الشرخ الإسرائيلي يتعمق وفقدان السيطرة عليه

img

تقدير موقف – مركز التقدم العربي للسياسات – أمير مخول

تحولت صلاة يوم الغفران اليهودي في تل أبيب (25/9/2023) إلى صدام جسدي بين العلمانيين والمتدينين، وقد دار الصراع على قرار مجموعات من العلمانيين بالتصدي وبشكل تظاهري للمألوف في المدينة بحكم العادة بإقامة صلوات في الحيّز العام تقوم على الفصل بين الرجال والنساء، ومستندين إلى قرار سابق للمحكمة العليا بكون الحيز العام متاح للجميع بالتساوي. تحولت الصلاة إلى ساحة اشتباك لم يقم الإعلام بتغطيتها إذ إنه لا يعمل في هذا اليوم من كل عام.

بعد نهاية يوم الغفران، أصدر رئيس الوزراء نتنياهو بياناً أدان فيه اعتداءات “المتطرفين اليساريين على اليهود”.

في اليوم التالي، أعلن عدد من المرجعيات الدينية أنه لا يوجد فرض ديني بالفصل في الصلوات في الحيز العام على أساس الجنس، كما أن يوم الغفران ليس مذكوراً في التوراة، وعليه يخضع الموقف منه للتأويل. في المقابل أعلن وزير الأمن القومي بن غفير عن تنظيم صلاة المغرب اليهودية في ثلاث ساحات عامة في تل أبيب وذلك مساء يوم 28/9/2023 خلال عيد العُرش اليهودي وحذر المعارضين للفصل من اي مس بالمصلين، وهددهم إذا ما حاولوا تعطيل الصلاة، في حين أعلنت بلدية المدينة سحب الترخيص للفعاليات بعد أن قام اتباعه من حركة “الرأس اليهودي” المحلية بخرق مسبق لشروط الترخيص. في المقابل هاجم حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وسيمحا روتمان الذي يقود الإنقلاب التشريعي من خلال ترؤسه للجنة القانون والدستور البرلمانية، هاجماً بن غفير واعتبره روتمان بأنه يؤجج الانقسام داخل الشعب ويقود عملاً استفزازياً عنيفاً باسم الدين اليهودي.

قراءة:

للوهلة الأولى، قد تبدو الحادثة في تل أبيب مجرد اقتتال عرضي، إلا أنها تشكل دلالة على عمق الأزمة الإسرائيلية والشرخ المجتمعي اليهودي غير القابل للجَسر، وتشكل أيضاً فقدان سيطرة على سير الأمور بعد أن تحول الصراع التشريعي القائم والأزمة مع تصلّب في المواقف إلى عداء عنيف بين المعسكرات.

في ردود الفعل كما أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والفضائيات تم توصيف الاعتراض على الصلاة بالأعمال “اللاسامية” و”النازية” و”البوغروم” (المذابح)، وهي مفردات لا تستخدم في وصف اليهود لليهود، إلا أنها باتت دارجة في الخطاب الإسرائيلي الداخلي، مع تقهقر اللحمة وتعميق التناحر داخل المجتمع الإسرائيلي.

في حين تنصلت المعارضة الرسمية من تصرف أتباعها في تل أبيب الذين حوّلوا الصلاة إلى معترك، الا انها اكدت ان هذا الوضع هو نتيجة مباشرة للانقلاب القضائي، وبأن العلمانية باتت في حاجة إلى الدفاع عن نمط حياتها خاصة في تل أبيب والتي تعتبر عاصمة العلمانية اليهودية.

دلالات موقف الصهيونية الدينية:

اللافت أيضاً هو قيام حزب الصهيونية الدينية بشن حملة علنية ضد شركائه في التيار أي حزب القوة اليهودية برئاسة بن غفير واتهامه بالتخريب على كل تيار الصهيونية الدينية، وكذلك فعل نتنياهو لاحقاً حين دعا بن غفير للعدول عن خطوته الاستفزازية التي ستحرج الشرطة وتضعها أمام امتحان، إما الانصياع لأوامر وزيرها أو إلى القانون وقرارات المحكمة العليا بصدد طابع الأنشطة في الحيز العام.

هذا الموقف هو تعبير عن شرخ ومنحى انقسامي داخل هذا المعسكر، وقد وجد تعبيراً عنه أيضاً في الموقف من جولة نتنياهو في الولايات المتحدة وخطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وكذلك لقائه مع الرئيس بايدن والملف السعودي؛ فقد رحب سموتريتش بالخطاب وأكد أن الحكومة لن تقبل إلا بمبدأ “السلام مقابل السلام”، دون أية تنازلات “جوهرية” للفلسطينيين. وأكد على الشراكة في الحكومة التي يقودها نتنياهو، بينما خرج بن غفير علناً بجملة تحذيرات وتهديدات، متهما بوجود محاولة لإخراج حزبه من الائتلاف ومهدداً بإسقاط الحكومة في حال قدمت تنازلات جوهرية للفلسطينيين. كما وألمح بن غفير إلى احتمالية تفضيل نتنياهو ومن ورائه بايدن لدخول غانتس إلى الائتلاف باثني عشر نائباً.

يبدو واضحاً من أنه في حال وافق غانتس وحزبه “المعسكر الرسمي” على الانضمام إلى الائتلاف بديلاً عن حزبي سموتريتش وبن غفير سيؤدي إلى سقوط الحكومة، بأنّ 14 نائباً من الليكود لا يقبلون بأي بديل لمعادلة “السلام مقابل السلام”، كما أن هناك عدد من النواب في الليكود يتماثلون مع مواقف الصهيونية الدينية وأبرزهم النائب تالي غوتليب. وهذا يعني أن لا إمكانية لدى نتنياهو الحصول على تأييد من ائتلافه لصالح “التطبيع مع السعودية” مقابل تنازلات للفلسطينيين.

هناك ثلاثة احتمالات أمام نتنياهو في حال توصل إلى اتفاق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهي كالتالي:

  1. توفير المعارضة البرلمانية الصهيونية دعماً من خارج الائتلاف لإقرار “التطبيع” وكل ما هو متعلق به.
  2. انضمام غانتس إلى الائتلاف الحاكم، وضمان دعم القائمة العربية الموحدة وفقاً للمصادر الإسرائيلية وبدفع أمريكي.
  3. انضمام حزب غانتس إلى الائتلاف مع انسحاب حزب بن غفير وبقاء حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش في الائتلاف الحاكم، إذ إنه على قناعة بأن بقاءه في الائتلاف له الأولوية إذ يمنحه القوة والسلطة لتنفيذ المشروع السياسي الجوهري القائم على الضم وقوننة البؤر الاستيطانية والتطهير العرقي الفعلي القائم في الضفة الغربية وذلك وفقاً للتقرير الأممي وتقرير منظمة بتسيلم الحقوقية الاستقصائية. في هذا السيناريو ضمان لاستمرار الائتلاف برئاسة نتنياهو.

في المقابل تؤكد معظم الاستطلاعات وبشكل ثابت تفوّق ائتلاف بقيادة غانتس على ائتلاف نتنياهو الحالي وبفارق كبير في حال حصلت انتخابات برلمانية. بينما تؤكد حركة الاحتجاج على الانقلاب القضائي معارضتها المطلقة لأي احتمال لانضمام غانتس إلى الائتلاف، وهذا يعني في حال حصل وانضمّ بضغط أمريكي وداخلي غير مباشر من المؤسسة الأمنية، بأنه سيخسر جمهوراً واسعاً من مؤيديه وقد يعيد لبيد إلى الواجهة ليصبح الحزب الأكبر في المعارضة. ما يعني ضياع فرصة تشكيل حكومة قادمة، وهذا ما يجعله يؤكد أن الظرف غير مؤاتٍ وينفي هذا الاحتمال.

الخلاصة:

• يتجه الواقع الإسرائيلي الداخلي نحو الصدام المؤسس على ارتفاع جوهري في منسوب الكراهية والعداء والتشظّي بين مركبات المجتمع اليهودي، في وقت تفقد القيادات السياسية والرسمية السيطرة على الوضع.

• باتت إسرائيل، كما انعكس في جولة نتنياهو الأمريكية أضعف أثراً وتعاني من تراجع وزنها ولم تعد اللاعب المركزي في الملفات الإقليمية.

• التطبيع المتوخى إسرائيلياً مع السعودية في حال خرج إلى حيز التنفيذ، سيشكل حبل نجاه للائتلاف الإسرائيلي الحاكم ويتيح لحزب سموتريتش قيادة الحكومة نحو الدفع أكثر لتنفيذ سياسة التطهير العرقي والضم.

• فلسطينياً، قد تقود تطورات الأمور إلى انتفاضة وفقاً للتقديرات الأمنية الإسرائيلية، باعتبار أن التحدي الاستراتيجي الأول أمام إسرائيل هو الملف الفلسطيني، واعتبار أن الحكومة تدفع نحو صدام واسع خارج أية سيطرة في معظم مناطق الضفة الغربية والسعي لخلق حالة فوضى فلسطينية عارمة تكون مؤاتية لتنفيذ مآرب الصهيونية الدينية.

• سعودياً، لن تلتزم حكومة إسرائيل بأية تنازلات “جوهرية” للفلسطينيين ، كما تعد مفاوضاتها الجارية مع الرياض ، إذ لا تملك حكومتها القدرة على ذلك، ولا يبدو أن هناك أي تنازل لدى نتنياهو عن أي من شركاء ائتلافه في المدى القريب، بل ستدفع الأمور، إذا ما تم التطبيع وفق الشروط الإسرائيلية إلى مزيد من التردي على أوضاع الفلسطينيين وإلى احتمالية تفجّر شامل للأوضاع الأمنية، وسيكون الثمن الفلسطيني عالياً لكن لا يمكن للشعب أن يتنازل عن حقوقه وهو يدرك أن مسعاه ليس “تحسين أوضاعه” المعيشية تحت الاحتلال وإنما التحرر من الاحتلال وممارسة حقه في تقرير مصيره.


الكاتب هيئة التحرير

هيئة التحرير

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة