رؤية عقلانية للواقع الفلسطيني

img

بدون أدنى شك وبعد جملة التمخضات التي مرت بها المنطقة منذ عام (عملية طوفان الأقصى) وأحداث غزة والضفة الغربية والتسلسل الدرامي لمجمل الأحداث هناك وبعد الكم الهائل من الجدالات التي نشأت نتيجة انعدام المقدرة على معرفة عناصر قوتنا وعناصر ضعفنا لنجد أنفسنا أمام انعدام وفقدان التوازن نتيجة للعديد من العوامل التي لا زلنا نجملها ونجعل منها بضاعة رخيصة لاستعراض قوتنا امام القاصي والداني نتيجة لجهلنا دون معرفتنا بالآليات التي قمنا بها وكيف تمت ومن هو الذي يقرر من يتخذ أي قرار يتعلق باتخاذ القرارات في مواجهة الكيان الصهيوني الذي عمل وعلى مدار سنوات الاحتلال لأرضنا فلسطين على تفكيك وتدمير كل ما هو ممكن أن يكون وسيلة تساعد شعبنا في الاستمرار بعملية مواجهته للمشروع الصهيوني الذي ومن خلال التحليل العقلاني أثبت بامتياز عنصريته ونازيته وفاشيته. وهذا ما أثبته العديد من المفكرين الاستراتيجيين والكتاب والصحفيين في جميع دول العالم دون استثناء بعد أن شرحوا وحللوا آليات بناء هذا الكيان المتعارضة مع آليات انشاء الدول الديمقراطية العلمانية وأصبح تطور هذا الكيان السرطاني المتوحش بحيث أصبح يشكل خطراً حقيقياً على جميع الأنظمة الديمقراطية العلمانية ويهدد مجتمعاتها بالعودة إلى القرون الوسطى التي شكلت انعكاسات سلبية على نشوء المجتمعات المدنية الحرة ويهدد تطورها بالأشكال العلمية العقلانية وذلك لأن طبيعة هذا المجتمع تختلف كل الاختلاف عن طبيعة جميع مجتمعات العالم وتطوره سيكون على حساب هذه المجتمعات ما يؤدي إلى جعلها مجتمعات فاشلة وعلى جميع المستويات.

وللأسف الشديد أن نجد أن العديد من مجتمعاتنا العربية والاسلامية تتماهى مع هذا الكيان السادي العنصري الفاشي إلى درجة انها بدأت من خلال جملة التطبيعات معه من محاولات ربط جملة اقتصادياتها وسياستها وحتى طرق تفكيرها وثقافاتها معه وهم لا يعلمون أنه سيتم ذوبانهم في هذه العملية المعقدة لأن الطرف الأقوى فيها هو الذي سيفرض شروطه على الآخر وفي هذا مؤشر قوي أن مجمل دولنا العربية وضمن هذا التوجه سوف تنحل عاجلا أم آجلاً في عملية التطبيع هذه ولن يعود لها أي أثر في المستقبل.

من الطبيعي جداً وبعد دخول المقاومة في غزة الحرب المفتوحة مع الكيان الصهيوني بعد أن دخلت عامها الأول، أن نقف وقفة تقييمية الهدف منها هو معرفة أين أصبنا وأين أخطأنا في هذه الحرب التي استنزفت طاقات وجهود أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان ولو بنسب مختلفة وبالتحديد أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، فهذه الحرب التي جاءت عقب اجتياح قوى المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة منذ ستة عشر عاماً للمستوطنات في محيط قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م حيث تم من خلالها كسر السياج الحدودي باختراق أمني تم على أثره أسر العديد من الصهاينة وتم نقلهم إلى قطاع غزة وتمت السيطرة على العديد من الوثائق والبيانات التي هي غاية في السرية في خطوة غير مسبوقة عصفت بالكيان الصهيوني وكشفت طبيعته الرثة التي تقوم على النفاق والكذب التاريخي في مقولة… (الجيش الذي لا يقهر) حيث كان الهدف الأساسي من استخدام هذا الشعار الرادع هو زراعة الوهم والإحباط عند الانسان الفلسطيني خصيصاً والإنسان العربي عموماً من أجل عدم مواجهة هذا المشروع الاستيطاني على أرض فلسطين على الرغم من امتلاك هذا الكيان طاقات عسكرية كبيرة تمكنه من مواجهة أكبر جيوش العالم ولكن إرادة ابناء الشعب الفلسطيني الهائلة مكنتهم من عدم الاستسلام لهذا الكيان النازي الفاشي العنصري الذي ولولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لا يحتمل مثل هذه الخسارة التاريخية التي أفتقدته صوابه.

وعلى هذا الأساس جاء الرد من قبل قيادة هذا الكيان بهذه الحرب المحمومة في الهجوم على غزة التي سقط فيها حوالي 200 ألف بين قتيل ومفقود وجريح وتدمير نحو 80% من القطاع في حرب فريدة من نوعها عبر التاريخ المعاصر، وهذا ما يفسر أن هذا الكيان قام بذلك نتيجة تعرضه للانهيار جراء هذا العمل البطولي التاريخي للمقاومة الفلسطينية التي جعلت منه كياناً فاشلاً بامتياز، فلقد شهد الصراع مع هذا الكيان حروباً عديدة جميعها لم يكن لها تأثير على بناه مثل هذه الحرب حيث نجح أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته إلى حدود معقولة من الاستفادة من دروس الماضي واستخدموا عناصر لم تكن على قائمة الأولويات بشكل إيجابي بعد أن أعاروها الاهتمام لمصلحة هذه المواجهة مع الكيان وهي حرب الإنفاق حيث عجز هذا الكيان عن إيجاد حلول تمكنه من الانتصار على المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة ما جعل المقاومة ولأول مرة في الصراع مكنها من التشدد في فرض العديد من النقاط على مسيرة وقف إطلاق النار التي انهارت لاحقاً.

وفي هذه السياق نجد أن أحد أهم أسباب نجاح المقاومة الجزئي يعود إلى أن هذا الكيان يدير هذه المعركة بدون أهداف أو بدوافع مبهمة مغلفة بالفشل الذريع نتيجة لغطرسته حيث كلفه ذلك خسائر مادية غير مسبوقة على مستوى آلته العسكرية وكذلك كان هناك خسائر أخلاقية ومعنوية ليس لها مثيل في تاريخه.

وهنا لابد من تسليط الضوء على جملة الأزمات التي يعيشها هذا الكيان ولعل أهمها تمثل في تصاعد الفاشية الدينية في الحكومة ووصولها إلى مراكز الفعل والتأثير في الكيان الصهيوني وسيطرة اليمين الديني المتطرف على مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية على حساب اليسار العلماني الذي يلعب أدواراً غير مؤثرة في المعارضة منذ ما قبل الحرب بحيث بات من الصعب بمكان من لجم اليمين المتطرف بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلثيل سموتريتش الذين يعدون أنفسهم لطرح مشروع الدولة القومية اليهودية بعيداً عن اليسار.

فهذه الدولة المتطرفة أصبحت دولة لا ديمقراطية بل وديكتاتورية أيضاً يحدد ملامح حركتها اليمين الديني المتطرف بزعامات دينية فاسدة لا تؤمن بحسم الصراع إلا بالقوة الدموية الإجرامية وهذا أيضا ينطبق على اليسار العلماني الصهيوني في تحول نحو الدولة الفاشية النازية. ليصبح الكيان الصهيوني برمته يعيش في أزمة لا شفاء منها في طرق تفكيره السياسي التاريخي.

فما حصل في غزة من تطهير عرقي في حرب إبادة جماعية غير موصوفة واستخدام أساليب لا إنسانية ساقطة في الحرب ضد المدنيين من قتل وتنكيل وتجويع وحرمان من المشافي يمثل فشلاً تاريخياً للحركة الصهيونية، لعله الأول من نوعه منذ نشوؤه في بازل بسويسرا عام 1897م. فهذا الكيان المجرم الذي يتبجح بأن الشعب اليهودي قد تعرض للمحرقة النازية (الهولوكوست) ويتهم كل من يعارض سياساته وأعماله باللاسامية وهو نفسه الكيان الذي يرتكب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وهو بهذه الممارسة إنما يعبر بطريقة أو بأخرى بأنه حليف طبيعي لجميع الحركات النازية والفاشية والعنصرية في كل مكان من هذا العالم.


الكاتب فوزي السهلي

فوزي السهلي

كاتب فلسطيني يقيم في ألمانيا

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة