التحديث السياسي مدخلنا إلى التقدم
إنّ الدعوة إلى شرعية الاختلاف وسلطة العقل تشكل جوهر الديمقراطية، باعتبارها نظام مؤسسي لإدارة تعددية المجتمع المدني، ووسيلة لإدارة التعدد بواسطة مؤسسات متعاقد عليها. وتكتسب الدعوة إلى الديمقراطية أهميتها من حاجة أقطارنا العربية إلى التحديث السياسي بمعناه الشامل، وتطوير الثقافة السياسية السائدة وإعادة صياغتها بشكل خاص، مع كل ما يعنيه ذلك من تشييد صرح الديمقراطية وتدعيم أركانها. ويتمثل ذلك بـ: أولاً، ترشيد بناء السلطة السياسية على أسس عقلانية مستقلة عن الارتباطات التقليدية ما دون الوطنية كافة، كالطائفية والعشائرية والعائلية. ففي كثير من الأحيان يؤدي التطابق المتواتر بين الأحزاب السياسية الحاكمة وأقليات معينة إلى الحد من تطور الولاء للدولة. وثانياً، تسييد روح المساواة في الحقوق والواجبات، بما يعني فكرة المواطنة، وتغليب معايير الكفاءة عند توزيع المناصب الإدارية والأدوار القيادية، مما يتطلب المشاركة الشعبية الكاملة في ديناميات العملية السياسية كلها، مما يحيل الناس من مجرد رعايا تابعين غير مبالين إلى مواطنين نشطاء فاعلين بإمكانهم التأثير في ديناميات اتخاذ القرار السياسي، فضلا عن مشاركتهم في اختيار الحكام وتحديد الأهداف الكبرى.
وفضلاً عن هذا أو ذاك فإنّ مشاركة المواطنين في العملية السياسية تُعَدُّ دلالة واضحة على عمق التطور السياسي للمجتمع، وتلعب دوراً حيوياً في ديناميات بناء الأمة، كما أنها تمثل آلية سياسية قديرة لها تأثيرها الفاعل في تطوير وبلورة أنماط جديدة من الولاء السياسي، من شأنها ترسيخ الإحساس بالذات، وتعميق الوعي بالهوية الوطنية. إضافة إلى أنّ المشاركة السياسية تنطوي على حلول ناجعة لمشكلة العنف الذي تشهده العديد من الأقطار العربية:
(1) – هي الحل الوحيد لمشكلة عنف السلطة وهي الكابح لعنفها، من خلال ما توفره من آليات المساءلة.
(2) – إنها تعطي الجميع أملاً في إمكانية التغيير السلمي للعلاقات الاجتماعية. فطالما أنّ السلطة تأتي عن طريق الانتخاب الحر، وطالما أنّ مختلف التيارات لها الحق في التعبير عن نفسها والمشاركة، فإنّ الأبواب تصبح مفتوحة أمام الجميع لكسب ثقة الناس وإحداث التغيير من خلال التأثير على أصواتهم والاحتكام إلى صناديق الانتخاب في نهاية المطاف. فإذا أُتيح ذلك لمختلف التيارات والقوى السياسية، فمن الطبيعي أن تتراجع أفكار التغيير بالعنف.
(3) – إنها حين تسمح بالتعددية لكل أصحاب الأفكار والمشاريع السياسية من خلال قنوات شرعية وعلنية تتيح لهؤلاء أن يحملوا خطابهم إلى الناس، ومن ثم لا يبقى هناك مبرر لإنشاء تنظيمات سرية بها تبدأ حلقات العنف، لذلك نلاحظ – كقاعدة – أنه كلما اتسع نطاق المشاركة المشروعة تقلصت مساحة العنف والعمل السري.
(4) – إنّ الرقابة على أداء السلطة التنفيذية التي تتحقق في ظل الديمقراطية، تشكل ضماناً أساسياً لحسن أداء العمل ونزاهته، الأمر الذي يحقق ظروفاً أفضل لتنفيذ مشروعات التنمية، ومن ثم توفير الأمل لدى الناس في إمكانية تغيير أحوالهم المعيشية.
وقد علّمتنا الدروس أيضاً أنّ شيوع الفساد من العوامل التي تبث اليأس عند الناس وترفع درجة السخط بينهم، ومن الباحثين من يعتبر أنّ ثمة علاقة وثيقة بين الفساد والعنف. وتمثل آلية الرقابة والمساءلة ضمانة مهمة في حصار الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه.
(5) – الديمقراطية تحّول الناس من معزولين وساخطين إلى مشاركين، فحين تشعر الجماهير بأنها شريكة في القرار وقادرة على المحاسبة، سواء في المجالس الشعبية المحلية البلدية أو المجالس النيابية، فإنّ موقفها من السلطة والإدارة يختلف حتماً. ولا تصبح ” النقمة ” هي الحاكمة لتلك العلاقة، وإنما تحل محلها المسؤولية، وهي قيمة طاردة لاحتمالات العنف.
(6) – هي أيضا تدرّب الناس على التسامح والتعايش وتداول السلطة، وكلما تكرست تلك القيم واتسع نطاقها تراجع شبح العنف وجفّت ينابيعه.
وتتوضح – أكثر فأكثر – أهمية المشاركة السياسية حين نتعرف على أشكال بنى السلطات في الأقطار العربية:
(1) – الشكل العشائري والأسري: وهذا الشكل محصور في سلطة أبوية يضيق صدرها للحوار، تطلب السمع والطاعة والاعتراف بالفضل، حيث التفاعل وتبادل الآراء من الأدنى إلى الأعلى محفوف بالمخاطر، والرأي مقصور على أصحاب النفوذ الأبوي والأسري، خاصة إذا كان مدعوما بالثروة والجاه، ولا يؤخذ برأي الآخرين مهما كان وجيهاً لأنهم لا يتمتعون بنفس درجة النفوذ، وليست لهم نفس الإمكانيات التي تجعل رأيهم مسموعاً.
(2) – الشكل المركزي البيروقراطي: وهو شكل يعتمد على القرارات والأوامر، ووزن وقوة جهاز الدولة خاصة جهاز الأمن، وحيّز التفاعل في هذا الشكل محدود، وتصرفات السلطة هنا تقوم على الارتياب من الرأي المخالف، وتخاف من الكلمة، وهي دائمة التحوّط والتحرّز، ولا تسمح إلا بالكلمة التي تؤكد السلطان وتفرض الهيمنة، وإذا تنازلت يكون تنازلها تنازل المضطر وعن غير قناعة.
(3) – الشكل العسكري الانقلابي: هو شكل يعتمد البطش ويقوم على القوة، والثقافة لديه يجب أن تكون ذات نسق خاص يعتمد قواعد الضبط والربط والتغيّرات الفجائية، لهذا فهو يتبنى أسلوب الوصاية، ويوظف أدواته العسكرية والأمنية لتقنين الثقافة ومنع المثقفين من القيام بدورهم التنويري، وغالباً ما يحجر على كل رأي يخالف منظومة القيم العامة التي وضعها مثل هذا النظام لنفسه.
(4) – الشكل الطائفي أو السلفي: والسلطة في هذا الشكل ليست سوى أداة لفرض الرأي وتغيير قناعات الناس، وهذا الشكل يأخذ طابعاً مقدساً، ويصل ضيق الصدر مرات. فيعتبر المخالف خارجاً عن ” طاعة ولي الأمر الواجبة ” وإراقة الدماء لدى هذا الشكل سهلة ويسيرة، وتمارس بشكل يومي وتأخذ طقوساً لإرهاب الناس حيث تتم العقوبات على مرأى ومسمع من الناس لردع كل من تسول له نفسه الخروج عن ” فكر” السلطة وطاعتها.. إنّ هذا الشكل يقوم على نفي الآخر تماماً جسدياً ومعنوياً.
إنّ البنى، الموصوفة أعلاه، التي تقف موقف العداء من التنوير والفكر والثقافة وتلجأ للمصادرة والاعتقال والنفي والتشريد والقتل، تعمل جاهدة على إشاعة روح الخوف والترهيب لإضعاف دور المثقفين “ضمير الأمة”، فيتحول بعض منهم الى مسوخ تضرب على كل دف، وتنفخ في كل مزمار ما دام ذلك في رحاب السلطة وحمايتها. وتصطاد السلطة هؤلاء الذين ضعف بنيانهم، فيتحولون في الشكل العشائري الى مداجن يتطلعون إلى إرضاء السلطان، همهم الإشادة بكرم السلطة ولطفها وحنوها، فهي صاحبة القدرة على المنح والمنع، وهؤلاء المداحون يقايضون بضاعتهم بالوظائف ذات الدخل العالي أو المكافآت المالية السخية. وفي الشكل المركزي البيروقراطي يتحولون إلى ابواق مهنتهم العمل الدعائي وتسويق السلطة للناس ليقنعوا بها، وهم بمثابة البطانة التي تزيّن للسلطة أفعالها مهما كانت قبيحة الشكل أو المضمون، وهم يقبضون ثمن ذلك مواقع ونفوذاً وتأثيراً، ويتحول من يسقط في وهدة الدعاية الفجة إلى أدوات لتزييف الوعي ووسائل لخداع الناس.
أما نظرة العسكريين الانقلابيين للثقافة تتلخص في أنها نظرة أمنية تستشعر الخطر من أي فكرة مخالفة، والمشكلة هنا أنّ العسكريين والانقلابيين يرفعون شعارات ويتداولون أفكاراً ذات بريق وطني وقومي وتقدمي قد يشدُّ الناس الذين يفاجؤون فيما بعد بغلبة منطق الثقة على مطلب العدل والحرية، ومن هنا تنشأ المصادمات الدامية والمريرة. لكنّ الأبشع هو الشكل الطائفي والسلفي للسلطة، ففضلاً عن أنه شكل لا يقرُّ الإبداع ويلتزم بالنقل الذي يأخذ طابعاً قدسياً غير مبرر، وهي سلطة تحرم الفنون وتجّرم الأخذ بأساليب العصر، وتصادر على الخيال، وتفرض العزلة وتشيع الكآبة، وينحصر دورها في تحويل الناس الى ” فئران ” مذعورة تنأى بنفسها عن المشاكل، وتميل الى المسكنة والاستكانة، وهذا الشكل يصنع حاكماً ذا جبروت لا راد لكلمته التي تتنزل على الناس مثل القضاء والقدر.
وإزاء هذه الأنماط من السلطة في العالم العربي لابدَّ من توفير آليات للتحديث السياسي تقوم على:
1- السلطة السياسية تقام على أساس أليات تمثيلية انتخابية حرة تعبر عن إرادة شعبية حقيقية، وتضمن التعددية السياسية والفكرية وحرية المعارضة وتحريم العنف. وتضمن تداول السلطة بطرق سلمية ودستورية، وتصون حقوق الانسان، وتوفر الشروط اللازمة كي يفكر الفرد بحرية ويمارس قناعاته الفكرية بحرية عبر انتمائه الى اي حزب او منظمة اجتماعية، وتوفر أيضاً الفرص المتساوية امامه ليشغل – حسب كفاءاته وقدراته – الموقع الذي يستحقه في مؤسسات السلطة والمجتمع المدني. ومن أجل كل ذلك، فإنّ الشرعية الانتخابية هي أساس التداول السلمي للسلطة، ومن ضمانات ذلك الالتزام بتمفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2- استقلالية القضاء والالتزام بعدم الانتماء الحزبي لشاغلي وظائفه، وكذلك استقلالية المؤسسات العسكرية والأمنية. باعتبارها مؤسسات وطنية خاضعة لمصالح المجتمع وليست مؤسسات عقائدية حزبية محدودة الولاء، مما يرسّخ ولاءها للوطن ويجعلها قادرة على الدفاع عن استقلاله وسيادته وعن الشرعية الدستورية، والامتناع عن تحويل مؤسسات المجتمع المدني الى مؤسسات صراع سياسي بين الأحزاب والتنظيمات السياسية، بما يعطل دورها او يصرفها عن مهامها الأساسية في الدفاع عن المصالح المهنية والنقابية والاجتماعية لأعضائها، إضافة إلى دورها كقوة اقتراح وضغط.
3- حرية الصحافة والإعلام، بما يساعد على خدمة المجتمع وتكوين الرأي العام والتعبير عن اتجاهاته، وحماية حقوق الصحافيين والمبدعين وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لممارسة حرية الصحافة ومسؤولياتها تجاه المجتمع، وخاصة حق الحصول على المعلومات والاحتفاظ بسرية مصادرها، وحق الامتناع عن الكتابة بما لا يرضي الضمير المهني والالتزام الفكري، وفي أساس كل ذلك يكمن حق المواطنين بحرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات لضمان الإعراب عن اتجاهاتهم الفكرية والسياسية. ولذا، فإنّ حق إصدار الصحف والمجلات يجب أن يكون مكفولاً للمواطنين والاحزاب السياسية ولمنظمات المجتمع المدني.
4- عدم المساس باستقلالية الوظيفة العامة وحظر تسخيرها لاي غرض شخصي أو حزبي، مما يفرض على الحكومة التي تنال ثقة البرلمان عدم إحداث أو إجراء أية تغييرات في أجهزة الدولة، سواء بتعيين أو بتسريح وفصل الكوادر والموظفين العاملين في المؤسسات المدنية والعسكرية، ولا يتعارض هذا مع معالجة مشكلات التضخم المؤسسي والوظيفي في مؤسسات الخدمة المدنية، بهدف تحسين مستوى الأداء والبحث عن مردودية العمل. ويكتسب هذا المبدأ أهمية خاصة حين يجري الالتزام بمبدأ مراعاة تكافؤ الفرص بين المواطنين عند التعيين أو الترقية او التأهيل للوظائف العامة، وذلك بعدم إخضاعها لأية اعتبارات حزبية أو شخصية ضيقة، تفادياً لاستخدام المحسوبية أو إحلال أهل الثقة والولاء محل أهل الكفاءة والخبرة في وظائف الخدمة العامة.
5- ضرورة ضمان انتخابات حرة ونزيهة من خلال المبادئ التالية:
– لكل ناخب صوت واحد يمارسه بنفسه في دائرة الانتخابات فقط.
– البطاقة الانتخابية شخصية ولا يجوز لغير صاحبها استخدامها في أية مرحلة من مراحل العملية الانتخابية.
– استقلالية أعضاء اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات.
– استخدام وسائل الإعلام الرسمية لكافة المرشحين بالتساوي، بما يكفل تحقيق تكافؤ الفرص في استخدامها لعرض البرامج الانتخابية.
– حظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام أو من ميزانية الوزارات والمؤسسات والشركات والهيئات العامة، أو من دعم خارجي.
6- تعتبر الحريات العامة، بما فيها التعددية السياسية والفكرية والنقابية، القائمة على الشرعية الدستورية ركناً أساسياً من أركان النظام الديمقراطي. وتمارس الأحزاب والنقابات نشاطها بالوسائل السلمية والديمقراطية لتحقيق برامجها المعلنة، عبر تداول السلطة أو المشاركة فيها عن طريق الانتخابات العامة الحرة النزيهة. ومن أجل ضمان ذلك يجب أن تتشكل لجنة شؤون الأحزاب من قضاة مستقلين يتسمون بالنزاهة والتمسك بمبدأ الديمقراطية والتعددية. وبعد حصول الأحزاب على رخصة شرعية فإنّ مقراتها ووثائقها ومراسلاتها ووسائل اتصالاتها يجب أن تكون مصانة، بحيث لا تجوز مراقبتها أو تفتيشها أو مداهمتها أو مصادرتها، وفي حالة التلبس بجريمة جزائية يجري التفتيش عن الدلائل بحضور رئيس النيابة المختصة وممثل عن الحزب المعني.
إنّ التعددية السياسية توجب الالتزام بعدم استخدام العنف أو الدعوة إليه أو التهديد به في العمل السياسي، كما توجب عدم القيام بأية محاولة للوصول إلى السلطة بغير الوسائل الديمقراطية، سواء عن طريق العنف الفردي أو الجماعي أو الانقلابات العسكرية بهدف اغتصاب السلطة وانتهاك الشرعية الدستورية. ولضمان ذلك يجب التعهد بممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، من خلال علنية نشاطها وعقد مؤتمراتها الدورية وانتخاب هيئاتها القيادية، وذلك إيمانا منها بأنّ من لا يمارس الديمقراطية في نشاطه الداخلي لا يمكن أن يمارسها في علاقاته مع غيره من الأحزاب وفي المجتمع.
7- ضمان وكفالة حقوق المرأة الدستورية، دون انتقاص أو تمييز في الحقوق والواجبات، وتأمين فرص التعليم والعمل وممارسة الدور السياسي والاجتماعي في مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية.
8- صياغة خطة تنموية تتسم بالنظرة الشمولية لتحقيق سياسة اقتصادية ترفع قيمة العمل وتوفر الإمكانيات للانتقال الى مرحلة الاكتفاء الذاتي (ليس بمعنى الانغلاق على الذات)، عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة والمشتركة، من خلال مفهوم ” التنمية التشاركية “، والإيمان العميق بدور الأفراد والمجتمع في صنع الإنجازات الخلاقة والمثمرة في ظل الديمقراطية والتعددية وإطلاق الحريات العامة، بما يوفر ذلك من إطلاق مبادرات الأفراد والجماعات للتنافس من أجل الصالح العام بين القطاعات الاقتصادية الخاصة والعامة والمشتركة، وبما يحقق تلبية كافة الاحتياجات الأساسية للجماهير الشعبية، وذلك عبر التطبيق الدقيق والعقلاني لسياسة اقتصاد السوق عن طريق حشد وتوجيه القدرات البشرية والموارد الطبيعية والمالية. ولضمان ذلك يجب التركيز على:
– تشجيع رأس المال الوطني على الاستثمار في كافة المجالات وإفساح المجال أمام تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية.
– توجيه مشاريع التنمية نحو تحقيق أهداف زيادة فرص العمل ورفع مستوى دخل الفرد والمجتمع، واستخدام التكنولوجيا المعاصرة مع إعطاء الاولويات للصناعات التي تعتمد على المواد الخام المحلية وتتكامل مع القطاعات الاقتصادية الأخرى.
– الاهتمام بزيادة الإنتاج وتنظيم الأسعار واعتماد سياسة عادلة وفعالة للأجور.
– توفير الضمانات الاجتماعية التي تؤمن العدالة للإنسان وتحافظ على كرامته.
ومن أجل تجديد الثقافة السياسية العربية يمكن الإشارة إلى أهم القواعد والمبادئ:
1- اعتبار ساحة الفعل السياسي مفتوحة على الدوام على قوى ومجموعات سياسية أخرى ذات تصورات فكرية ومشارب سياسية متباينة، سواء تم اعتبارها ضمن صنف الحلفاء أو المنافسين أو الخصوم من جهة واعتبار التحول والتغيير، من جهة أخرى، قانوناً راسخاً في كل واقع سياسي. الأمر الذي يفرض على الممارس السياسي اعتماد قدر كبير من المرونة في التعامل مع الشأن السياسي تمكّنه من القدرة على التكيّف مع معطيات الواقع المتحول .
2- ضرورة التزام الخطاب العقلاني والواقعي في العمل السياسي، لما يتيحه ذلك من إمكانية الإحاطة بالواقع الشامل والتعرف على العوامل المؤثرة في سيرورة تطوره. إذ إنّ الواقعية والعقلانية تقتضيان تقديراً دقيقاً للإمكانات الفعلية للذات التي تتوخى الفعل والتغيير في وضع سياسي ما، ذلك أنّ تضخيم تلك الإمكانيات يترتب عنه رسم خطط وبرامج للممارسة مكلفة مادياً وفاشلة عملياً. وفي ذلك هدر للطاقات في معارك مجانية أو غير متكافئة قد تنتهي إلى كارثة محققة.
3- اعتماد ثقافة الحوار انتصاراً لفكرة أو دفاعاً عن موقف وحماية لمصلحة خاصة أو عامة. وفي سياق ذلك ينبغي الحرص على عدم اعتماد الأساليب المتطرفة في التعاطي مع قضايا الخلاف. فقد تسيء الحدة المفرطة في الجدل السياسي بين المواقف المتعارضة إلى القضية موضوع الحوار، إذا لم تعرف الأطراف المتنافسة كيف ومتى تترك للممارسة هامشاً يسمح باختبار مختلف الآراء والطروحات وتمييز الصائب منها عن الخاطئ.
4- الاستعداد الواضح لتمكين الأجيال الشابة من تحمل مسؤولية قيادة العمل السياسي باعتبارها شرطاً أساسياً من شروط تجديد شباب الأمة.