التدين، التعصب، الطائفية

img

ماذا يخطر بالبال حين يفكر المرء برجل متدين؟.

الفكرة المستمدة من المجتمع – وليس من الكتب – أن المتدين هو شخص محافظ على واجباته الدينية، محب للخير والفضيلة، وبعيد عن الشر والرذيلة.

ذلك هو أصل التدين من وجهة نظر المجتمع، أما الإضافات فهي تأتي غالباً من المذاهب والتفسيرات ورجال الدين.

لنأتِ للتعصب، فالتعصب حالة مستقلة بذاتها. فالمتعصب قد يكون متعصباً لدين، وقد تكون عصبيته قبلية أو عنصرية أو حزبية. والمتعصب لا يحب تحكيم العقل، ولا يحب الحوار مع الآخر، وليس لديه ألوان سوى الأبيض والأسود. والعصبية هي بوابة العنف والحروب وسفك الدماء، وهي تترافق عادةً مع الكراهية والحقد وازدراء القيم الإنسانية العليا.
لكن مشكلة التعصب أنه، وإن كان في جوهره حالة مستقلة، لا يستطيع الحياة بدون راية؛ راية دينية أو وطنية أو حزبية أو غيرها. بخلاف التدين القادر على الحياة مكتفياً بنفسه.

يمكن النظر للطائفية كتعصب في الأصل، وهو تعصب تختلط فيه المشاعر القبلية بالمشاعر الدينية.

تعرف الطائفية نفسها بدلالة الآخر، فهي تتشكل من خلال تاريخية العلاقة بين الطائفة وطائفة أخرى. وبخلاف الفكرة الشائعة، فليس المهم هو الخلاف حول المعتقد في فهم الطائفية لذاتها، بل المهم كيف تكونت العلاقة التاريخية مع الآخر. وهي علاقة متغيرة يعاد إنتاجها باستمرار.
وفي هذا السياق، يصبح مقدار التسامح الذي تبديه الطائفة الأخرى أو الرفض لوجودها هو محرك العلاقة المتغيرة، وبالتالي هو طائفية الطائفة التي تحدد مدى التعصب الذي تحمله معها.
فقانون الطائفة الأول هو المحافظة على الوجود، وتهديد ذلك الوجود هو الذي يعين درجة تعصبها وشعورها نحو الآخر.

والطائفية منذ أن تولد تصبح المعطى الأول للفرد، ولا يشعر الفرد بالذنب مهما فعل، كمثل شعوره بالذنب حين يصبح خارج الطائفة.
وهو شعور لا يستطيع مقاومته بالفطرة، فتراه بعد أن يبتعد عنه يعود إليه، كما يعود الطير إلى وطنه مهاجراً المسافات البعيدة.

في العلاقة الجدلية مع الآخر، تصبح الطائفية خزان الذكريات التاريخية. فهي التي تتولى استعادة صور آلام الماضي ومعاركه، وتحول تلك الذكريات إلى حالة نفسية لا شعورية لا تحتاج للتفكير الواعي، ولا ينفع معها مثل ذلك التفكير في الغالب.

يعيد التعصب الديني شبح الماضي، فيخرج المشاعر الدفينة والمخاوف الكامنة. فالتعصب المقابل لا يحيي الطائفية فقط، ولكنه يعيد إنتاجها، وربما يزيد من تعصبها وانغلاقها.

لا يمكن أن تتحلل الطائفية بين ليلة وضحاها، فهي ستبقى لمرحلة تاريخية. لكن ما هو ممكن وضروري هو نزع الجانب الأخطر فيها، وهو التعصب ضد الآخر.

لكن نزع التعصب لا يمكن أن يكون متاحاً في ظل تعصب مقابل. فالمسألة هنا تعود لتطرح نفسها على صعيد المجتمع متعدد الطوائف: كيف يتم نزع التعصب من المجتمع؟

صحيح أن الوطنية تقدم نفسها كجسر للعبور نحو نزع التعصب، بل إن تديناً معتدلاً متسامحاً يمكن أن يخفض التعصب. لكن ما لم يتم إبعاد العنف تماماً في حقل السياسة، فيمكن أن يدمر ذلك العنف كل الجسور بين الطوائف، ويعيد تسيد الطائفية لتصبح “الطائفة فوق الجميع”.

فالمدخل لا يمكن أن يكون سوى بنزع العنف كسلاح تستخدمه الطوائف ضد بعضها، ومواجهة موجات التعصب، وتحكيم العقل ومصلحة بقاء المجتمع الذي لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة دون أن تصمت البنادق.


الكاتب معقل زهور عدي

معقل زهور عدي

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة