إدارة أحمد الشرع وأخطاء يمكن تفاديها في الحكومة المنتظرة: خطر الانفجار المجتمعي

img

مع كل مرحلة انتقالية في تاريخ الشعوب، يبرز تحدي بناء سلطة جديدة قادرة على تجاوز أخطاء الماضي، ووضع أسس لمستقبل أكثر استقراراً. في الحالة السورية، حيث تعيش البلاد حالة معقدة من الانقسامات والصراعات المتشابكة، تواجه حكومة أحمد الشرع مسؤولية ثقيلة تتطلب قرارات حاسمة لتجنب أخطاء قد تكون قاتلة، ليس فقط لشرعيتها، بل لوحدة البلاد نفسها.

في ظل هذا الوضع الحرج، فإن عامل الوقت ليس في صالح الحكومة الجديدة، إذ تتفاقم المخاطر الداخلية، ويستمر العبث الإسرائيلي بالتراب السوري مهدداً السيادة الوطنية، فيما تكرّس التدخلات الخارجية الانقسام، مما يزيد من ضرورة اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة. ومن بين الأخطاء الخطيرة التي يجب تفاديها قبل أن يتفاقم الوضع، هناك ست نقاط رئيسية:

أولاً: غياب الشفافية تجاه الداخل السوري

لقد اعتاد السوريون عقوداً من السرية والتلاعب بالمعلومات، حيث كانت السلطة تُبنى على احتكار المعرفة وتوجيه الرأي العام عبر قنوات ضيقة ومحدودة. لكن في زمن الثورة الرقمية والانفتاح العالمي، لم يعد بالإمكان ممارسة الحكم بأسلوب الماضي.

تحتاج حكومة أحمد الشرع إلى استراتيجية تواصل واضحة وشفافة مع الداخل السوري، بحيث يكون المجتمع على اطلاع دائم بسياسات الدولة، وأهدافها، وخططها المستقبلية. غياب هذه الشفافية يفتح المجال أمام الشائعات، ويعمّق فقدان الثقة بين السلطة الجديدة والشعب، مما قد يؤدي إلى انتفاضات داخلية غير محسوبة العواقب.

ثانياً: الإصرار على العمل بعقلية “رفاق القتال

لا شك أن الحرب والصراعات الطويلة تخلق روابط قوية بين المقاتلين، لكن تحويل هذه الروابط إلى نهج سياسي دائم يمثل خطراً كبيراً. فالعقلية التي ترى السياسة امتداداً لساحات المعارك تهمّش كل من لا ينتمي إلى “دائرة الرفاق”، وتحرم المجتمع من التنوع المطلوب لإعادة البناء.

إذا استمرت حكومة أحمد الشرع في الاعتماد على دوائر مغلقة من “رفاق القتال” دون إشراك قوى المجتمع المدني والسياسي، فإنها ستواجه معارضة متزايدة قد تصل إلى حد الانفجار. المطلوب اليوم هو الانتقال من عقلية الصراع إلى عقلية الدولة، ومن منطق المعركة إلى منطق الحكم الرشيد، حيث تكون الكفاءة والقدرة على الإدارة هما المعيارين الأساسيين، وليس فقط التاريخ العسكري للأفراد.

ثالثاً: تكريس الانقسامات المجتمعية

بعد سنوات من الصراع، أصبح المجتمع السوري مليئاً بالتقسيمات العميقة: موالون سابقون، ثوار، مدنيون، عسكريون، مؤيدون للتسليح، معارضون له… هذه التصنيفات ليست مجرد توصيفات، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى هويات متصارعة، يراها البعض معياراً لتحديد الصديق والعدو داخل الوطن نفسه.

إذا وقعت حكومة أحمد الشرع في فخ تكريس هذه التقسيمات عبر سياسات تمييزية، أو إذا استمر خطابها السياسي في التعامل مع السوريين وفق هذه التصنيفات، فإن النتيجة ستكون كارثية. لا يمكن بناء دولة مستقرة إذا استمرت هذه الانقسامات، بل المطلوب هو العمل على مشروع وطني جامع يعيد تعريف الهوية السورية على أسس المواطنة والعدالة، لا على أساس المواقف السابقة من الصراع.

رابعاً: التعامل مع المؤتمر الوطني بخفة ودون الاعتماد على الخبرات المطلوبة

في أي مرحلة انتقالية، يُعتبر المؤتمر الوطني محطة حاسمة لرسم ملامح المستقبل السياسي للدولة، إذ يُفترض أن يكون منصة للحوار الجاد، ووضع أسس دستورية وقانونية تحمي استقرار البلاد على المدى البعيد. غير أن التعامل مع المؤتمر الوطني بسوء تخطيط أو دون الاعتماد على الكفاءات والخبرات اللازمة قد يكون خطأً فادحاً لا يمكن إصلاحه بسهولة.

إذا تم تنظيم المؤتمر بطريقة سطحية أو استُخدم كأداة لتمرير قرارات مسبقة دون حوار حقيقي، فإنه لن يكون سوى خطوة شكلية لا تحقق المصالحة الوطنية، بل قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والانقسامات. المرحلة الحالية تتطلب إدارة ناضجة توازن بين مختلف الأطراف، وتحترم التعددية، وتؤسس لشرعية سياسية قائمة على توافق مجتمعي واسع، لا على قرارات متسرعة تفتقر إلى الأسس المتينة.

خامساً: تجاوز عقلية “ولي الأمر فيكم

إن إدارة المرحلة القادمة بعقلية استبدادية تفرض نفسها كـ “ولي الأمر” على المجتمع لن يكون خياراً ناجحاً في سوريا اليوم. فالمجتمع السوري متعدد الاتجاهات، ولا يمكن إخضاعه لقالب فكري أو سياسي واحد، خصوصاً بعد التجارب المريرة التي عاشها خلال العقود الماضية.

إن تبني نهج يقوم على الهيمنة والاستعلاء على المجتمع، بدلاً من العمل بشراكة حقيقية معه، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي. فالعقلية التي تتعامل مع الشعب كـ”رعية” وليس كمواطنين أصحاب حقوق، لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية.

الحكومة الجديدة بحاجة إلى تجاوز هذه العقلية، والاعتراف بأن الاستقرار لا يأتي من فرض السلطة بالقوة أو بالإملاءات الأيديولوجية، بل من خلال خلق نظام سياسي يضمن المشاركة، ويؤسس لعلاقة بين الدولة والمجتمع تقوم على الحقوق والمسؤوليات المتبادلة، لا على منطق “الحاكم المطلق”.

سادساً: التعامل بحذر مع التصريحات الإسرائيلية بشأن تقسيم سوريا

لم تُخفِ إسرائيل موقفها من الأزمة السورية، بل صرّحت مراراً برغبتها في إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، وهو ما يضع الحكومة الجديدة أمام تحدٍ خطير يجب التعامل معه بجدية عالية. كما أن النفوذ الإسرائيلي الكبير على الإدارة الأمريكية يجعل هذا الملف أكثر تعقيداً، حيث من الممكن أن تُمارس واشنطن ضغوطاً متزايدة لتحقيق هذه الأجندة.

إن أي استهانة بهذه التصريحات أو تجاهلها سيكون بمثابة خطأ استراتيجي فادح. لذا، يجب على الحكومة السورية أن تبني سياساتها الخارجية وفق رؤية واضحة تحمي وحدة البلاد، وتوازن بين القوى الدولية، وتمنع أي محاولات لفرض واقع جيوسياسي جديد يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب مستقبل سوريا.

الخاتمة: الحاجة إلى قرارات جريئة وسريعة

إن أخطاء مثل غياب الشفافية، والاستمرار في عقلية “رفاق القتال”، وتعميق الانقسامات المجتمعية، والتعامل غير الجاد مع المؤتمر الوطني، وتبني نهج استبدادي تحت عنوان “ولي الأمر فيكم”، وعدم التعامل بحذر مع التصريحات الإسرائيلية بشأن تقسيم سوريا، ليست مجرد عثرات سياسية عادية، بل هي عوامل قد تؤدي إلى انفجار المجتمع السوري في أي لحظة.

حكومة أحمد الشرع أمام اختبار حقيقي: هل ستكون حكومة انتقالية تمهّد لبناء دولة حديثة تقوم على أسس المواطنة والعدالة، أم أنها ستكرر أخطاء الماضي وتدخل البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى؟ إذا لم يتم تدارك هذه الأخطاء، فإن سوريا ستظل عرضة للتقسيم والصراعات، في ظل مشهد إقليمي ودولي لا يسمح بالمزيد من الأخطاء القاتلة.


الكاتب عماد الحصري

عماد الحصري

كاتب وناشط سياسي سوري

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة