ملفات شائكة تُطرح باجتماع موسع حضره الجانب التركي شمالي حلب.. ما النتائج؟

img

موقع تلفزيون سوريا: 2024/7/8

على وقع المستجدات المتسارعة في شمال غربي سوريا، والتصريحات غير المسبوقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول إمكانية إعادة العلاقات مع النظام السوري وتنظيم لقاء قريب مع بشار الأسد، عُقد اليوم الأحد اجتماع في منطقة حوار كلس شمالي حلب، بحضور ممثلين عن الجانب التركي، وقادة في الجيش الوطني السوري، ووجهاء وأكاديميين وممثلين عن المدن والبلدات وعدد من الصحفيين، تخلله طرح عدة قضايا تتعلق بمخاوف التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، والمشكلات التي تواجه المنطقة.

وقبل الدخول في تفاصيل الاجتماع، يجب التذكير بأنه يأتي في أعقاب جملة من التطورات السياسية والميدانية، بدأت بتصريحات لافتة أدلى بها أوزغور أوزال، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، حيث أبدى استعداده للقاء بشار الأسد لمناقشة آلية إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، أعقب ذلك تصريحات للرئيس التركي أردوغان أشار فيها إلى استعداد بلاده لإقامة علاقات دبلوماسية مع الأسد، مؤكداً أنه “لا يوجد سبب يمنع إقامة العلاقات الدبلوماسية”، وأن تركيا ستواصل تطوير العلاقات كما كانت في الماضي.

بهذا السياق، تزايدت المخاوف من تنامي النفوذ الروسي في الشمال السوري، حيث حاولت دورية عسكرية روسية، برفقة القوات التركية، دخول مدينة الباب في شهر حزيران الماضي، وقوبل ذلك برفض من الأهالي وسكان المدينة، الذين منعوا الوفد العسكري الروسي من الدخول بعد احتجاجات وقطع للطرقات المؤدية إلى معبر أبو الزندين الفاصل مع مناطق سيطرة النظام السوري.

وفي خطوة مفاجئة، أعلن المجلس المحلي لمدينة الباب بدء تنظيف وتجهيز معبر أبو الزندين التجاري، تمهيداً لافتتاحه تجريبياً كمعبر تجاري رسمي، وكذلك أبدى كثيرون مخاوفهم من النوايا الخفية لهذه الخطوة، وفيما إذا كانت على طريق منح النظام إنجازاً سياسياً لطالما حلم بتحقيقه عبر كسب الشرعية تدريجياً في شمال غربي البلاد.

تزامنت هذه التطورات مع تصريحات لوزير الخارجية التركي، حقان فيدان، الذي دعا النظام السوري لاستغلال فترة الهدوء ووقف إطلاق النار لحل المشكلات الدستورية وتحقيق السلام مع المعارضة، كما أكد فيدان على ضرورة توحيد الجهود بين النظام والمعارضة لمكافحة حزب العمال الكردستاني، مشيراً إلى أن النظام يجب أن يستغل هذه الفترة بعقلانية لحل مشكلاته الدستورية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد السوري.

وفي لقاء مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، أبدى بشار الأسد انفتاحه على العلاقة مع تركيا، مكرراً شروطه المسبقة لتطبيع العلاقات مع أنقرة.

هذا التصاعد في الأحداث أشعل فتيل الغضب بين السكان في شمال غربي سوريا، خاصة بعد الممارسات العنصرية التي شهدتها ولاية قيصري وسط تركيا ضد اللاجئين السوريين، والتي كانت بمثابة الشرارة التي فجرت الاحتجاجات المتزايدة، وقد كانت المظاهرات في الواقع انعكاساً لعدد من المشكلات المتراكمة والفشل الإداري في شمالي حلب وعدم إيجاد حلول منطقية لذلك رغم المناشدات المتكررة.

في ظل هذا الوضع المتأزم، تدخلت مؤسسات في المعارضة السورية لتهدئة الأوضاع عبر بيانات تدعو إلى ضبط النفس، تمهيداً لجلسات تهدف للاستماع إلى مطالب السكان، ويبدو أن الاجتماع الجديد في حوار كلس يأتي في هذا السياق، حيث سعى الحضور إلى طرح القضايا الشائكة بشكل جريء على مسمع المسؤول التركي، أملاً بإيجاد أرضية مشتركة لتغيير الواقع المظلم كما يصفونه.

ما تفاصيل اللقاء؟

بالعودة إلى الاجتماع الذي عقد الأحد، أفادت مصادر مطلعة على تفاصيله لـ موقع تلفزيون سوريا بأن أكثر من 100 شخص كانوا ضمن الحضور، ينحدرون من مختلف المحافظات السورية ويقطنون شمالي وشرقي حلب، إضافة لعدد من قادة الجيش الوطني السوري، في حين حضر من طرف الجانب التركي المسؤول عن متابعة الملف السوري.

وكان من بين القادة الذين حضروا اللقاء، وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة حسن الحمادة، وقائد الفيلق الثاني في الجيش الوطني فهيم عيسى، وقائد الفيلق الأول معتز رسلان، وقائد جيش الإسلام عصام بويضاني، وقائد فرقة المعتصم، المعتصم عباس، في حين لم يكن قائد الجبهة الشامية عزام غريب، أو قادة القوة الموحدة (محمد الجاسم أبو عمشة – سيف بولاد) من ضمن الحضور.

وقال الصحفي عبد القادر حج عثمان – أحد الحضور – إنّه حضر بصفته الشخصية كصحفي وناشط إعلامي، وقد طرح المجتمعون عدة ملفات، على رأسها المخاوف من التطبيع بين تركيا والنظام السوري، ورفض السكان بالمطلق لأي تقارب من هذا النوع، إضافة لملفات الفساد في المنطقة، والمجالس المحلية والفصائل، والاقتصاد والمعابر والتجارة والزراعة، وغير ذلك.

وأشار حج عثمان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن الاجتماع تميز بجرأة الطرح وعرض المشكلات أمام المسؤول التركي المكلف بمتابعة الملف السوري، لافتاً إلى أن اللقاء ناقش مستقبل العلاقات بين الثورة وتركيا، وضرر تدخل المنسقين الأتراك في عمل المؤسسات، والرواتب المتعلقة بالتعليم والصحة وغيرها، كما تطرق الحضور إلى مشكلة العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في بعض الولايات التركية.

وأوضح أن إجابات المسؤول التركي على ما طرحه الحضور من تساؤلات كانت مختصرة، من دون أن يكون هناك اعتراف بالتقصير بأي جانب، أو الإشارة لخلل بإدارة الملف السوري من الولاة الأتراك، كما لم يعد بأي إصلاحات أو تغيير، كذلك لم يتم الاتفاق على تشكيل لجان متابعة على سبيل المثال لإيجاد حلول للمشكلات المطروحة.

نقاط أساسية في اللقاء

من جهته، قال الإعلامي عبد الكريم ليلى – أحد الحضور أيضاً – في منشور على “فيس بوك” إن الطرح في الاجتماع كان جريئاً جداً من قبل الحضور وقد نقلوا مطالب السوريين إلى القيادة التركية والتي يمكن تلخيصها بعدة نقاط، وهي:

* رفض ثوار سوريا أي شكل من أشكال المصالحة مع عصابة الكبتاغون مهما كان الثمن، ولا يمكن لتركيا ولا لغيرها فرض أي شيء على الشعب السوري ما لم يحقق مطالبه في إسقاط النظام والحل السياسي الذي يقضي بمحاكمة العصابة المجرمة.

* التأكيد على حق الشعب السوري في انتخاب قيادة ذات صلاحيات كاملة كون الحكومة والائتلاف لم يتم تشكيلهم عبر الانتخاب لذلك أداؤهم ضعيف داخلياً وخارجياً؛ ولا يمكن اختزال الثورة بأشخاص معينين غير منتخبين.

* التأكيد على الرفض القاطع لفتح أي معبر بقرار تركي أو مجالس المناطق منفردةً، وإنما حصر قرار فتح المعابر أو إغلاقها وعقد الاتفاقيات والتفاهمات وقرار الحرب والسلم يجب أن يعود للقيادة السورية المنتخبة.

* مطالبة الحكومة التركية بتأمين الحماية لجميع اللاجئين السوريين في كل الولايات التركية حسب قانون الحماية المؤقتة، وتشكيل لجنة متابعة قانونية مشتركة سورية تركية.

* التأكيد من قبل الثوار والحضور على استمرارية الحراك الثوري والشعبي مع التأكيد على سلميته، ورفض أي أعمال تخريبية للمؤسسات المدنية والعسكرية ، ورفض أي فعل ينافي مبادئ وقيم الثورة السورية.

* القيام بإجراءات وإصلاحات من شأنها أن تعزز العودة الطوعية الحقيقية للسوريين إلى المنطقة المحررة وهي (فتح باب الزيارات والإجازات بشكل دائم – تعزيز الحركة التجارية وتشغيل آلاف السيارات لنقل البضائع من المعابر إلى الداخل السوري – تفعيل عبور الترانزيت للمغتربين السوريين – دعم قطاع التعليم والصحة – تحسين المستوى المعيشي – استقلالية القضاء).

* رفض تدخل المنسق في عمل المجالس المحلية والمحاكم والنقابات والهيئات المدنية، والمطالبة بمحاربة المفسدين وتجار المعابر والمسؤولين عن التهريب من وإلى المنطقة المحررة.

وأشار إلى أن الحضور أكدوا على أن العلاقة التاريخية والوثيقة بين الشعبين السوري والتركي تستوجب على الأتراك فهم أكبر لمطالب السوريين في “المناطق المحررة” والعمل على تنفيذها بأسرع وقت.

كيف رد المسؤول التركي؟

ذكر “مكتب اعزاز الإعلامي”، أن أبرز القضايا التي تم طرحها خلال الاجتماع، هي ملف التطبيع التركي مع نظام الأسد، وخطورة ذلك على المناطق المحررة ومستقبل العلاقات مع الثورة السورية، كما طالب الحضور بخطوات وضمانات من “الحليف التركي لمناطق الشمال السوري ومصالح سكانه على اعتباره ضامناً لأمن المنطقة وحليفاً لها، إضافة لضرورة تعامل الحكومة التركية مع العنصرية وتفعيل قانون تجريم العنصرية في تركيا ضد اللاجئين، وإيقاف الترحيل القسري للسوريين من تركيا”.

وبحسب المكتب، طرح الحضور عدداً من الملفات المتعلقة بسوء إدارة مناطق الشمال السوري، بينها سياسة التعيين في جميع المؤسسات بناء على العائلية أو الفصائلية ومبدأ المصلحة، مع الإشارة إلى ضرورة وجود مؤسسات منتخبة من قبل السكان وتمثلهم بدءاً من الائتلاف والحكومة وانتهاء بالمجالس المحلية، وتحديد صلاحيات المنسقين الأتراك في المؤسسات السورية والتخفيف من سلطتهم على المجالس والمنظمات والنقابات.

ووفق المصدر، نفى المسؤول التركي وجود عملية تطبيع مع نظام الأسد، كما نفى نية الجانب التركي التخلي عن السوريين بحال حصول تقارب سياسي مع النظام، مرجعاً السبب في الأحداث الأخيرة لنقص المعلومات لدى سكان الشمال وعدم قيام المسؤولين بدورهم في التوعية وتصحيح المعلومات الخاطئة التي يضخها الإعلام والإنترنت.

ولفت إلى أن عمليات الترحيل لا تتم بشكل عشوائي بل للمخالفين فقط، وأن تركيا تشهد دخول أكثر من مئة شخص يومياً بشكل غير شرعي من سوريا، مضيفاً أن قانون تجريم العنصرية يتم العمل به وأكد عليه الرئيس التركي في خطابه الأخير، في حين نفى محامون سوريون تفعيل قانون تجريم العنصرية في تركيا عقب الأحداث الأخيرة في ولاية قيصري.

وأضاف المكتب: “لم يقدم المسؤول التركي إجابات واضحة ومحددة حول معظم الملفات المتعلقة بالإدارة والتنسيق في التعليم والمحاكم والرواتب والشحن، كما قال إنه سيراجع الولاة بما يخص عمل المنسقين، كما لم يقدم تصوراً دقيقاً حول مستقبل العلاقات بين تركيا ونظام الأسد ومدى تطورها وتأثيرها على العلاقات مع الشمال السوري المحرر”.

وختم: “لم يخرج الاجتماع بنتائج واضحة أو وعود ونقاط عمل محددة يمكن البناء عليها على أنها مؤشرات للإصلاح والتغيير في المنطقة، فيما أكد المسؤول التركي على ضرورة تكرار هذه الاجتماعات وسماع مطالب الأهالي”.

أحداث ميدانية وتصريحات سياسية

شهدت منطقة شمال غربي سوريا، في الأسبوع الماضي، توترات كبيرة نتيجة خروج مظاهرات منددة بالاعتداءات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، وقد جاءت هذه الاحتجاجات أيضاً كرفض لتصريحات التقارب بين تركيا والنظام السوري.

وفي ريف حلب، تطورت هذه الاحتجاجات بسرعة إلى أحداث عنف، شملت تكسير شاحنات تركية، ثم الاشتباك مع الجيش التركي في مدينة عفرين، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة نحو أربعين آخرين، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة.

رداً على هذه الأحداث، اتخذت السلطات التركية إجراءات، من بينها إغلاق المعابر الحدودية التي تربطها بشمال غربي سوريا بشكل مؤقت، شملت هذه المعابر باب الهوى وباب السلامة والراعي وجرابلس والحمام وقد تعرض بعضها لمحاولات اقتحام من قبل المتظاهرين الغاضبين.

تزامنت هذه التطورات مع تصريحات للرئيس التركي، كررها أمس، حيث أشار إلى إمكانية دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد لزيارة تركيا في أي لحظة، بهدف إعادة العلاقات بين “البلدين” إلى ما كانت عليه في الماضي.

تأتي التصريحات في ظل محاولات روسية – عراقية للوساطة بين الجانبين، حيث أشار أردوغان إلى دور كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في هذا السياق.

وأضاف أردوغان في تصريحاته أن اللقاء المحتمل مع بشار الأسد سيكون نتيجة لتحركات وسيطة يقودها بوتين والسوداني، مشيراً إلى أن توجيه الدعوة للأسد قد تكون خطوة نحو تحسين العلاقات بين البلدين، في حين يرى السوريون أن هذه التصريحات تحمل في طياتها أبعاداً سياسية معقدة، حيث تتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية في الملف السوري، وتظل الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات غير واضحة على وقع التوترات المستمرة.

كل هذه التطورات تفتح الأبواب على سيناريوهات مختلفة قد تشهدها منطقة شمال غربي سوريا في المستقبل القريب، فالسكان أوصلوا رسالة واضحة مفادها أن التطبيع مع النظام السوري يعد خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، وفي ظل هذه المعطيات، تبقى الكرة الآن في ملعب تركيا، التي تبدو هي الوحيدة القادرة على تبديد مخاوف المدنيين وعلاج المشكلات التي طرحوها عبر اتخاذ خطوات حاسمة ومدروسة لتلبية تطلعاتهم وضمان استقرار المنطقة، مع ترقّب الجميع للقرارات المستقبلية التي ستحدد مسار الأحداث في الشمال وربما في سوريا ككل.


الكاتب هيئة التحرير

هيئة التحرير

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة