مبادرات العمل الوطني

img

لم ينجح السوريون بعد أحد عشر عاماً ونيف من عمر الثورة السورية العظيمة، بإنتاج جسم سياسي فاعل ذو رؤية وبرنامج سياسي، قادر على تقديم نفسه كبديل عن نظام الاستبداد في سوريا، بعد الفشل بإدارة دفة الثورة التي كانت بحاجة لعقل إداري منظِّم، ما أدى إلى تعثرها.

إن هدف الثورة يعبر عن طموح أغلبية السوريين، ألا وهو إحداث التغيير الوطني الديمقراطي وإسقاط نظام الأسد.

ولكن هذه الخطوط العامة لم تكن كافية للوصول إلى الغايات المنشودة في توحيد الصف السوري الثائر، فتبعثرت الجهود بالرغم من قراءات نقدية، واعتراف الجميع بالفشل السياسي، لم تتم أية مراجعة وخاصة من أولئك الذين تصدوا للمهمة الوطنية، ولا ننكر بعض المحاولات الجادة لإنجاز خطوة عملية لتوحيد الجهود.

لنا اليوم مثال في صمود الأوكرانيين أمام الغزو الروسي لأراضيهم، وقتالهم دفاعاً عن وطنهم، ما جعل العالم الحر يساندهم ويدعمهم، وهم بذلك وضعوا جرائم بوتين على الطاولة سواء في أوكرانيا أو في سوريا.

سوريا بحاجة إلى جهود الجميع وإلى حالة وطنية متماسكة موحدة، تستطيع صب كل الطاقات لصالح ثورتنا لتحقق أهدافها.

هذه المتغيرات الدولية وتأثيرها على الوضع السوري، تجعلنا نقول إن الثورة السورية تحتاج الى إطار جامع تحالفي له رؤيا واضحة، برنامج عمل، خطط، آليات وخطاب سياسي معتدل.

باختصار: مشروع متكامل يتضمن الإجابة عن الأسئلة المطروحة من الشعب السوري قبل القوى الدولية: 

ماهي آليات الانتقال الديمقراطي؟

هل من بديل عن نظام الاستبداد وكيف؟

وماهي خططكم المستقبلية في تفكيك الدولة الأمنية لئلا تنتجون مستبداً آخر؟

(كما أنتجت الكي جي بي بوتين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ولم تحل أجهزة الأمن).

اعتماداً على هذا الطرح، قامت بعض القوى والهيئات مشكورة بطرح مشاريع عمل بمثابة مبادرات عملية بهدف تجميع للتشكيلات السورية المعارضة، وتوحيد أو تنسيق عملها لخدمة هدف أساسي يتمثل في إنجاز مرحلة الانتقال السياسي بشكل عملي ينهي حكم آل الأسد الاستبدادي.

لا تدَّعي هذه المبادرات الكمال، وتحتاج حتماً إلى إنضاج طروحاتها، ولكن نعتقد أنه ممكن إغناؤها عبر النقاش والحوار والتوافق بمساعدة القوى الأخرى دون استثناء أو إقصاء أحد، ثم البدء بخطوات صغيرة قد تكتب لها الحياة.

أطلقت الهيئة الوطنية السورية، مبادرة هامة في صياغة عمل تشاركي حقيقي للخروج من هذا النفق في هذه اللحظة التاريخية الهامة والمفصلية من تاريخ وطننا.

تعرف الهيئة الوطنية السورية نفسها كما يلي:

تيار وطني سوري، وليست حزباً سياسياً بالمفهوم التنظيمي أو الأيديولوجي، ليست بديلاً عن أحد، وإنما جزء فاعلاً من مشروع بناء الدولة السورية القادمة.

تتكون بنيتها التنظيمية من شخصيات سورية في الداخل والخارج ومن ذوي الحضور الاجتماعي والسياسي وأصحاب الكفاءات العلمية.

تعلن الهيئة استعدادها للتعاون والتنسيق والتشارك والتفاعل مع الآخرين لخلق جبهة واسعة قادرة على إنتاج وصنع بديل وطني وتحويل مؤسسات الثورة إلى قوة إنقاذ وطنية.

ومن ثوابت هذه المبادرة:

1- الإقرار بوحدة سوريا أرضاً وشعباً.

2- الالتزام والعمل مع الآخرين في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية السورية دولة المواطنة بكل أبعادها القانونية والدستورية والمؤسساتية.

3- دولة ضامنة لحق المشاركة السياسية للمواطنين السوريين جميعاً وعدم استبعاد أي تيار سياسي أو أي فرد أو مواطن من هذه المشاركة وعلى قدم المساواة.

4- إقرار الجميع بتطبيق مبدأ تداول السلطة ولا يستثنى من ذلك إلا الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان من جرائم ضد الانسانية أو جرائم حرب أو جرائم قتل وفساد وتجار حروب سواء كانوا في صفوف المعارضة أم في صفوف النظام.

5- إدانة التطرف بشتى أشكاله القومية والدينية والطائفية والأيديولوجية.

6- إدانة التحريض الذي يؤدي إلى نمو مشاعر الحقد والانتقام والثأر وكل خطابات الكراهية أياً كان مصدرها.

7- الجميع تحت سقف القانون والقبول بقانون عصري للأحزاب.

وأيضاً اعتبار العدالة الانتقالية، بوابة رئيسة ومدخلاً للحل.

واعتبرت الهيئة، كل سلاح خارج إطار الدولة الجديدة هو سلاح غير شرعي، وتلتزم القوى والأحزاب وكل القوى العسكرية بتسليم سلاحها إلى الدولة السورية التي هي فقط وحدها صاحبة الحق في حيازة السلاح واستخدامه وفق الدستور والقانون، إدانة كل قوة عسكرية أو سياسية تسعى لفرض معتقدها أو أيديولوجيتها أو مصالحها بقوة السلاح.

وتبقى لغة الحوار والعمل المشترك هما الأساس.

بالإضافة إلى الالتزام بشرعة حقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية، التي نسعى لأن تكون مبادئ الأمم المتحدة جزءاً من دستور سوريا القادم .

ولكن ماهي آليات الحوار للوصول إلى التنسيق أو التحالف أو الاندماج:

نظراً لأسباب فشل المحاولات السابقة في إنشاء جسم سياسي نشيط وفاعل، فإننا نرى صيغة التحالف كمرحلة أولى هي الأنسب، والقيام بخطوات بداية ولو كانت صغيرة لكنها يجب أن تكون ثابته ومتينة.

ومن هذه الأدوات أو آليات العمل: يبدأ الحوار مع القوى التي تتوافق على الثوابت الوطنية العامة – وإطلاق الحوار مع قوى معروفة بوجودها الحقيقي أولاً، ثم تتوسع الدائرة لتشمل كل الشخصيات أو القوى التي تتوافق معها – تحدد الأطراف صيغة العلاقة بينها ضمن ضوابط وآليات لتفعيل العمل المشترك حسب المستوى المتفق عليه.

أن يتم الاتفاق وفق صيغة تحالف عريض أو (جبهة للقوى الوطنية الديمقراطية) ويكون هناك حوامل للمشروع تعمل على الأرض وثم تشكيل هيئه مركزية تضم ممثلين عن كل القوى الموجودة في التحالف تشرف على العمل المشترك مع التزام هذه القوى بالمحددات التي تم الاتفاق عليها.

إننا نعتقد أن المشكلة ليست في الورقيات أو المبادرات أو الخطابات، لأنها تكاد تتطابق في النهج والبرامج، من إطلاق سراح المعتقلين وإنهاء حقبة الاستبداد أو طرد المحتلين والتمسك بالقرارات الشرعية الدولية 2254-2118 وكل القرارات الدولية الخاصة بالملف السوري، فصل الفضاء السياسي عن الفضاء الديني، حيادية الدولة، حقوق القوميات ودولة المواطنة واسم الدولة الجمهورية السورية، كما جاء في مبادرة حركة ضمير.

المهم جداً، كيف نطبق عملياً هذا التحالف للوصول إلى المهام المطلوبة أي ترجمة ذلك عبر آليات واقعية ولدينا أمثلة كثيرة في العمل الجماعي كجنوب أفريقيا ورواندا ودول عانت ما عانيناه من قمع وتشرد.


الكاتب إبراهيم ملكي

إبراهيم ملكي

محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان، عضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية السورية

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة