مجدداً.. هل يفعلها أردوغان؟
عندما أطلق أردوغان، مقولته الشهيرة في فضاء الثورة السورية عام 2013، حماة خط أحمر، معلناً انحيازه الواضح للثورة السورية، حيث كان هذا الفضاء يضج بالأحداث الدموية والتدميرية، التي كانت تنتجها صراعات القوى الفاعلة على الأرض السورية بواسطة أذرعها المتعددة والمتنوعة، وعلى رأسها المشغل الأول زعيمة النظام الدولي المافياوي، إلى جانب نظام العصابة العميل، الهادفة إلى فرض واقع محدث يجتث الثورة السورية من جانب، ويطوع الشعب السوري ويخضعه لينشئ واقعاً ديمغرافياً وسياسياً جديداً، يخدم فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف في جوهره إلى إعادة صياغة الكيان السوري وفق رؤية إسرائيل وأربابها الاستعماريين الحداثويين، من جانب آخر.
راهنّا آنذاك على الخلفية الأيديولوجية الإنسانية، لحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان وعلى الممارسات الشعبية والرسمية الحاضنة التي عوملت بها الأفواج الأولى للاجئين السوريين إلى الأراضي التركية التي كانت محكومة بشعار مهاجرين وأنصار.
وبالمقابل، كان هناك ما سجله التاريخ من انتصارات لا تنسى حققها الجيش الحر على الأرض حيث كاد نظام العصابة أن يتهاوى.
لكن ما حدث بعد ذلك من مواقف للسيد أردوغان تعارض تماماً مع تلك التصريحات التي أتينا على ذكرها، حيث كان أقل ما يقال في هذه المواقف أنها انحازت لاستراتيجية اللعبة الدولية المبيتة تجاه الشعب السوري والثورة السورية، فعندما أدرك الرجل أن اللعبة من الشمول والعمق والتعقيد انحاز أولاً إلى الدفاع عن مصالح دولته وشعبه الأمنية والاقتصادية والسياسية.
وإذا نظرنا إلى هذا الموقف من زاوية ثورية ومن موقع مصلحتنا الثورية، فإننا لاشك ندين هذا الموقف وقد أدناه أيضاً، وكان ذلك في مقال سابق تحت عنوان، هل يفعلها أردوغان، حيث قلنا حينها إن إردوغان إذا تصرف وفق الرؤية التي أطلقها، والشعارات التي تم رفعها آنذاك من قبل قاعدته الشعبية والحزبية، حماة خط أحمر، فإنه في ذلك سيكون منحازاً انحيازاً واضحاً للثورة السورية، كما وقد يكون القائد والرجل الذي سيخلد التاريخ اسمه لجهة نصرته للثورة السورية والشعب السوري وتصديه لأقذر لعبة دولية في التاريخ المعاصر، ولجهة تصرفه المطابق للشعارات التي رفعها، حيث كانت الظروف من وجهة نظر شعبية وثورية مناسبة جداً لهذا الانحياز، إلا أنه لم يفعل.
واليوم، وقد دخلت ثورتنا السورية عامها الرابع عشر، وأثبت شعبنا أنه لازال على العهد، وهاهو ينفخ الحياة من جديد في حراكه الثوري من الجنوب السوري إلى شماله رافعاً شعاراته المعروفة، من إسقاط النظام إلى وحدة سورية أرضاً وشعباً، إلى تصديه للقوى الطحلبية من أذرع الثورة المضادة. مضافاً إلى كل ذلك التغير الأخير الذي طرأ على طبيعة الصراع القائم بين الدول الفاعلة في الملف السوري، إيران، روسيا، تركيا، التحالف الدولي والقيادة الامريكية، الحرب الأوكرانية، الحرب في غزة، الانتخابات الامريكية، وعلى رأس كل ذلك الخطوة الفارقة نحو النظام العصابة التي طرحها أردوغان، لملاقاته وتداخلات هذه الخطوة، من حيث علاقة أردوغان بالمعارضة السورية وسلطته متعددة الأوجه القائمة في مناطق المحرر وتموضع القوى الإرهابية فيها، وبالمقابل تعاظم الحراك الثوري نشاطاً وتنظيماً وتوحداً.
ومن ناحية أخرى مصلحة نظام العصابة وتقاطعها مع مصلحة الطرف التركي، ومآلات ذلك على الثورة وأهدافها، ووحدة الوطن السوري، وإعادة الأمن والاستقرار من وجهة نظر الطرفين المتلاقيين، حيال كل ذلك إننا، نعتقد أن الظروف العامة الدولية والمحلية والثورية، تحفز الطرف التركي على إعادة النظر بموقفه من الثورة السورية، وانتهاز هذه الفرصة التاريخية، للانحياز لها وإعطاء القوى الثورية المدنية والعسكرية الضوء الأخضر للتحرك نحو دمشق لتحريرها وتمكين الثورة من الانتصار وتحقيق أهدافها الكونية.
لعل ذلك يتيح لأردوغان مرة أخرى أن يخلد التاريخ اسمه، ويحقق أول اختراق في سلسلة هذا النظام الدولي المافياوي، حيث يتم إنتاج نظام بديل له من خلال ما نشهده من صراعات متدرجة بين أطرافه المختلفة، ويستعيد مصداقيته أي أردوغان في طرح شعاراته المنحازة للشعوب المضطهدة والمقهورة والمستهدفة، ويكون بذلك متماهياً مع أيديولوجية حزبه الإسلامي الإنسانية، فهل يفعلها أردوغان!؟