ويسقط القناع.. التنسيق الإيراني/الإسرائيلي – الحزب اللاتي
إنه صراع بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية، هل هناك وضوح ومباشرة أكثر من هذه اللغة وهذه الكلمات؟.
قبل الاسترسال في الحديث حول هذه الرسالة التي انتظرناها طويلاً، نقول لمن ربما يُحَمِّل الكلمات غير ما تحمل من معنى، إننا لن نقع في مطب يصنعه الاستعمار العولمي الحديث لنا، فيتوهم أننا نسقط في فخ مقولة الصراع السني – الشيعي التي روجها خَدَمُ الحداثة والعصرنة من مثقفينا بالتعاون مع مراكز البحوث التي يدورون في فلكها لكي تستمر شعوب هذه المنطقة بالاحتراب والاستنزاف الدموي القاتل.
منذ انطلاق الثورة الايرانية (الإسلاموية) والشعوب العربية ممثلة بنخبها السياسية والثقافية لم تحسم أمرها في اختيار العنوان المناسب لهذه الثورة إن في جوهرها أو في أهدافها لِتُدرجها تحت معناه
وكان مسلكها موزعاً طوال نصف القرن الماضي من عمرها في نظر هذه النخب بين كونها ثورة إسلاموية خالصة أو أن تكون نظام حكم وظيفي أنتجه النظام العولمي الاستعماري في منطقتنا للهيمنة على الشعوب العربية ومنعها من النهوض والنماء في سبيل خدمة الرؤية الصهيونية في إعادة تصنيع كيانات هذه المنطقة.
وبالرغم من أساليب المراوغة والتضليل التي تميز بها نهج الثورة الإسلاموية هذه وتصنيع المرتزقة الأتباع وإنتاج الأذرع المتعددة واعتماد المستوى العقدي في استقطاب الحواضن الشعبية من أجل تنفيذ مشاريعها المتعددة التي بدأت بالتموضع على الأرض السورية واللبنانية ومن ثم العراقية واليمنية وانتقلت فيها من نجاح إلى نجاح، ماعدا الحرب العراقية – الإيرانية التي خاضتها والتي تجرع الخميني في نهايتها كأس السم مجبراً.
إلى أن جاء الأمريكي كاوبوي القرن الواحد والعشرين، فمكنها من السيطرة على العراق إثر ضريبة دموية وتدميرية ترقى إلى مستوى فعل نووي استثنائي دمر الدولة وأباد مقومات القوة والتأثير لغالبية الشعب العراقي.
ومع أنه مكن لها أيضاً اختطاف حزب الله في لبنان من حواضنه الوطنية والعروبية والشغل عليه تحت عناوين مختلفة، حتى بات هذا الحزب يشكل كياناً دولتياً ضمن الدولة اللبنانية فيقبض عليها ويلقيها في أتون العجز والشلل ومن ثمي تم نقله ليشكل مع الأسد العميل جبهة نارية ضاربة مبيدة تستهدف الشعب السوري المكافح فتقتل وتهجر وتدمر وتنشئ بنى ديمغرافية جديدة خدمة للمخطط الوحشي المبيت لسورية الوطن والشعب.
وكان لها أيضاً أن تتمدد بعدها إلى ربوع اليمن الغالي فتعمل فيه الاقتتال والتدمير والتخريب، ليصبح على مشارف التقسيم الذي نشهده اليوم جميعاً.
بالرغم من كل ما تم عرضه وبالرغم مما بات متداولاً في الفضاء السياسي والدبلوماسي إقليمياً ودولياً وعلى لسان الرموز الإيرانية بأن إيران الثورة الإسلاموية باتت تحتل أربع عواصم عربية، فقد بقي العديد من الفئات السورية والعربية يحمل مسؤولية الترويج والتبرير لخطاب وممارسات وتكتيكات هذه الثورة الإسلاموية.
ولكن، بعد أن انطلقت الحرب الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر الماضي ظهر البون الشاسع بين الخطاب الضبابي الواهم الذي قدمته الإدارة الإيرانية (الإسلاموية) وأذرعها حزب الله والحوثي
من مقولات تحرير القدس وإنهاء الكيان الصهيوني وتعرية أركان النظام الدولي والأنظمة الغربية وتبني القرار الحمساوي في إشعال فتيل هذه الحرب وبين حال التنصل من كل ذلك زحفاً تجاه الدور المساند والداعم لمعركة الأقصى الحمساوية إلى الانكشاف الفاضح في أساليب المراوغة والكذب في الرد على الهجمات التدميرية وأعمال الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل حيناً والتحالف الدولي حيناً آخر في ساحات الاشتباك جميعها سورية، العراق، فلسطين، البحر الأحمر.
وبالمقابل لابد من تسجيل الخطاب الإسرائيلي وخاصة الإعلامي وكيفية التعامل مع حالات الاشتباك وقواعدها المقرة سلفاً، سواء هجمات تفجيرية ام اغتيالات فردية ام جماعية حتى بات المشهد يذكرنا بأعمال تمثيلية وسينمائية تتضمن رسائل يتم تبادلها بين الأطراف المتحاربة من تهديد ووعيد وتحذير وتحديد للأهداف المرصودة التي يمكن تناولها، وكل ذلك على الهواء مباشرة.
حتى إذا ما جاء أخيراً الحدثان المزلزلان في الشهر الماضي، اغتيال فؤاد شكر الرجل الثاني في حزب الله وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وما تلاهما من توصيف لضخامة وزلزلة الحدثين وعمق توجيعهما وهو ما عبر عنه على لسان رموز الحزب والثورة وما أعلن عنه أيضاً من تهديدات لردات انتقامية قد تزلزل الكيان الصهيوني وتصيبه في مقتل، كما يمكن أيضاً أن تمتد إلى المواقع الأمريكية في العراق أو سورية أو البحر الأحمر.
وقد رافق ذلك أيضاً إضاءة مبهرة لافتة ومثيرة على الزمن الذي سيتم فيه الرد على هذين الحدثين، حيث امتلأ الفضاء الإعلامي بمواعيد متغيرة ومتقلبة، متراجعة حيناً ومتقدمة حيناً آخر، وكأني بالعالم بات يترقب مقدمة لحرب إقليمية طاحنة يمكن أن تنشب بين لحظة وأخرى بين إيران الثورة الإسلاموية وأذرعها التي يتزعمها حزب اللات، وبين إسرائيل ربيبة أمريكا.
أخيراً، كانت المفاجأة الصادمة والمضحكة في آن، وذلك عندما أعلن كل من حزب الله والكيان الصهيوني عن إنجاز عملية الرد على مقتل شكر والرد الإسرائيلي على هذه العملية وما رافق ذلك من تصريحات موحية باكتفاء الطرفين بهذا الإنجاز الذي سمح للجميع تنفس الصعداء بعد حبس الأنفاس على مدى شهر تقريباً.
كما أعلن الطرفان وفق عبارات موحية عن التهدئة والعودة إلى قواعد الاشتباك المتفق عليها.
اللافت في هذا المشهد أن التدمير الإسرائيلي في غزة وعمليات القتل اليومي لم تتوقف طوال تلك المرحلة، واللافت أيضاً أنه ما إن تم الإعلان عما يوحي بالتهدئة انتقلت العمليات العسكرية الدموية إلى الضفة الغربية مكتسحة جنين وطولكرم وغيرها من مناطق الضفة الغربية المسالمة.
وإذا ختمنا هذا المشهد بالتصريح التاريخي الذي أعلنه الخامنئي عن جوهر الصراع اليزيدي الحسيني، يحق لنا أن نثبت الاستنتاج التالي:
أولاً: لم يعد مقبولاً لأي فريق سوري أو عربي أن يركن إلى أي مبرر يسوق الدور الإيراني خارج موقف العداء المكشوف للأمة والشعوب العربية والإسلامية.
ثانياً: لقد ثبت وبكل البراهين المتخيلة أن هذا الكيان إنما حمل اسم الثورة الإسلاموية حملاً كاذباً ومزوراً ومضللاً ليس له من الإسلام في شيء ولو حتى الاسم.
ثالثاً: لقد ثبت وبكل الإسنادات أن هذا الكيان إنما هو كيان وظيفي ومنتج من منتجات النظام الدولي الذي يستهدف الشعوب العربية في وجودها.
رابعاً: إن التصريح الأخير لخامنئي إنما جاء بشكل مدروس وهادف، وذلك بعد أن أنهت الثورة الإسلاموية دورها من حيث تدمير وتقتيل وإبادة وتهجير خمسة شعوب عربية لا يمكن أن تستعيد عافيتها ولو بعد قرن من الزمان.
خامساً: على الشعوب العربية متمثلة بنخبها السياسية والثقافية أن تحدث ثورة جذرية في مناهجها الفكرية والسياسية وأن تعلن حال النفير لتحشيد شعوبها وحثهم على الاستجابة الاستثنائية لأوضاع استثنائية قد يتم فرضها عليهم من جديد وذلك من خلال دفعها إلى أفخاخ الاقتتال والصراع الشيعي – السني، وأن يتم تشكيل جبهات وطنية ترفع ألوية حركة تحرر وطني جديدة
لعلها تستعيد بواسطتها كرامتها وحريتها وتمنع وجودها من التلاشي.