نداء من مواطن سوري إلى القيادة السورية الجديدة

img

د. محمود الحمزة – أستاذ جامعي وباحث علمي وخبير سياسي

يثق السوريون بالحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي أثبت للناس أنه رجل دولة متوازن، حريص على سيادة سورية ووحدة أراضيها، ولا يريد حل الأمور بالطرق التي تُريق دماء الأبرياء، وهو – حسب قناعتي الشخصية – رجل وطني.

ولكن من واجبي كمواطن سوري وابن الجزيرة السورية، أن أوجه نداء إلى رئاسة الدولة والحكومة، بأن ثلاث محافظات شرقية سورية، وهي الحسكة والرقة ودير الزور، تعيش حالة مأساوية تحت سلطة الأمر الواقع التي اختطفت هذه المحافظات في غفلة من الأحداث المتعلقة بداعش، وبسطت هيمنة حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) على تلك المنطقة السورية التي تبلغ مساحتها أكثر من ثلث مساحة سورية، وهي خزان النفط والغاز والثروة الزراعية والحيوانية. إنّ قيادة ما يُعرف بالإدارة الذاتية و”قسد” و”مسد” وأخواتها، أغلبهم من أكراد تركيا وإيران، أي أجانب بالنسبة لسورية، وقد نهبوا ثروات المنطقة ومارسوا أبشع المعاملة مع أهلها من عرب وكرد وسريان. وأبسط ما يُقال عنهم إنهم ينافقون عندما يتحدثون عن مظلومية الكرد من حزب البعث، ولكن ممارسات “قسد” وأتباعها لا تقلّ سوءاً عن ممارسات حكم البعث الأسدي، فالمنطقة تعيش بلا غاز، علماً أن مصدر الغاز تحت سيطرة “قسد”، والخبز غير متوفر بشكل جيد، والجزيرة هي أرض القمح، وقِس على ذلك. هناك كذب ونصب واحتيال وسرقة لثروات المنطقة الشرقية بحجة محاربة داعش. وكلنا نعلم أن “قسد” وأتباعها هم من نتاج المخابرات السورية التي سلمتهم السلطة في هذه المنطقة بطريقة الاستلام والتسليم.

وبعد أن انتصرت الثورة وسقط نظام الأسد المجرم، جاء حكم جديد وتفاءل السوريون بتحرير كل سورية، باستثناء المحافظات الشرقية الثلاث، التي لا تزال محرومة من الحرية والكرامة، لتسلّط عصابات “قسد” عليها. فقد أغلقوا المدارس والمؤسسات الحكومية، ويعيش الناس مأساة حقيقية بلا رواتب، ولا ماء، ولا كهرباء، ولا أمل بالعيش الكريم الآمن، مع استمرار الاعتقالات والقمع والفساد.

وبعد أن وقعت الحكومة السورية اتفاقية مع ممثلي “قسد”، تفاءلنا بالخير لحل مشكلة “قسد” من دون قتال ولا إراقة دماء. لكن “قسد” تلعب بالنار، وكعادة حزب العمال الكردستاني، يكذبون ليل نهار. لقد نسجت هذه القوى الانفصالية قصصاً وأساطير حول مطالب سياسية ودستورية يريدون فرضها على الدولة السورية دون أخذ رأي الشعب السوري، علماً أنهم يسمون أنفسهم “قوات سورية الديمقراطية”، والديمقراطية منهم براء، مثلما صفة “السورية”، فهم لا يؤمنون بالوطنية، ولا يهمهم في سوريا إلا المطالب السياسية التي تحقق لهم السيطرة والاستمرار في نهب خيرات المنطقة. والدليل أنهم يطالبون بنسبة من النفط السوري، والذي من المفروض أن يكون ملكاً للشعب السوري، لا لعصابة تقودها كوادر تركية وإيرانية هيمنت على تلك المحافظات التي يقطنها أكثر من 85% من العرب. ولكن بعض المتوهمين من الكرد يسمونها “مناطق كردية” لوجود إخوة كرد فيها، وهم أشقاء ومواطنون مثلهم مثلنا.

وجوهر ندائي هو التالي:

بالرغم من الاتفاق بين الحكومة و”قسد” على التفاوض والتفاهم حول دمج “قسد” وإنهاء أي حالة مسلحة خارج وزارة الدفاع، فإننا نشهد أن “قسد” تلعب بالنار. فمنذ أن سقط النظام البائد، استقبلت مئات، وبعد أحداث الساحل، الآلاف من ضباط النظام والمخابرات، دخلوا مناطق سيطرة “قسد” ولبسوا لباسهم، وهم يخدمون لديهم ويمارسون التنكيل بالناس انتقاماً لسقوط حكمهم الظالم الفاسد. ويقول شهود عيان إن عشرات الحواجز في الجزيرة وشرقي الفرات يقف فيها أشخاص علويون من الساحل بلباس “قسد”، وكذلك هناك أخبار موثوقة تفيد بدخول العديد من الدبابات والعربات ومئات المقاتلين من العراق وإيران يدخلون إلى سورية، وينتشرون في دير الزور والرقة، تحضيراً لشيء ما قد يقومون به.

وكذلك، بعد حل حزب العمال الكردستاني والاتفاق على وقف العمل المسلح وتسليم السلاح، اتجه آلاف من مقاتلي الحزب إلى شمال شرق سوريا، وانخرطوا في قوات “قسد” ليجابهوا الحكومة الجديدة، وليكرّسوا مشروع “قسد” الانفصالي الغدّار، الذي يستهدف وحدة سورية ويعمل على تثبيت حالة تقسيمية.

إنّ المنطقة الشرقية تعيش حالة خطيرة، وهي قنبلة موقوتة، ويتجمع فيها أعداء الثورة والميليشيات الطائفية والقومية المعادية للحكومة، ويعدّون العدّة لصراع مسلح سيذهب ضحيته آلاف الأبرياء، وسينهزمون بكل تأكيد، وسيهرب قادتهم إلى قنديل كما هرب بشار المجرم إلى روسيا، تاركاً أتباعه بلا حماية، مجهولي المصير.

أطالب الدولة الجديدة التي أُدعمها وأثق بها، أن تولي الاهتمام الكافي لوضع المحافظات الشرقية ذات الموقع الجيوسياسي الحساس، كونها أغنى منطقة سورية بالثروات، وهي تتعرض لمشروع انفصالي معادٍ للثورة ولسورية الموحدة.

إنّ أبناء الجزيرة ودير الزور والرقة وكل السوريين لن يقبلوا بأي قرار ينال من سيادتهم في أرضهم، ولن يقبلوا بهيمنة عصابة قادمة من تركيا وإيران تطالب بالانفصال من خلال مفاهيم ملتبسة مثل الفيدرالية وغيرها.

وعندما يحين الوقت، فيجب أن يكون الجميع مستعدين للدفاع عن أراضيهم من سيطرة عصابة أجنبية تريد سرقة هذه المناطق التاريخية المهمة بالنسبة للشعب السوري بكافة مكوناته.

نريد العيش بسلام وأمان وكرامة، وفي ظل دولة مواطنة تحترم حقوق الجميع، لا أن نعيش تحت سلطة عصابة انفصالية جمعت كل حثالات الأرض للنيل من وحدة سورية ومن مستقبلها المشرق الحر الكريم.

وأدعو النخب الكردية إلى أن تعترف بالواقع والحقيقة، وهي أن “قسد” وأخواتها لا تمثل الكرد، بل هي عدوتهم. ولا عيش في سورية إلا بالأخوة وفي ظل القانون، وأدعوهم ليتركوا خط رجعة، لأن “قسد” زائلة لا محالة، مثلها مثل أسيادها من مخابرات الأسد، فماذا سيفعلون بعد ذلك، وكيف سيواجه كل من دعم جماعة قنديل، الشعب السوري؟

نبّهنا الموالين للأسد كثيراً، وبعضهم لم يعتبر، وها هم في موقف محرج جداً ومخزٍ لأنهم وقفوا مع عصابة بعثية أسدية مجرمة. واليوم، نريد الوقوف صفّاً واحداً مع وحدة سورية، وأن نُجابه عصابة قنديل في سوريا وأذنابها.

6/6/2025


الكاتب الدكتور محمود الحمزة

الدكتور محمود الحمزة

أكاديمي وسياسي سوري

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة