تحية حب وإجلال لثوار سوريا في جبل العرب الأشم

img

مرت مسيرة شعبنا الثورية ضد عصابة الأسد، خلال أكثر من عقد، بمراحل نوعية مختلفة، كانت بدايتها عفوية سلمية ووطنية، ثم ابتليت بالأسلمة والعسكرة التي شارك فيها كل قوى الثورة المضادة في داخل سوريا وخارجها، ولكن جذوة الثورة السورية العظيمة لم تنطفئ بل استمرت، وها هي تشتعل من جديد في قلب السويداء – جبل العرب الأشم، وهو نفس المكان الذي انطلقت فيه قبل مائة عام الثورة السورية الكبرى التي وحدت السوريين وجابهت الاحتلال.

واليوم أحفاد المجاهد الوطني سلطان باشا الأطرش يسطرون صفحة ذهبية في تاريخ سوريا المعاصر، لأنهم حملوا الراية الوطنية التحررية من جديد في ظروف هي بأمس الحاجة لهكذا انتفاضة.

قبل سنوات قليلة فرح المجرم الأسد واعتبر نفسه منتصراً على شعبه وفرح معه حماته في موسكو وطهران لأن كل منهما تبجح بأنه هو من حافظ على نظام الأسد، ولكن الأسد مجرم وفاسد وتاجر مخدرات، ويمتلك المليارات هو وعائلته وحاشيته من الشبيحة، بينما السوريون يتضورون جوعاً وبرداً وخوفاً.

حاول العرب إنقاذ نظام الأسد ظناً منهم أنهم ينقذون سوريا والسوريين، ولكنه أثبت لهم بأنه غير قابل للإصلاح فهو مجرم وفاسد ومعتوه، ويبقى السؤال مفتوحاً: ماذا سيفعل حماته ورعاته ومن تواطئ معه؟ فهم لا يستطيعون تحمل عبئه الاقتصادي والمادي، ولا العرب الذي خاب أملهم فيه، علماً أن السوريين حذروا إخوتهم العرب بأن المجرم الأسد غير قابل للإصلاح، والأزمة السورية تحتاج لحل سياسي جذري عادل جوهره تغيير النظام وإتاحة الفرصة لكل السوريين في بناء سورية الجديدة الديمقراطية، دولة القانون والحرية والكرامة، فالأسد وعائلته المجرمة لم يعد لهم مكان في مستقبل سوريا.

عندما خرج السوريون أول مرة في 2011، ادعت الشبيحة بثينة شعبان بأن النظام سيحسن الأوضاع المعيشية للناس، لكن المحتجين الأحرار ردوا عليها: “يا بثينة يا شعبان، الشعب السوري مش جوعان”. 

واليوم الشعب السوري جائع ونقولها بحرقة وألم. ومع ذلك خرج أهلنا في السويداء ليعلنوا للعالم بأنهم لم يخرجوا من أجل الخبز مع أهميته، ولكنهم يطالبون بحل جذري لمشكلة الشعب والبلاد وهي التغيير السياسي الوطني وأن تكون سوريا لكل السوريين وليست لحفنة من الشبيحة. وجددوا مطلب الثورة السورية بضرورة رحيل الأسد الجبان.

لقد تعلم ثوار الجبل بأنه يجب الحفاظ على سلمية الثورة، وعلى توجهها الوطني اللاديني واللاقومي، ثورة وطنية شعبية ترفع راية سورية الموحدة شعباً وأرضاً.

هنا السويداء، هنا سوريا، هنا درعا، رددها المتظاهرون الذين أظهروا بأنهم جديرون بحمل راية الوطنية السورية رافضين تهمة الرغبة بالانفصال أو بالتوجه الطائفي، فهذا غريب على أهل الجبل الكرام.

وأظهر أحرار سوريا في السويداء بأنهم على مستوى عال من الوعي السياسي والواقعية، فلم يطرحوا شعارات عامة دعائية وإنما طالبوا العالم والأمم المتحدة بتطبيق القرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن في 2015.

وقدم ثوار السويداء مثلاً ونموذجاً جميلاً للتظاهر، حيث تشارك النساء والشباب والرجال ويرفعون الشعارات العقلانية وينشدون الأغاني الوطنية ويقدمون المناسف ويطعمون حتى أفراد الشرطة الذين في خدمة النظام. هناك وعي شعبي ووطني عالي لدى منظمي التظاهرات والمشرفين على الأوضاع في السويداء فهم يمارسون سلوكاً حضارياً ويحافظون على ممتلكات الأشخاص والدولة، لأنها ملك السوريين، ويسود الأمن والأمان. وبصراحة يفتقد الشمال السوري الذي يسمونه “المحرر” لهذه الميزات. فالفصائل المسلحة هناك وشبيحة المعارضة بمختلف أشكالهم يمارسون تجارة المخدرات والسلاح والتسلط والاعتداء على حرية المواطنين.

ومن أهم ميزات الانتفاضة الشعبية في السويداء هو الموقف الموحد للشرائح الاجتماعية والسياسية والدينية كافة.

وبهذه المناسبة نتوجه إلى شيوخ العقل الأكارم في السويداء بتحية إجلال وتقدير على تضامنهم مع المحتجين في السويداء، وعلى موقفهم الوطني الصادق، وبذلك فوتوا الفرصة على المترددين وعلى أزلام النظام الذين كانوا وما زالوا يحلمون بشق الصف الوطني أو توجيه تهم زائفة بأن المتظاهرين لا يمثلون كل أبناء المحافظة، فشلت كل تلك المزاعم والخطط الخبيثة وأثبتت ثورة السوريين في السويداء بأنها سورية وشعبية وتمثل شرائح المجتمع كافة.

وقد شكلت انتفاضة السويداء السورية ضربة لعصابة الأسد وأبواقه الإعلامية، فكل ألاعيبهم وتهمهم الجاهزة للمتظاهرين في المحافظات السورية بوصفهم بالإرهاب لن تمرّ في السويداء، خاصة وأنه تاجر بمقولة حماية الأقليات. ولذلك ينظر الأسد بحسرة ولا يستطيع استخدام القوة والجيش ضد المواطنين بل ينتظر عامل الزمن.

ومع ذلك يجب أن نكون حذرين من عصابة الأسد وحلفائه مثل حزب الله الطائفي والحرس الثوري الإيراني الذين لا يهمهم إن تفجرت الأوضاع فهم على أرض ليست أرضهم ويقاتلون بمرتزقة من كل أصقاع الأرض.

ونتمنى أن يصدق المجتمع الدولي ولو مرة ويمنع أي تدخل أو استخدام القوة ضد المحتجين السلميين.

ويبقى السؤال الأهم!

أين ثوار سوريا وأين الشعب السوري في المناطق الأخرى لماذا لا يهبون دفاعاً عن الثورة وتضامناً مع أهلنا في السويداء؟ فأحرار السويداء هم بأمس الحاجة للدعم المعنوي والمادي للاستمرار في الصمود وهم يمثلون الخط الأمامي للثورة السورية.

أدعو جميع الجاليات السورية في العالم للتظاهر على الأقل مرة أسبوعياً للتضامن ودعم الثورة السورية في السويداء.

لا تتركوا أحرار السويداء لوحدهم فهم الذين بعثوا فينا الأمل بانتصار الثورة، وخاصة أن عصابة الأسد في أسوأ أيامها.

تحية إجلال وتقدير لثوار سوريا في السويداء

وعاشت سورية الحرة الديمقراطية


الكاتب الدكتور محمود الحمزة

الدكتور محمود الحمزة

أكاديمي وسياسي سوري

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة