الحوار الوطني: الهدف – الأدوات – المحاور

img

مقدمة:

تنبع أهمية الحوار الوطني من طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد بعد انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام البائد. فسورية الجديدة، التي يرغب السوريون في الوصول إليها، لا بد أن تختلف اختلافاً جذرياً عن سورية التي عاشت تحت حكم الطغيان والفساد ما يزيد عن نصف قرن. مع ذلك، فالمسألة لا تقتصر على دروس المرحلة السابقة القاسية، لكنها تمتد أيضاً لتشمل المتغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت على نطاق العالم، وما يمس منها المجتمع السوري في علاقة الأفراد بعضهم ببعض، وعلاقة الشعب بالدولة وشكل الدولة. ويأتي في المقدمة ما حملته مرحلة نهاية القرن العشرين من انهيار الديكتاتوريات في أوروبا وبلدان أمريكا اللاتينية وعدد من الدول الإفريقية، وبذلك أصبحت الديمقراطية السياسية سمة العصر، ولم تعد خياراً لدول بعينها مثلما كان الأمر عليه في السابق.

والحوار الوطني هو التمهيد الذي لا بد منه للوصول إلى نوع من التوافق الوطني يكون أساساً للدستور الدائم للبلاد.

بالطبع، لا يمكن تصور التوافق سوى حول المفاهيم الأساسية للدولة السورية الجديدة، أما العناوين التفصيلية فليس مكانها الحوار الوطني المطلوب في هذه المرحلة. وأي إقحام لها في دائرة الحوار الوطني لن يكون مفيداً، وربما يكون سلبياً من وجهة نظر الابتعاد عن الهدف المتمثل في الوصول للتوافق الوطني المطلوب.

تحتل مسألة تقنين الحوار الوطني حيزاً هاماً لإنجاح الحوار؛ فالحوار المنفلت الذي يجري دون ضوابط ومحددات يمكن أن يسفر عن تباعدات وتصعيد في كل نقاط الاختلافات الكامنة في المجتمع السوري، والتي تعكس الانقسامات التقليدية وتلك التي حدثت ونمت بفعل سنوات الثورة خلال الأربع عشرة سنة السابقة. في المقابل، فإن قولبة ذلك الحوار واختزاله ضمن أطر ضيقة مصطنعة سوف يسفر عن استبدال الحوار بمقررات معدة مسبقاً، وبالتالي يفقد الحوار معناه الحقيقي ووظيفته التاريخية. وسوف ينعكس ذلك بصورة لا مفر منها على الاستحقاقات اللاحقة من دستور وانتخابات ومجالس نيابية… إلخ.

أخيراً، فإن النطاق الزمني المتاح، والذي يفترض أن يمتد لما يقرب من عام واحد، يتطلب برمجة للحوار الوطني بحيث يضمن البرنامج شمول ذلك الحوار لجميع المحافظات السورية، مدنها وأريافها، ومشاركة جميع الشرائح الاجتماعية. كما يضمن شفافية الحوار وامتلاكه المنصات الإعلامية القادرة على جعله في متناول جميع السوريين، مع بقاء أقنية التواصل مع الجمهور واعتبار مشاركاته مكوناً من مكونات الحوار الوطني.

أولاً: الهدف:

من الضروري بناء تصور لمؤتمر الحوار الوطني باعتباره يمر بمرحلتين:

  • المرحلة الأولى تتضمن إطلاق الحوار الوطني على نطاق المحافظات السورية، مما يتيح حواراً حقيقياً ضمن المحافظة ينتهي بمخرجات تتضمن ما تم التوافق عليه من توصيات، إضافة إلى تحديد ممثلي المحافظة لأجل المرحلة الثانية التي ينعقد فيها المؤتمر العام.
  • المرحلة الثانية ينعقد فيها المؤتمر العام للوصول إلى قاعدة من التوافق الوطني حول المبادئ الأساسية التي تحكم شكل الدولة السورية العتيدة القادمة، والتي يُعبَّر عنها عادة في الدستور الدائم للبلاد. بعد دراسة مخرجات المرحلة الأولى، وبحضور ممثلي المحافظات، وبعد التداول في التوصيات والنقاش حولها، تضع أمانة المؤتمر مخرجات المرحلة النهائية بصورة توصيات ومبادئ عامة للدستور، برسم الجمعية التأسيسية المنتخبة بصورة ديمقراطية والمنوط بها كتابة الدستور.

هكذا، فليست غاية الحوار الوطني كتابة الدستور، ولا يملك الصلاحية للقيام بذلك، لكن غايته هي إرساء أسس التوافق الوطني كقاعدة لكتابة الدستور.

ليس ضرورياً أن يقوم مؤتمر الحوار الوطني بصياغة الإعلان الدستوري المؤقت، ولا حاجة لتأجيل ذلك الإعلان حتى انتهاء أعمال الحوار الوطني، والتي يمكن أن تمتد لسنة كاملة. فالإعلان الدستوري المؤقت، والذي لا بد أن يستند لمرجعية دستورية (دستور العام 1950 مثلاً)، يمكن إنجازه من قبل لجنة مصغرة. بل كان ضرورياً إنجازه بعد استلام السلطة وسقوط النظام مباشرة ودون تأخير.

ثانياً: الأدوات والوسائل:

تحتاج أعمال الحوار الوطني في المرحلة الأولى إلى لجنة تنظيمية تشرف على عقد الاجتماعات، وتقوم بتأمين ما يلزم لذلك على نطاق المحافظة، وترتبط بلجنة الحوار المركزية بدمشق.

تنحصر مهمة اللجان التنظيمية لكل محافظة في الإشراف على تنظيم عقد اجتماعات الحوار دون أن تتدخل في مجريات الحوار ومخرجاته.

لعل أكثر ما ينبغي الاهتمام به بالنسبة لتنفيذ الحوار الوطني هو الابتعاد عن الاستعجال أولاً، والعمل ما أمكن للانطلاق في الحوار من القاعدة المجتمعية وليس من فوق. ويمكن ترجمة ذلك بالبدء بالنقابات. أما القطاعات الاجتماعية التي لا تمتلك نقابات، كرجال الدين والموظفين الإداريين والمزارعين والفلاحين والنساء، فيمكن ملاحظة مندوب عن كل قطاع عن طريق التشاور بين أبرز من يمثل ذلك القطاع وبين أمانة اللجنة المنظمة للحوار في المحافظة.

إن قيام اللجنة المنظمة للحوار، والتي تم الإعلان عنها، بانتقاء وتعيين ممثلين إلى مؤتمر الحوار سوف يبقي الجدل حول مصداقية المؤتمر.

من المهم أن يجري الحوار في أجواء من الحرية، وباستقلالية تامة عن السلطة، وأن يتم بشفافية وبمشاركة أوسع فئات الشعب عبر مختلف أدوات التواصل.

ثالثاً: المحاور:

بعد عدة جولات استطلاعية، والتماس آراء السياسيين الوطنيين والمفكرين والكفاءات الحقوقية، من الضروري أن تضع اللجنة المكلفة بتيسير الحوار المحاور الرئيسية التي يفترض أن تدور النقاشات حولها، مع ترك حيز للنقاش الحر والإضافات.

يمكن تصور مراجعة تلك المحاور وتعديلها خلال فعاليات الحوار الوطني على نطاق المحافظة.

من تلك المحاور: طبيعة المرحلة الانتقالية، إحياء الحياة السياسية وتنظيمها ضمن أطر قانونية تراعي الحريات العامة وسيادة القانون، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، اللامركزية الإدارية، الوفاق الوطني كقاعدة للدستور.

كما يفترض في تلك المحاور أن تتناول شكل الدولة، والمواد الأساسية في الدستور، وتلك التي يمكن أن تكون موضع جدال في عملية كتابة الدستور من قبل الجمعية التأسيسية.

أخيراً، ما يجدر الإشارة إليه ألا يمنح مؤتمر الحوار الوطني العام لنفسه أية صلاحيات إضافية؛ فهو لا يصلح أن ينافس الجمعية التأسيسية المنتخبة انتخاباً حراً مباشراً من جميع المواطنين، أو يصادر حقها في مراجعة توصياته وكتابة الدستور الدائم للبلاد.


الكاتب معقل زهور عدي

معقل زهور عدي

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة