إيران وأحلام إمبراطورية الطائفة

img

تعتبر إيران بقاء النظام السوري على رأس السلطة ضماناً لمصالحها الإقليمية والجيوسياسية وامتداداً لمشروعها وانتصاراً لمخططاتها في التحكم بالشرق الأوسط، وربط الهلال الشيعي الممتد من العراق وسوريا ولبنان وعنصر تحكّم بين الدول المحتلة من قبلها.

ولم تخف تدخلها في سوريا منذ اليوم الأول للثورة السورية آذار2011 عسكرياً ولوجستياً ومادياً في مواجهة وقمع السوريين وقتلهم، وذلك عندما أفتى المرشد الأعلى بالجهاد لصالح النظام واعتبره واجباً وفرضاً، وبموقف مخالف تماماً من ترحيب ومساندة لثورة تونس ومصر وليبيا، وقبل الثورة كانت دمشق مركز حجيج الإيرانيين (مزارات شيعية).

ترجمت هذه الفتوى بأبشع تجلياتها من الثأر للحسين من أحفاد يزيد وبدعم عبر شعار (يا لثارات الحسين)، وتجلى هذا الشعار بدعم غير محدود للنظام من سلاح وعتاد، وإدخال عناصر ميليشيات إيرانية وأفغانية وعراقية، وإعطاء الأوامر لحزب الله باتخاذ دور قتالي ومواجهة الانتفاضات في سوريا وقتل السورين وتهجيرهم.

وقدر عدد عناصر هذه الميلشيات بـ 50 ألف عنصر (فاطميون وزينبيون وعصائب الحق والحشد الشعبي) وغيرها من هذه الفصائل الطائفية التي اختيرت أسماؤها بعناية طائفية مقصودة من قبل (حسن همداني وقاسم سليماني)، وبدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني علناً، وعبر مطار دمشق الدولي كانت تتدفق هذه الميليشيات بكامل عتادها.

لقد أصبحت سوريا محمية إيرانية، تتحكم إيران بمفاصل حياة سوريا كشعب وسلطة ومن جميع الجوانب الأيديولوجية قومياً ودينياً.

هذا التغلغل الإيراني هو قديم جديد، وهو جزء من خطة شاملة، وتلك الغيمة التي جلبها حافظ الأسد جابت هذه المصائب على سوريا باعتبار الابن ابن ابيه الذي سار على ذات النهج، ما أدخل البلاد في عصر الهيمنة وعصر ما قبل الدولة، وهذا ما تنبأ به المفكر السوري (إلياس مرقص) عند مجيء الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979. “جاء زمن الذبح وستدخل المنطقة في عصر الظلمات عصر اللطم والبؤس والفقر والصراعات الدينية وزمن اللامنطق في إبعاد العقل والفكر عن الفعل”.

ما يحدث الآن في سوريا هو تماماً نتاج ذلك النهج والخطاب الإيراني الشيعي الفارسي، وبتأييد صريح وواضح من النظام الذي يرد الجميل لخامنئي الذي حافظ على كرسي الأسد، وما احتفالات عاشوراء في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وغيرها من المدن وبشكل علني ومجالس العزاء واللافتات والحسينيات والمضافات والولائم المقدمة من ألوية (الباقر وفاطميون وزينبيون) إلا امتداداً لذلك الخطاب.

وكذلك شراء العقارات لصالح إيران ومنح الجنسية، عدا عن شراء الذمم واستغلال أوضاع الناس المعيشي ما ترك الجرح السوري ينزف باستمرار.

ومادامت إيران هي صاحبة اليد العليا في صنع قرارات سوريا التي ينتجها المطبخ الإيراني المصنوع من شعارات قروسطية قومية تارة، وطائفية دوماً، لتراكم مزيداً من التطرف والتخلف ناشرة خطاب الكراهية والحقد والطائفية وتمزيق المجتمع وإعادته إلى عهود ماضية.

إن بعض المراكز البحثية الدولية دقت جرس الإنذار باكراً ونبهت لخطورة تصدير إيران لأيديولوجيتها الدينية (للدول العربية والخليج) وعبثها بالمنطقة وتمزيقها، وحققت ذلك في العراق ولبنان وسوريا واليمن ومارست سياسة عنفية جهادية إرهابية، ودعمت جميع الحركات المتطرفة من منظمات كالقاعدة وداعش والنصرة حيث استقبلت قيادات هذه المنظمات ودعمتها سراً وعلناً على أراضيها ووفرت لها ملاذاً امناً.

إن عرقلة الاتفاق النووي في فيينا وتعثره بين الغرب وإيران، جعل الدبلوماسية الأمريكية تشعر بخطورة رخاوتها في الشرق الأوسط بعد مجيء بايدن للرئاسة وما تقوم به إيران في سياسة الابتزاز والكذب والمماطلة. لذلك قام الرئيس الأمريكي بزيارة السعودية لتعديل المزاج العام الأمريكي والمصالحة مع منطقة الخليج في مواجهة التطرف والتعنت الإيراني باعتباره نظام همجي ولا يمكن أي قبول بالشرعة الدولية ونظام خطر على جيرانه. والغرب عموماً نظام ليس لديه أي احترام للقيم والأخلاق وكذلك هدف بادين من الزيارة هو عزل روسيا وإيران دولياً وإيجاد بدائل عن الغاز والنفط الروسي بعد غزوها لأوكراينا.

أصبح من الضرورة الملحة للعالم الحر وضع حد للأنظمة المستبدة والديكتاتورية المعروفة بسفكها للدماء وتدمير شعوبها وعبثها بالأمن الدولي وانتهاكها لحقوق الإنسان داخل بلدانها.

ويعتبر ملالي إيران أخطرها على المنطقة والخليج العربي لإنتاجهم للإرهاب وابتزاز العالم في أنشطتهم النووية.

صراع السوريين مع نظام الأسد وإيران هو صراع وجودي – حضاري قبل كل شيء وعلى مستويات عديدة لقيامه بتدمير المجتمع السوري وبنيته، وما على الدول الصديقة والحرة والمتضررة من زعرنة إيران سوى دعم ومساندة الثورة السورية لوجستياً ودبلوماسياً في إسقاط مشروع إيران وهلالها وتحجيمه، ثم نسفه ووقف إرهاب إيران كدولة، وإغلاق كل المنافذ أمام ثعبان الكوبرا ودحر نظرية اللطم والندب.

ونحذر من أن بقاء إيران في سوريا، سيجعل العرب وبقية الدول المحيطة هدفاً لمشروع ملالي فارس الديني وتحت نفوذ أجنداتهم، ونعتقد أنها لن تقف عند حد معين في تمزيق الشرق الأوسط والتحكم في الدول وتحطيمها مجتمعياً، بإثارة النعرات الطائفية، ولنا أمثلة عديدة في الماضي حول دور بلاد فارس في الغزو والتمزيق للدول العربية عمودياً وأفقياً.

والمثال الحي هو نموذج حسن نصرالله وحزبه في لبنان.


الكاتب إبراهيم ملكي

إبراهيم ملكي

محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان، عضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية السورية

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة