هل يعود الزمن الجميل بين إيران والغرب؟
عندما يتوجه السيد مسعود بزشكيان الرئيس الإيراني الحالي الموصوف بكونه إصلاحياً مما يعني أنه أقرب للتفاهم مع الغرب، أقول عندما يتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية قائلاً: أنتم إخوتنا فذلك ليس مجرد تعبير خارج عن حقل السياسة يعبر عن افتقار بزشكيان للمهارة الديبلوماسية لكنه يخفي حقيقة أكثر أهمية وهي الاشارة غير المباشرة للزمن الجميل بين النظام الإيراني والسياسة الأمريكية حين كانت السياسة الأمريكية تتعاون مع إيران بصمت ودون ضجة سواء في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أو ما بعد ذلك في تثبيت الطابع الطائفي للحكم في بغداد ثم في وضع دستور المحاصصة الطائفية الذي قيل إنه وضع في واشنطن وقد جاء في مقدمة الدستور التي يرجع اليها عادة باعتبارها مصدر الإلهام لمقاصد الدستور، فقرة تحدد بصورة غير مباشرة لمن يتوجه الدستور ومن يمثل ، تقول الفقرة (نحن أبناء وادي الرافدين… استجابة منا لدعوة قياداتنا الدينية والوطنية، وإصرار مراجعنا العظام.. زحفنا لأول مرة في تاريخنا لصناديق الاقتراع بالملايين، مستذكرين مواجع القمع الطائفي… إلخ).
وظل ذلك الزمن الجميل بين الأخوة الأعداء قائما على امتداد فترة طويلة بما في ذلك أيام الرئيس أوباما الذي كان له الفضل في عقد صفقة مع إيران تشمل إضافة لمشروعها النووي الوعد بعدم التعرض للنظام السوري خلافا لتهديداته السابقة ولخطوطه الحمراء التي تحولت إلى اللون البرتقالي ثم الأخضر.
فالسيد مسعود بزشكيان لا يتحدث عن فراغ بغض النظر عن اللغة الطفولية التي يتجنبها السياسيون، إنه يقول للأمريكان وحتى للإسرائيليين من ورائهم – والإيرانيون لا يجهلون العلاقة بين الطرفين – نحن لسنا أعداءكم، ولم نكن كذلك، كل ما في الأمر أن هناك نوع من سوء الفهم بيننا، ويمكن أن نجد الوسيلة لإزالته، صحيح أن من سبقني قد تسبب في سوء الفهم بتشدده، لكن انظروا ها أنذا وقد انتخبني الشعب برضى المرشد الأعلى ومباركته خصيصا من أجل استعادة الزمن الجميل بيننا.
هذا هو ما يريد بزشكيان التعبير عنه في “الأخوة” وهو أمر حقيقي إلى حد كبير، فإيران كانت الدجاجة التي تبيض ذهبا للولايات المتحدة واسرائيل في التمكين من تدمير الدولة العراقية وتحويل الانقسامات الطائفية التي لم يكن لها شأن هام في السياسة الوطنية العراقية منذ تأسيس العراق في عهد الملك فيصل وحتى عهد صدام حسين الذي ضم العديد من القيادات العسكرية والمدنية الشيعية القومية العربية، بينما أصبح الانقسام الطائفي الذي تدعم دستوريا أساس الدولة العراقية الجديدة وقيدها الذي يمنعها من التحرر والتقدم ووضعها في مركز التبعية المزدوجة لكل من إيران والولايات المتحدة.
ليس ذلك فقط بل قامت إيران بخدمات لا تقل أهمية في سورية في تغذية الطائفية والانقضاض على الثورة السورية وقتل مئات الألوف من الشعب السوري وتدمير مقدراته وتهجير الملايين مما لم يكن بالإمكان عمله دون تدخلها الواسع والعميق، بل لقد كانت إيران قاسم سليماني هي من ذهب لموسكو وأقنع بوتين بالتدخل العسكري لإنقاذ النظام حين شعرت أن كل ما فعلته في سورية لم يكن كافياً.
نعم يحق لبزشكيان القول للأمريكان: نحن إخوة ولسنا أعداء.
لكن مشكلة بزشكيان اليوم ومشكلة إيران أنها أقحمت نفسها في منافسة لا تحتملها اسرائيل في الهيمنة على المشرق العربي، لقد ساقها الغرور إلى أن تعتقد أن بإمكانها تجميع أوراق كافية للضغط على الولايات المتحدة والغرب من أجل قبولها كشريك في المنطقة وكدولة إقليمية عظمى ناسية أن نظام الهيمنة الغربي على المشرق العربي لا يقبل شركاء فإذا حدث وقبل ذلك فلن يقبل سوى بإسرائيل شريكاً له في الهيمنة على المنطقة.
ما تقوله الولايات المتحدة ضمنا للسيد بزشيكيان هو الآتي:
حسناً صحيح أننا لسنا أعداء ولم نكن كذلك، ونحن نقدر عالياً خدماتكم في العراق وسوريا، لكنكم تجاوزتم حدودكم، وليس لدينا أي مانع في استعادة الزمن الجميل معكم شرط أن تعودوا عن تجاوزاتكم وأحلامكم في الهيمنة على منطقة ليست لكم ولا يمكن أن نسمح لكم بفرض الهيمنة عليها فهي حق لنا منذ أن دخلت جيوش الجنرال اللنبي دمشق بعد هزيمة الجيوش العثمانية في موقعة مجيدو قرب نابلس وانسحبت إلى ما وراء كيليكيا. إنه حق الفتح لنا الذي تقاسمنا بموجبه المشرق العربي وفرضنا هيمنتنا عليه بطريقة أو بأخرى ولن نقبل بالانسحاب منه، أما اسرائيل فهي جزء منا، إنها قلعتنا في هذه البلاد، والتعرض لها أو لمصالحها هو اعتداء علينا، وحين تفهمون ذلك جيداً، لن يكون بيننا أي خلاف، بل سنقول: أهلا بكم.