عودوا إلى التاريخ لتنجلي بصيرتكم

لأنّنا دعاة حرية، نقول:
اقرؤوا تاريخنا بعقلٍ منفتح، وسترون أنّ بلادنا استقبلت آلاف اللاجئين اليونانيين، وقبلهم آلاف بقايا الغزاة الصليبيين الذين سمح لهم صلاح الدين الأيوبي بالبقاء في بعض المناطق التي استوطنوا فيها. وسترون هجرة آلاف الشركس، والأرناؤط، والتركمان، والأرمن… إلخ، الذين توزعوا في الجغرافيا السورية، وليس آخرهم آلاف الأكراد الذين سكنوا وعملوا في جميع المدن والقرى السورية. وستعلمون أن جميعهم اندمجوا، بل إنّ معظمهم ذاب في ثقافة المجتمع السوري، وخدموا في الجيش الوطني، وساهموا، بشكلٍ أو بآخر، في بناء ودفع عجلة الاقتصاد السوري، وإغناء المجتمع بثقافته وفسيفسائه، وباتوا جزءاً لا يتجزّأ من نسيجه.
اليوم تعلو أصوات اللطم، ونباح التوجس من إدماج 3500 مقاتل أجنبي ينتمون لجنسيات مختلفة في الجيش الوطني. ونحن كنا السبّاقين في استشفاف خطورة هذه الخطوة، وحذّرنا، في مقالٍ سابق، من إعادة تجربة المماليك في مصر وإسقاطها على سورية. لكن تحذيرنا كان مبنياً على أسس ومعطيات واقعية تختلف كلياً عن معطيات وواقع الوقت الراهن. فبالأمس لم تكن سلطة الأمر الواقع الراهنة معترفاً بها دولياً، وكنا نجثم تحت وطأة العقوبات الدولية، وبالتالي لم يكن أفق المستقبل المتاح واضحاً كاليوم، إن كان على الصعيد الداخلي بالإنجازات التي تحققت، أو على صعيد المجتمع الدولي، الذي رفع العقوبات، وتفهّم اليوم ضرورة دمج هذه الفصائل، بأعدادها المتواضعة نسبياً، في الجيش والمجتمع السوري.
ولنقطع الطريق على كل المتفذلكين والنبّاحين، نقول إن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا مضطهدين في بلادهم لأسباب دينية (الإيغور على سبيل المثال)، واضطروا للهجرة، ولم يجدوا سبيلاً آخر للحفاظ على وجودهم غير الانخراط بين الفصائل الإسلامية التي ينتمون لها أو تمثلهم، بشكلٍ أو بآخر.
نعم، جميع هؤلاء المقاتلين أتوا إلى سورية بفكرٍ سلفي جهادي، هدفهم القتال في سبيل الله، دون مفاهيم الثورة السورية في الحرية والديمقراطية والوطنية. لكن سلطة الأمر الواقع، والحكومة الانتقالية، أكدت أنها لن تسمح بأن تكون سورية مركزاً أو منطلقاً للإرهاب لدول المنطقة والعالم، وأنّها تسعى لبناء علاقات سلمية ترتكز على المصالح المتبادلة بين دول الجوار، ودول الإقليم، والعالم. وهذا يعني وضع حدٍّ نهائي لما يُسمّى “الجهاد السلفي المقدس في سبيل الله”.
بقي أن نقول:
كيف لكم أن تنكروا تضحيات هؤلاء المقاتلين الأجانب في الدفاع عن إدلب وغيرها من المناطق أمام الهجمات الشرسة لجيش النظام الساقط والمدعوم من القوات الروسية والمليشيات الإيرانية؟
وكيف لكم أن تنكروا فضلهم في عملية ردع العدوان؟
وكيف لكم، يا من تنادون بالحرية وحقوق المرأة، نكران حق الزوجات السوريات اللواتي اقترنّ بزيجات مع بعض هؤلاء الأجانب، في منح الجنسية لأزواجهن وأولادهن؟
أليس من حقهم علينا، بعد كل ما ضحّوا به وقدمّوه لنا، أن نحميهم، على الأقل، من الطرد والتشرّد، أو العودة لبلادهم التي لن ترحمهم لمعتقدهم أو سجلّهم الجهادي؟
لن نسألكم أين كان صوتكم حين خطب الأسد الفارّ (البلد لمن دافع عنها) ليوطّن المليشيات الإيرانية بكل صنوفها، لأنّنا كنّا معكم ونعرف الجواب مسبقاً.
لكننا نسألكم الآن:
أين المشكلة إن بقي “هؤلاء الغرباء” في صفوف الجيش أو الأمن العام، كمكافأة لتضحياتهم، تُمكّنهم من العيش الكريم في كنفنا، شريطة أن لا يأخذوا مناصب رفيعة تمنحهم الفرصة لإعادة تجربة المماليك المصرية في سورية؟
هل نسيتم أننا فتحنا أبواب مدارسنا ومنازلنا لكل من طرقها سابقاً من اللاجئين؟
عودوا إلى التاريخ لتنجلي بصيرتكم، وكفّوا عن اللطم، وضمّوا صوتكم وجهودكم المهدورة إلى صوتنا وجهدنا… لقد انتهى عصر الثورة بسقوط النظام البائد، ودخلنا عصر بناء الدولة المدنية.