سقوط النظام السوري واختلاط الأوراق في المنطقة العربية
بعد سقوط النظام السوري وانهيار مكونات الدولة أصبح ضرورياً، بل غاية في الأهمية البحث عن ماهية النظام السياسي البديل الذي سوف يؤسس لبناء دولة ديمقراطية مدنية تمثل أطياف المجتمع السوري كافة من خلال البحث والاستنتاج في الأسباب التي أدت إلى وقوع المجتمع السوري ضحية لمثل هذا الخطأ التاريخي الذي وقع فيه منذ أكثر من خمس وخمسين عاماً وإلى الآن حيث تمكن في حينها النظام البائد من اللعب على أوراق مذهبية كثيرة ومتعددة أدت في نهاية المطاف من تمكن هذا النظام المتوحش من الانفراد بالسلطة بعد كسب ود غالبية الطوائف والمذاهب الدينية والأقليات آنذاك وبالتحديد الطائفة السنية بقيادة بني أمية الذين طالما بحثوا عن مصالحهم وامتيازاتهم في مثل هكذا نظام، وللأسف فقد لاحظنا التباينات والشد والمد في التعاطي مع هذا النظام اللاديمقراطي الفاشي الذي أوصل البلاد إلى حالة من الضياع والانصياع والسير عكس مصالحه في مماهاة مبالغ فيها مع أركان النظام البائد بعد أن اخترق هذا النظام مكونات أغلب المذاهب الطائفية وكرسها لخدمة مصالحه لذلك يجب على الشعب السوري ألا يقع في ذات المصيدة مرة أخرى ولابد من التعاطي مع أي حكومة قادمة مهما كانت صادقة في نواياها والتعامل معها بشيء من العقلانية كي نفوت الفرصة على أي منزلق كالذي وقعنا فيه سابقاً وعدم السماح لرغباتنا وأهوائنا ونوايانا الحسنة من أن تسيطر على المشهد مرة أخرى على أرض سوريا فمن الطبيعي أن يكون النظام القادم ديمقراطياً تعددياً وليس قاصراً على مكون دون آخر لكن يجب أن نؤكد مراراً وتكراراً على فكرة المواطنة والعدل والمساواة وما يتعدى ذلك فهو مرفوض وعلى الشعب أن يرفضه ويقاومه لأن هذا المخاض الكبير الذي تعيشه سوريا غير مقتصر على مكون دون آخر أو فئة دون أخرى وعلى الجميع ألا يقدم القضايا الفكرية الأيديولوجية او الدينية على حساب الطرق التي تضمن الوصول إلى حلول عقلانية لهذه الأزمة التاريخية التي طالت الشعب السوري الذي دفع الكثير من أجل الوصول إلى هذه المرحلة الدقيقة من عمره وعليه يجب على الجميع ان يتنازل عن كل ما يمنع فكرة الوصول إلى حلول وان يقدم العام على الخاص وهذا هو الأساس الموضوعي الذي يؤسس للخروج من هذه الأزمة المتعددة الأبعاد والتي شملت جميع أبناء الشعب السوري ومست العديد من مكوناته وطحنت بعضها.
وعلى هذا الأساس وبما أننا لا زلنا نعيش تحت تأثير مخدر الخريف العربي الذي أوقع الكيان العربي برمته في حضن المشروع المعادي لطموحاتنا في التحرر وصولاً إلى الحرية وبناء المجتمعات الإنسانية المتحررة من العبودية للقوانين الرجعية التي خضعت وأخضعت كل شعوب المنطقة وهذا هو بحد ذاته المطلوب فالتناوب تحت تأثير الأيديولوجيات الدينية المتطرفة هو بحد ذاته إنتاج حقيقي للفاشيات الدينية التي ستأخذ كل المجتمعات إلى الهاوية كما هو مرسوم لها من خلال ما يسمى الفوضى الخلاقة.
والمطلوب حالياً هو الكشف عن المستور في هذه المعادلة مجهولة الأطراف والحديث بلغة واضحة حتى نعرف إلى أين تسير في هذا المصير المجهول الهوية لأنه وحسب القوانين الأساسية في بناء المجتمعات فنحن نطمح أكثر من أي وقت مضى إلى بناء مجتمعات مدنية حرة ومتحررة من الوهم والأوهام مهمتها بناء الإنسان الحقيقي الواعي والمبدع والذي يسعى إلى بناء دولة العدالة والمساواة مع عدم القفز عن حقوق الإنسان أياً كان، وجعلها أولوية حقيقية لا يعلى عليها في هذا العلاج، ونتجه نحو التطور ضمن سلاسل الدساتير الناظمة لحركة تطور المجتمعات المدنية. فنحن نريد دولاً واضحة المعالم والكيانات ومعرفة مستوى طموحاتها وإلى أين تتوجه في كل مرحلة.
فإعلان نتنياهو عن إلغاء اتفاقية فك الارتباط الموقعة بين الكيان الصهيوني وسوريا في عام 1974م بعد أن قضم مؤخراً شريطاً حدودياً على الحدود الفاصلة في القنيطرة متوغلاً في عمق الأراضي السورية لمسافة 3كم أو أكثر تقريباً معلناً إنشاء منطقة عازلة هناك مستغلاً الأوضاع التي تمر بها سوريا وقصف وتدمير سلاح سوريا الذي تم دفع ثمنه من أموال الشعب السوري فهو ليس ملكاً للحكم الساقط وإنما هو شرعاً جزء من هوية الشعب السوري، وإضفاء شرعيته للوصول إلى حريته وفرضها بالقوة على عديد من دول العالم لأنه هو الذي يؤكد سيادة الدول على أراضيها، فقد دمر الكيان الصهيوني أكثر من 410 أهداف استراتيجية في عمق الاراضي السورية كي يستبيح سيادة اي حكومة قادمة الى سوريا في حالة من التأكيد على أنه ليس هناك سوى وصي وحيد على مقدرات المنطقة إلا وهو الكيان الصهيوني فإن سلاح جو الكيان يحاول أن يفرض وصايته وعنجهيته مراراً وتكراراً على عديد دول المنطقة، حيث قام وعلى مدار أيام استعادة الشعب السوري لتحرره وحريته، بقصف عدة مواقع حكومية سورية عسكرية وأمنية ومدنية محاولاً استعادة هيبة سلاح الجو الصهيوني التي خسرها في غزة ولبنان مؤخراً، حيث أثبت عجزه وفقدانه السيطرة على مجمل الوقائع على الرغم من امتلاكه أعتى الأسلحة النوعية في العالم.
فهو يحاول على الدوام فرض قوته كوسيلة رادعة لأي محاولة في العمل ضد توجهاته العنصرية الفاشية حتى لو تجاوز حدوده في تجميل صورته الإنسانية أمام الرأي العام العالمي التي فقدت الكثير من بريقها مؤخراً، وأثبت أنه مشروع دولة لا ديمقراطية بل عبر عن عنصريته وفاشيته ونازيته خاصة بعد وصول اليمين الصهيوني الديني المتطرف إلى الحكومة الذي طالما حلم في فرض سياساته على عموم دول المنطقة وإلحاقها به من أجل التخلص من أزماته الداخلية.
ولعل أهمها تفكيك اليسار الصهيوني المعادي لسياسات الحكومة اليمينية اللاديمقراطية المتطرفة والذي يحاول منعه من تغيير نوعي في توجهات القضاء من أجل الإعلان عن يهودية الدولة وصولاً لما يريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسليثيل سموتيرتش إظهار مزيد من التشدد من أجل فرض إعادة الترتيب والتركيب الديمغرافي لسكان غزة والضفة الغربية وحتى الفلسطينيين في الداخل إن أمكن، خاصة بعد اكتشاف كمية هائلة من الغاز الطبيعي أمام سواحل غزة وعلى مسافة قريبة منه، لتجعل من أهل غزة القدرة والمقدرة على التحكم بهذا المخزون الاستراتيجي الذي يضعف الكيان ويقوي الشعب الفلسطيني ويجعل منه قوة مؤثرة في مواجهة هذا الكيان الفاشي، من أجل ذلك كله كانت المحاولات المسعورة من خلال الحرب الأخيرة لطرد سكان غزة منها إلى سيناء في محاولات باءت بالفشل أمام صمود سكان غزة الذين مورست ضدهم أعتى أساليب الفاشية الهمجية والإبادة الجماعية للسكان دون جدوى.