أهمية النقابات في المرحلة الانتقالية

خرجت سورية من العهد البائد وهي تعاني من دمار شامل. إعادة بناء الدولة لا تقتصر على إعادة الإعمار المادي فحسب، بل تشمل أيضاً إعادة بناء الروح الوطنية السورية. شرط بناء الوطنية هذه المرة ليس مجرد الخلاص من حكم الأسد ورجاله، بل يتعدى ذلك إلى بناء مجتمع قائم على الحريات العامة والحياة السياسية النشطة. في الماضي، تم توجيه ضربات قاسية للوطنية السورية عبر نزع السياسة من المجتمع، وتحويل مفهوم الوطنية إلى مجرد ولاء أعمى للنظام السياسي. تم استبدال الفعالية المجتمعية بهياكل شكلية مثل الحزب والجبهة التقدمية، بينما تم تحويل النقابات إلى أدوات أمنية، مما أفقدها دورها المجتمعي الريادي.
في المرحلة الانتقالية، يجب أن يكون الهدف الأساسي استعادة روح المجتمع في علاقته بالدولة. هذا يعني تعزيز استقلالية الهيئات الاجتماعية، بحيث تدار من قبل ذاتها وليس من قبل النظام السياسي. يشمل ذلك النقابات، الجمعيات التطوعية، الاتحادات الطلابية والعمالية، وغرف التجارة والصناعة. هذه الهيئات هي التي تشكل نواة المجتمع المدني، وهي أحد أهم مصادر إنتاج الوطنية السورية.
في الواقع الحالي لسورية، توجد سلطة حصلت على شرعيتها من خلال حسم الصراع مع النظام السابق، ولكنها تواجه فراغاً سياسياً واجتماعياً. غياب الهياكل الاجتماعية والسياسية الفاعلة يخلق فراغاً بين السلطة والمجتمع، مما يفتح الباب أمام العصبيات الطائفية والقوى الخارجية التي تسعى لإفشال أي محاولة لبناء دولة مستقرة.
هنا يأتي دور النقابات كبيئة حاضنة للفعالية المجتمعية، بعيداً عن العصبيات ما قبل الوطنية. في النقابات، يُعرف الفرد من خلال عمله المهني، وليس من خلال انتمائه الطائفي أو القبلي. هذا النموذج يمكن أن يكون طريقاً نحو بناء وطنية حقيقية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنقابات أن تلعب دوراً حيوياً في سد الفراغ بين السلطة والمجتمع. ففي غياب قوى سياسية فاعلة، يمكن للنقابات أن تكون صوت المجتمع الناقد للسلطة، مما يخلق توازناً ضرورياً بين الطرفين.
على عكس الأحزاب السياسية التي غالباً ما تكون مثقلة بالأيديولوجيات والانقسامات، فإن النقابات أقرب إلى نبض المجتمع. قياداتها تكون عادةً أكثر التصاقاً بالواقع وأكثر خضوعاً للمساءلة من قبل قواعدها النقابية.
في هذه المرحلة الانتقالية بالغة الخطورة، لم يعد العهد الجديد بحاجة إلى من يصفق له، بل إلى قوى اجتماعية منظمة تحمل الهم الوطني وتعمل على تصحيح المسار السياسي. ولذلك، فإن الدفاع عن استقلالية النقابات وحريتها في اختيار قياداتها يعد أمراً حيوياً لضمان مستقبل أفضل لسورية.