أهمية الحياة السياسية لضمان الحريات في سوريا

img

تشكل بداية التغيير في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 محاولة لبناء الجمهورية السورية الثالثة، التي يطمح الشعب كي تكون الحرية والكرامة والتقدم عناوينها الرئيسية، والأمر مرهون بإعادة تأسيس النظام السياسي، بداية من قانون مرن لتشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بما يمكّن من إنشاء أحزاب سياسية مؤثرة ومجتمع مدني فعّال، تنال ثقة أغلبية الشعب السوري من خلال برامجها التي تعلنها وتعمل من أجل تجسيدها. ليس ذلك فحسب وإنما اعتماد دستور عصري يكفل حماية الحريات الفردية والجماعية، والحقوق المدنية والسياسة والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لكل المواطنين السوريين المتساويين في الحقوق والواجبات.

ولا شكَّ أنّ الضرورة الملحة في سوريا الجديدة تكمن في تحديد الأولويات المنوي تحقيقها، بداية من تكريس المعايير والمضامين الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية، ومعالجة المشكلات المعيشية للسوريين، وتحديث الهياكل والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يفتح الأفق لتحقيق التنمية التشاركية من خلال القدرات السورية والتوظيف العقلاني للموارد الاقتصادية والبشرية، إضافة إلى إصدار قانون استثمار يشجع رجال أعمال عرب وأجانب على الانخراط في إعادة بناء سوريا.

أثبتت تجارب الدول التي خرجت من الصراعات المدمّرة، كما حالنا في سوريا، أنّ الشعوب قادرة على النهوض وخلق فرص أمل لإعادة صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية، مستندة إلى نظام سياسي ديمقراطي وعادل يستطيع حشد كل إمكانيات المجتمع للتعاطي المجدي مع التحديات.

وفي سياق كل الأولويات السابقة يكمن إعادة بناء الدولة الحديثة، التي عمادها المواطنة المتساوية بعيداً عن أي تمييز ديني أو مذهبي أو قومي، بما يفترض عودة الروح للحياة السياسية التعددية ومنظمات المجتمع المدني، كي يسترد المجتمع السوري حراكه السياسي والمدني السلمي، بما يغيّر قواعد إنتاج آليات عمل السلطة وأشكال ممارستها، على طريق إعادة بناء دولة الجمهورية السورية الثالثة، من خلال خطط واقعية ومجدية لإعادة بناء النظام السياسي المستند إلى الحرية والعدالة والمساواة.  

إنّ تجارب الدول التي خرجت من الصراعات المدمّرة، كما حالنا في سوريا، أثبتت أنّ الشعوب قادرة على النهوض وخلق فرص أمل لإعادة صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية، مستندة إلى نظام سياسي ديمقراطي وعادل يستطيع حشد كل إمكانيات المجتمع للتعاطي المجدي مع التحديات، بما يضمن حقوق جميع المواطنين. إذ إنّ ترحيب السوريين بالتغيير نابع من توقهم إلى الحرية والعدالة، بعد معاناتهم طوالـ 54 عاماً من الدولة الأمنية لسلطة آل الأسد، ويأملون أن يعود التوازن بين المجتمع وسلطة المرحلة الانتقالية.  

إنّ نجاح عملية التغيير مرهون بعمل تراكمي متواصل، بعد أن ترك نظام الهارب بشار الأسد سوريا خراباً، من خلال تشكيل كتلة تاريخية من رجال ونساء الثقافة والعمل، بهدف قطع الطريق على قوى الثورة المضادة، والوصول إلى تحقيق أهداف التغيير.

ولا شكَّ أنّ ضمان هذا التوازن منوط بقدرة ناشطين الشأن العام على حشد أوسع فئات اجتماعية للدفاع السلمي عن مصالحها المباشرة وعن قيم الحرية والعدل، والحق في إنشاء أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني تمثل هذه المصالح، طبقاً للشرعية العالمية لحقوق الإنسان، التي تضمن الحريات الفردية والعامة، والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولا يخفى عنّا أنّ نجاح عملية التغيير مرهون بعمل تراكمي متواصل، بعد أن ترك نظام الهارب بشار الأسد سوريا خراباً، من خلال تشكيل كتلة تاريخية من رجال ونساء الثقافة والعمل، بهدف قطع الطريق على قوى الثورة المضادة، والوصول إلى تحقيق أهداف التغيير.

وبالرغم من السلبيات التي اعترت تشكيل اللجنة المشرفة على الحوار الوطني، فإنّ الأمل معقود على إمكانية إصدار اللجنة لتوصيات تعكس روح الحوارات في معظم المحافظات التي اتسمت بنقد بعض المظاهر السلبية في سلوكيات بعض مسؤولي وأنصار قيادة المرحلة الانتقالية، وتؤسس لتوجهات تعكس مصالح مختلف مكوّنات الشعب السوري، وتشكل إجماعات وطنية حول إعادة بناء مؤسسات الدولة الجديدة، طبقاً لمقوّمات الحوكمة الرشيدة.  

وهكذا، فإنّ النجاح في عملية الانتقال إلى دولة الحق والقانون تقتضي القطيعة مع ثقافة الشعارات، التي أنهكت السوريين طوال ستة عقود، والتركيز على التعاطي المجدي مع تحديات الحاضر والتخطيط للمستقبل، على أساس الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، التي تضمنها التوافقات بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، التي تعمل تحت سقف الوطنية السورية الجامعة.

المصدر: تلفزيون سوريا


الكاتب الدكتور عبد الله تركماني

الدكتور عبد الله تركماني

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة