائه مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، على أمل أن ينزع من إسرائيل الحجج التي تتذرّع بها.
ففي لحظة الفوضى الأمنية، سعى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وفريقه إلى إدارة الخلافات مع إسرائيل، من خلال توجيه تصريحات ترنو نحو التهدئة أكثر من الحرب، مع محاولة الموازنة بين إدانة التوغل داخل الأراضي السورية، وبين مستقبل العلاقة، ولا سيما ضمن التوجه السوري الجديد الذي ينطلق من سياسة إعادة بناء وإعمار سورية، وقد كانت تصريحاته بخصوص عدم رغبة سورية في الانخراط بأي حرب جديدة والتركيز على البناء الداخلي فقط، من أبرز الإشارات لدول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل، بأن سورية لن تكون مصدر تهديد لأحد، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة التي استولت عليها، وتبلغ مساحتها نحو 450 كيلومتراً مربعاً.
وهكذا، تواجه قيادة المرحلة الانتقالية تحديات أمنية عديدة، مع ذلك لدى الحكومة السورية خيارات عديدة للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية، منها: تفعيل القدرة الدبلوماسية لاستخدام مبدأ الوساطة الإقليمية والدولية، ولعلَّ لقاء الرئيس الشرع مع الرئيس الأميركي ترامب، بدعم من المملكة العربية السعودية وتركيا، أحد الأمثلة على هذا التفعيل. ونعتقد أنّ استعادة الثقة مع واشنطن قد يساعد في كبح إسرائيل عن أي استهداف للأراضي والسيادة السورية، مما يمهّد للاستقرار، ولا سيما أنّ الرئيس دونالد ترامب يتحدث عن إيقاف الحروب في الشرق الأوسط، وعن التركيز على الاستقرار الإقليمي. وأيضاً بناء مسار إقليمي مشترك مع السعودية وتركيا، انطلاقاً من العداء المشترك لإيران ورغبة سورية في استعادة العلاقات مع واشنطن والانخراط في المعادلة الإقليمية الجديدة. كما أنّ بناء أدوات ثقة مع مصر وتذليل عقبات العلاقات الثنائية يعزز من القدرة السورية في مواجهة المخاطر الإسرائيلية.
وعلى الصعيد الوطني نزع الاستثمار الإسرائيلي بالهويات الفرعية، مما يتطلب وضع سياسات رشيدة وسريعة، تشمل الأبعاد الاقتصادية والخدمية والأمنية، خاصة بعد رفع العقوبات الأميركية، لعدم ترك ذرائع في الديناميات الداخلية لإسرائيل. والأكثر أهمية أن مثل هذا الفهم يحمي الدولة من التفكّك، ويقطع الطريق على إسرائيل في محاولاتها المساس بمكونات المجتمع السوري.
السيناريوهات المحتملة:
تفرض ديناميات التحركات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط سيناريوهات مفتوحة على عدة احتمالات، من أهمها:
1- عملية السيطرة على الحزام الأمني للجولان وتجاوز اتفاق 1974 نوع من الضغط الإسرائيلي على القيادة السورية لتقبل نوعاً من التطبيع يعيد الوضع في الجولان لما كان عليه قبل سقوط الأسد إذا قبلت سورية تطبيعاً لعلاقاتها مع إسرائيل، ومن ثم القضاء على حلم “عودة الجولان السوري المحتل إلى حضن الوطن”.
2- لم يستبعد أن تتفوق المصالح الأمنية المشتركة للطرفين على التوترات السياسية الكبيرة، وقد تنشأ آلية تنسيق عسكري، مماثلة لتلك التي أُنشئت مع القوات الروسية الموجودة في سورية.
3- إن التحركات الإسرائيلية في سورية قد تتوقف في حال توصلت الأطراف الإقليمية لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، تضمن عدم ملء الفراغ الإيراني بأي قوة مناوئة لإسرائيل، وبالتالي محاولة إقامة ترتيبات وتفاهمات أمنية، يمكن أن تكون بدأت بالفعل بين تركيا وإسرائيل، بهدف التوصّل إلى تفاهم بينهما بعد توضيح نيّات إسرائيل ومسألة وجودها العسكري في داخل الأراضي السورية، وشروط انسحاب قواتها من هناك مستقبلاً، والتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل التوصّل إلى تفاهمات مع الحكم الجديد في سورية.
4- بعد زيارتي الرئيس الشرع إلى الإمارات والبحرين والحديث عن احتمال انضمام سورية إلى مجموعة “السلام الإبراهيمي”، جاءت تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، حيث أعرب عن انفتاح بلاده على “علاقات طيبة” مع سورية، مما يعكس تحولاً جذرياً في الخطاب الإسرائيلي الذي كان يتمسك بوصف حكام سوريا الجدد بـ “الإرهابيين الذين لا يمكن الثقة بهم”. ومما زاد من احتمال هذا السيناريو أنّ القوات الإسرائيلية استعادت رفات الرقيب أول تسفي فيلدمان، الذي فُقد خلال حرب لبنان الأولى عام 1982. ولا يستبعد أن يصل الجانبان إلى مرحلة تطبيع العلاقات.
ونحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري – الهيئة القيادية، ندعو إلى الاستفادة من الحرص الإقليمي والدولي على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لممارسة الضغط على إسرائيل للالتزام باتفاقية فك الارتباط لعام 1974 بداية كبادرة حسن نية على طريق المفاوضات من أجل سلام عادل ومستدام.
16 أيار 2025
مكتب السياسة
حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية