المواطن والوعي القانوني في المجتمعات الغربية

img

القوانين، كمنظومات من القواعد الاجتماعية تضبط السلوك الاجتماعي، وتنظمه في كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية، والإدارية، وتضع من الأنساق الإجرائية، في المجالات الجنائية، والدستورية، والسياسية.. إلخ وتفرض الجزاءات علي من يخالفها، وتضع ضوابط على سلوكيات أجهزة الدولة القضائية والشرطية، والاستخباراتية، والإدارية في تطبيقها للقوانين علي المخاطبين بأحكامه، لأن الإجراء هو توأم الحريات وحقوق المواطنين وحمايتهم وضبط سلوك الموظفين العموميين. في ذات المستوى على المخاطبين بأحكام القوانين الالتزام باحترام هذه القوانين والالتزامات والواجبات المفروضة عليهم. وهو ما يمثل أحد المبادئ الأساسية لدولة القانون والحق في النظم الدستورية، والقانونية في الدول الديمقراطية التمثيلية الحديثة والمعاصرة، في جميع أنحاء العالم، بقطع النظر عن مدى احترام هذا المبدأ وغيره، أو انتهاكه، وخاصة في الدول الاستبدادية، أو التسلطية في جنوب العالم!

هذا المبدأ الرئيس من المبادئ القانونية، والقضائية، هو ما يشكل احترام قانون الدولة من أجهزتها، ومن المواطنين كجزء من الثقافة السياسية، والقانونية السائدة في الدول والمجتمعات الأكثر تقدما في عالمنا على نحو ما يبدو في السلوك الاجتماعي للمواطنين، على المستوى المجتمعي، أو المواطن/الفرد. أحد أبرز الملاحظات الأساسية حول علامات التقدم والتطور الفائق للدول الأكثر تطوراً في عالمنا سياسيا، واجتماعيا، وثقافيا، وعلميا تتمثل في احترام الفرد/المواطن، والطبقات الاجتماعية المختلفة للقوانين في تفاصيل الحياة اليومية، وبين بعضهم بعضا، وفي علاقتهم بالدولة، وأجهزتها المختلفة، والتطبيق الصارم لها في سلوك كافة أطراف العلاقات القانونية، والاستثناءات من الخارجين على القوانين، يخضعون لحكم القانون، وأجهزته الشرطية والسلطة القضائية، في تطبيقهم على منتهكيه.

احترام المواطن/الفرد للقوانين، يبدو علامة على تقدم الثقافات السياسية، في الدولة القومية، وتطوراتها، في مراحل الحداثة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والقانونية، والعلمية والتكنولوجية، وحتى في ظل التحولات إلى ما بعد الحداثة، وما بعد بعدها، وفي مراحل التحول إلى عالم الذكاء الاصطناعي، والإناسة الروبوتية.

ثمة سؤال يطرح دائماً ما سر احترام المواطن الفرد في الدول فائقة التطور للقانون في كل هذه المراحل من مراحل التطور السياسي والاجتماعي والتكنولوجي والعلمي؟ والمقارنات بوضعية علاقة “المواطنين” بالقانون في الدول ومجتمعات جنوب العالم، لاسيما الدول الفقيرة المتخلفة، والمتوسطة؟

لا شك أن احترام المواطن في الدول الغربية، واليابان مرجعه التشكل والتكوين التاريخي للفرد كإرادة ومشيئة وكفاعل اجتماعي والفردانية في إطار الثقافة القومية داخل المجتمعات الرأسمالية الليبرالية. أدت الفردانية – والمذهب الفردي – وعلاقات الإنتاج الرأسمالية، والتنافسية إلى تشكل الفرد، والثقافة الفردية، وخاصة في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وهو ما أثر على نمو وتطوير منظومة الحقوق والحريات الفردية، والعامة، ومعها تبلورت حقوق المواطنة وأجيالها المتعددة، والتزاماتها إزاء الأفراد الآخرين، وأجهزة الدولة، ومنها تجاه المواطنين.

قامت ولا تزال أنظمة التنشئة الاجتماعية والسياسية بوظيفة هامة، في تعليم المواطن منذ تكوينه الاجتماعي، والتعليمي والسياسي تتمثل في احترام القوانين، والنظام العام، والآداب العامة على الرغم من التغيرات في هذين المفهومين، وتقلص مفهوم الآداب العامة، في ظل التنامي المستمر لحقوق المواطن/الفرد، على خلاف الغالبية من دول جنوب العالم الفقيرة، ومتوسطة التطور.

من ثم تلعب رياض الأطفال، والمدرسة، والجامعة وظائف أساسية في التربية، والتكوين على احترام القانون إلى جانب الحقوق والحريات الفردية والعامة. يتعرف المواطن/الفرد في الدول الغربية واليابان على القانون من خلال تنظيم المجالين العام والخاص، والتطبيق الصارم على المخالفين، فور وقوع أية انتهاكات لقواعده في تفاصيل الحياة اليومية، في الشارع، والعمل، وعلاقات الجيرة، وإزاء أية تجاوزات للحقوق الفردية للآخرين، أو الحريات العامة، أو تجاه النظام العام.

يتعرف المواطن/الفرد على القوانين، بل وبعض مشروعاتها المقدمة للبرلمان، من خلال الجدل العام، في الصحافة التقليدية والاستقصائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والحياة الرقمية، وأيضاً عبر سجالات الأحزاب السياسية في الحكم أو المعارضة، وخاصة في مدى احترام مشروعات التشريعات المقدمة للبرلمانات للحقوق الدستورية للمواطنين، أو محاولة تقييدها.

تمثل بعض الجرائم التي يرتكبها بعض المواطنين فرادى أو بعض العُصب، والجماعات الإجرامية، مادة للمتابعات والتحقيقات الصحفية، والتلفازية، وللمنشورات والتغريدات، والفيديوهات الطلقة على الحياة الرقمية، على نحو يكشف للفرد/المواطن، بعض أنماط السلوك الإجرامي، من بعض الجانحين أفراداً أم عُصب إجرامية. أدت الثورة الرقمية إلى تعرف الفرد الرقمي والجموع الرقمية، على القانون، وأنماط الجريمة من خلال بعض السلوكيات الرقمية التي تتسم في بعض الأحيان بالغرائبية، في موضوع الجريمة، أو سلوك أطرافها من الجناة، أو المجني عليه/عليهم. الغرائبية في السلوك الإجرامي، يؤدي إلى تناسل السرديات المختلفة حول المشروع الإجرامي وأطرافه، والفعل الإجرامي ذاته. من ثم تمثل هذه الأنماط الغرائبية في السلوك الإجرامي موضوعًا، للسرديات الرقمية حولها، سواء في خطاب المنشورات، أو التغريدات، أو الفيديوهات الطلقة، ومعه انحيازات الفاعلين الرقميين للمجني عليه، أو الجناة، خاصة في الجرائم داخل الأسرة، أو علاقات الرفقة، أو الصداقة، أو الزمالة في العمل او بالصدفة أو الناتجه عن بعض الأمراض النفسية. تزايدت المعرفة بالقوانين مع بعض الجرائم العنصرية، أو الإرهابية في أوروبا – فرنسا، وبلجيكا وألمانيا، وبريطانيا، ودول شمال أوروبا، والولايات المتحدة… إلخ، حيث تسيطر سرديات الأجهزة الأمنية، والاستخباراتية، حول عمليات الدهس، والطعن لبعض المواطنين الأبرياء من بعض الذئاب المنفردة كما حدث في مدينة نيس الفرنسية عام 2016 وأسفرت عن مقتل 86 شخصاً من قبل شخص من أصول تونسية.

تبدو المعرفة بالقوانين أيضا من خلال متابعة وسائل الإعلام التقليدي، والاستقصائي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تتابع تطورات القضايا الإجرامية أمام جهات الضبط الشرطية والاستخباراتية، وأمام القضاء، ومرافعات الدفاع في هذه القضايا الجنائية والإرهابية.

ساهم التطور التكنولوجي، وانتشار آلات – كاميرات – التصوير في الشوارع، والأسواق، والمنازل، ومحلات التسوق، ومكاتب الخدمات العامة، وفي مواقع العمل، في الكشف عن الجرائم والمخالفات، وسهولة عملية التعرف علي الجناة والمخالفين للقانون، والأهم قيام بعض الأفراد/المواطنين بالتوثيق المرئي لبعض الجرائم والمخالفات من خلال أجهزة الهاتف المحمول والآت التصوير الشخصية، وتقديمها للأجهزة الأمنية، أو بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو رصد انتهاك بعض رجال الأمن والإدارة للقانون، أو تجاوزاتهم في عمليات القبض على بعض الأشخاص، والتي قد تصل إلى قتل لأحدهم، لأسباب عنصرية، على مثال قتل مواطن أمريكي أسود، من قبل رجل شرطة أبيض على ما تم يوم 25 مايو عام 2020 في مدينة مينا بولس بولاية مينسوتا حيث قام ضابط الشرطة ديريك تشوفين بالضغط علي عنق جورج فلويد George Floyd لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لمدة تسع دقائق وأدت لوفاته. أو التوثيق المرئي، لقيام بعض الأفراد بالسرقة من بعض المحال العامة، سواء على نحو فردي، أو جماعي في حالة فوضي مؤقته. مثل هذه التوثيقات المرئية عبر الهاتف المحمول، أو كاميرات المراقبة، تمثل مادة لمعرفة انتهاك قواعد القانون الجنائي، من قبل بعض المواطنين، أو العُصب الإجرامية، أو رجال الضبط القضائي.

بعض المعرفة القانونية للمواطنين، مصدرها التربية على احترام القانون، وبعضها يتكون من خلال وقائع انتهاكه، وأشكال السلوك الاجرامي المختلفة. من ثم تبدو بعض الثقافة القانونية الغربية واليابانية –وفق النظام الانجلو أمريكي، واللاتيني، والألماني.. إلخ، جزء رئيس من تشكل الوعي القانوني، واحترام قانون الدولة، وعلامة على التقدم الفائق للأمم الأكثر تطوراً، وعلى تأثير القانون على الهندسة الاجتماعية والسياسية، وتحفيز المواطنين على العمل، والإبداع والتمتع بالحريات الفردية، والعامة، والأهم حالة الأمن في هذه المجتمعات والدول فائقة التطور التي تمثلُ الأمن الفردي والمجتمعي النسبي، وعلامة على تنظيم الصراعات والمنافسات الاجتماعية والفردية التي تؤدي إلى المزيد من التطور العلمي والتكنولوجي، والفكري، والحرياتي في أطر تنافسية منظمة.

المصدر: الأهرام


الكاتب هيئة التحرير

هيئة التحرير

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة