التحديات البنيوية للحكومة الانتقالية في سوريا

img

يعتبر إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة هامة على طريق إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، وبالرغم من إيجابيات وجود شباب من أصحاب الكفاءات العلمية فيها مقارنة بما كان عليه الحال في حكومة تصريف الأعمال، فإنّ إدارة المرحلة بدت حريصة على شعارها “من يحرّر يقرّر” الذي أعلنته في “مؤتمر النصر”، من خلال ترسيخ قيادتها للمرحلة وضمان مفاتيحها في أيديها، إذ تسيطر على تسع وزارات منها السيادية) الدفاع والخارجية والداخلية والعدل)، منهم سبعة من حكومة الإنقاذ في إدلب، بعضهم مدرج على قوائم الإرهاب، بما ينطوي على مخاوف التمكين لمشروعها الخاص، الذي لا يستجيب للتحديات التي تواجه السوريين، في ظل وقائع معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وسوف تُمتحن الوعود التي أطلقها الوزراء، خاصة بعد إعادة هيكلتها وتوسّع مجالات بعضها، بما قد يؤثر على جوهر عملها وقدرتها على الوفاء بمتطلبات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.

ومن جهة أخرى، ثمة تنوّع قومي وطائفي في التشكيلة الوزارية، ولكنها لم تعكس تمثيلاً حقيقياً للتيارات الفكرية والسياسية ذات النزوع الديمقراطي، في حين أننا أحوج ما نكون إلى توافقات وطنية جامعة لإعادة بناء الجمهورية السورية الثالثة، ولا يمكن اعتبار الحديث عن “حكومة تكنوقراط” تجسيداً لهذه التوافقات، بل يبدو أنّ مهمتها تنفيذ تعليمات رئيس المرحلة الانتقالية، ومما يسهّل هذا التوجّه أنّ الوزراء التسعة للإدارة سوف يشكلون كتلة مؤثّرة لتنفيذها.

إنّ مهاماً داخلية كثيرة أمام الحكومة في مقدمتها الحدَّ من أعباء العيش على المواطنين.

وقد جاء قرار وزارة الخارجية بتشكيل “الأمانة العامة للشؤون السياسية” لإدارة الحياة السياسية مقدمة لتحجيم الحريات العامة، ومصادرة مسبقة لقانون تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المنوط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مما يمكن أن يعيدنا إلى ممارسات النظام التسلطي البائد، وليس الإعداد لعملية الانتقال الديمقراطي التي تضمن الحرية والكرامة اللتين ميّزتا انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011.

ليس ذلك فحسب، بل أنّ تصريح عضو مجلس الإفتاء الشيخ نعيم عرقسوسي حول اعتباره من مهام المجلس “الرقابة على القوانين وقرارات الوزراء وغيرها من القرارات التي قد تصدر عن مسؤولين ويمكن أن تخالف الشريعة الإسلامية”، مما يعكس رؤية تشكل تحدٍّ لمستقبل عملية الانتقال السياسي، ولا يلغي التحدي تصريحه اللاحق بأنه يعبّر عن رأيه الشخصي.

وبالرغم كل ما ذكرناه فإنّ مهاماً داخلية كثيرة أمام الحكومة في مقدمتها الحدَّ من أعباء العيش على المواطنين، فقد ذكر برنامج الغذاء العالمي، في نهاية عام 2024، أنّ نحو 13 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وتكمن خطورة هذه المعطيات في أنّ الفقر المتزايد يشكل بيئة مناسبة لتهديد السلم الأهلي، مما يجعل من أولى مهام الحكومة الموقّرة وحدة كل مكوّنات المجتمع السوري تحت راية الوطنية السورية الجامعة، من خلال الشروع في إنشاء هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية لعلّها تتمكن من الحدِّ من الفلتان الأمني ضد المواطنين في منطقة الساحل، وتفتح الأفق لإعادة بناء الثقة بين كلِّ مكوّنات الشعب السوري.

وعلى مستوى السياسة الخارجية ثمة تحديات كثيرة، تتمثل في منظومة شرق أوسطية قيد التشكل، إضافة إلى متطلبات المجتمع الدولي من الإدارة الجديدة.

من المبكّر إصدار أحكام قيمة مسبقة على الحكومة، فالسوريون ينتظرون تجسيد ما أعلنه الرئيس والوزراء من رؤى وبرامج.

فهل نستجيب للمخاطر الكبرى التي أشار إليها السيد أيمن الأصفري مؤخراً، خاصة التفرد في السلطة، وهيمنة الديني على السياسي، وسيطرة قادة أجانب على مفاصل أساسية في مواقع الجيش والأمن. وأيضاً خريطة الطريق التي أعلنها لسورية جديدة تصل إلى مستوى سنغافورة وماليزيا؟

بحيث نقتنع أنّ الدولة فضاء عمومي لكل المواطنين يحكمه القانون المتوافق عليه، مما يفترض تقديم أهل الكفاءة والوطنية والمصداقية على أهل الولاء الذين يدّعي بعضهم حصوله على شهادات جامعية.

وفي كل الأحوال لاشكَّ أنّ من المبكّر إصدار أحكام قيمة مسبقة على الحكومة، فالسوريون ينتظرون تجسيد ما أعلنه الرئيس والوزراء من رؤى وبرامج، ويأملون أن تدرك قيادة المرحلة الانتقالية ضرورة الابتعاد عن الاصطفافات الأيديولوجية لصالح التشاركية، بهدف توظيف كل إمكانات المجتمع السوري، البشرية والاقتصادية، لإعادة إعمار سورية المستقبل.

المصدر: تلفزيون سوريا


الكاتب الدكتور عبد الله تركماني

الدكتور عبد الله تركماني

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة