هل بدأ الانفتاح المصري على القيادة السورية الجديدة؟

img

بعد أن قرّرت جامعة الدول العربية دعوة الرئيس أحمد الشرع إلى القمة العربية الطارئة في القاهرة، بتاريخ 27 شباط/ فبراير، لبحث المخاطر التي تحيط بالشعب الفلسطيني في غزة، واحتمال لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش القمة، يبدو أنّ الانفتاح المصري على سوريا الجديدة بات ممكناً، انطلاقاً من أنه لا توجد عداوات أو صداقات دائمة وإنما مصالح تتكفل بالانتقال من هذه الضفة إلى الأخرى.

ولعلَّ هذا الانتقال بات مؤكداً بعد أن أرسلت القيادة السورية للمرحلة الانتقالية إشارات إيجابية عديدة للقيادة المصرية، ومن مؤشرات ذلك تهنئة الرئيس المصري للرئيس الشرع بعد تنصيبه رئيساً، مما يشير إلى بداية التعامل مع قيادة سوريا الجديدة، وبالتالي بداية الخروج من حالة الجمود في العلاقات.

كان وزير الخارجية المصري قد اتصل بنظيره السوري، بصفة ديبلوماسية وليست سياسية، أواخر السنة الفائتة، لاستكشاف توجهات الإدارة الجديدة، وفي الوقت نفسه إملاء شروط تكرر المطالب المحقة للمجتمع الدولي..

ولا شكَّ أنّ زيارات العديد من مسؤولي القوى العربية والدولية، إضافة إلى سعي الإدارة السورية للانخراط في المحيط العربي وحرصها على استقرار وأمن المنطقة، وأنها ليست بوارد تصدير الثورة، بل الاهتمام بإعادة إعمار سوريا، دفعت القيادة المصرية في اتجاه هذا الانفتاح، كي توازن بين مصالحها الإقليمية، بعد أن استنكفت عن الاعتراف بالقيادة السورية الجديدة، على طريق تجاوز العوائق التي تعيق التطبيع المصري-السوري الكامل، خاصة ما يتعلق بقيادات مصرية في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، متهمة بأنشطة تنطوي على تهديدات أمنية، إشارة إلى (علاء محمد عبد الباقي) الذي كان قد حُكم في مصر غيابياً بتهمة الإرهاب، عام 2016.

وفي الواقع كان وزير الخارجية المصري قد اتصل بنظيره السوري، بصفة ديبلوماسية وليست سياسية، أواخر السنة الفائتة، لاستكشاف توجهات الإدارة الجديدة، وفي الوقت نفسه إملاء شروط تكرر المطالب المحقة للمجتمع الدولي، أي “ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً، وتعكس التعددية والتنوع في المجتمع السوري”، إضافة إلى عدم توفير ملاذ آمن للعناصر المصرية المتطرفة، بل المطالبة بتسليم مَن صدرت بحقهم أحكام قضائية، واكتفت الإدارة السورية بـ”عدم السماح لهؤلاء بأي نشاط يهدد الأمن المصري مستقبلاً”.

وكان الوزير المصري قد شارك باجتماع مدينة العقبة الأردنية، في 14 كانون الأول/ ديسمبر، لبحث مستجدات التغيير في سوريا، حيث أكد على أهمية “تدشين عملية سياسية شاملة بملكية سورية تضم كل مكوّنات المجتمع وأطيافه لتحقيق مصالحة وطنية وضمان نجاح العملية الانتقالية”.

ولكنّ الإدارة المصرية أعلنت إجراءات تتضمن ضرورة حصول السوريين، القادمين من مختلف الدول على موافقة أمن الدولة المصري، مما يعكس عقدة المخاوف الأمنية من كل ما يتعلق بـ”الإسلام السياسي”.

ويبدو أنّ القلق من تركيا، التي احتضنت إخوان مصر، قد انسحب على القيادة السورية الجديدة، ومما زاد من هذا القلق ظهور بعض قيادات إخوان مصر في دمشق إلى جانب مسؤولين أتراك وسوريين..

قد تكون إعادة إعمار سوريا مدخلاً اقتصادياً مصلحياً مناسباً للقيادة المصرية، من خلال مساهمة الخبرات المصرية في تشييد البنى التحتية، إضافة إلى الثقل المالي لتجار سوريين في مصر يمكن أن يشكلوا قاطرة لتنشيط العلاقات..

وفي الواقع تدرك القيادة المصرية أنّ استمرار قلقها من المستجدات السورية يمنح قوى إقليمية أخرى مزايا على حساب مصالحها، وفي المقابل تعي قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا أهمية انفتاحها على محيطها الإقليمي، بعيداً عن التطرف والعنف، بل بأن تكون عامل أمن واستقرار في المنطقة.

وكان وزير الخارجية السوري قد التقى نظيره المصري، برعاية وزير خارجية تركيا، وفق صحيفة “العربي الجديد”، إذ أوضحت الصحيفة أن الشيباني وعبد العاطي اتفقا خلال اللقاء على “مراعاة الملاحظات والمخاوف المصرية إزاء الوضع في سوريا، وضمان عدم تحولها إلى منصة تهديد لدول الجوار، أو استخدام أراضيها كقاعدة لأي نوع من الهجمات ضد مصر”، تأكيداً لما كانت القيادة السورية قد أكدته سابقاً برغبتها في بناء علاقات تقوم على احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شؤونهما.

وكانت الإدارة السورية قد تجاوبت مع بعض المخاوف المصرية، حيث طردت (عبد الرحمن يوسف القرضاوي) من دمشق، وحجّمت من تحركات عناصر إخوانية سببت إزعاجاً لمصر.

وقد تكون إعادة إعمار سوريا مدخلاً اقتصادياً مصلحياً مناسباً للقيادة المصرية، من خلال مساهمة الخبرات المصرية في تشييد البنى التحتية، إضافة إلى الثقل المالي لتجار سوريين في مصر يمكن أن يشكلوا قاطرة لتنشيط العلاقات، كي تعيد النظر ببرودها السياسي المبالغ فيه إزاء القيادة السورية الجديدة، فيما تبقى التهديدات من قوى إقليمية غائبة عن الحسابات الاستراتيجية، سواء ما يتعلق بالعلاقات العربية-الإسرائيلية، أو بأمن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

المصدر: تلفزيون سوريا


الكاتب الدكتور عبد الله تركماني

الدكتور عبد الله تركماني

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة