السياسة الروسية في سورية، حيثياتها، نتائجها وآفاقها!

نشرت هذه الدراسة في مجلة رواق ميسلون (نيسان/أبريل 2021)
د. محمود الحمزة – أكاديمي وباحث سياسي
عناصر البحث:
- السياسة الروسية في عهد بوتين
- العلاقات الروسية السورية
- أسباب الدعم الروسي لنظام الأسد
- أسباب التدخل العسكري الروسي
- نتائج السياسة الروسية في سورية
- التحديات أمام روسيا في سورية
- روسيا ومستقبل سورية
- تخبط الموقف الروسي في الشرق الأوسط
- النشاطات السورية في روسيا
- تأثير قانون قيصر على الدور الروسي في سورية
- البحث عن حل روسي في سورية
- الاتفاقات الامريكية الروسية حول سورية
- الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية
- التغطية الإعلامية الروسية لذكرى الثورة السورية في مارس 2021
السياسة الروسية في عهد بوتين
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل القطب الثاني في العالم ويقود المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو في 1991، حدث تغير جذري في الوضع السياسي العالمي. فقد تخلت عشرات الدول عن النظام الشيوعي وبدأت تسير في ركب النظام الرأسمالي معتمدة على خبرة ضعيفة جدا في البناء الاقتصادي والسياسي الرأسمالي.
ففي روسيا الاتحادية – وريثة الاتحاد السوفيتي – بدأت مرحلة البيريسترويكا والديمقراطية والليبرالية المتوحشة التي أفقرت العمال و الفلاحين والمثقفين والمختصين من أطباء ومهندسين وحولتهم إلى طبقة فقيرة جداً بينما برزت بسرعة هائلة طبقة من الأوليغاركية الروسية (الروس الجدد) الذين يملكون الملايين التي لم يتعبوا في جمعها فهم ينتمون إما إلى المخابرات أو من اللصوص ومن نزلاء السجون، وبعضهم من اليهود الذين حصلوا على رؤوس أموال كبيرة ليشتروا بها ممتلكات الدولة ضمن إطار الخصخصة التي قادها الليبراليون الجدد أمثال غيدار وتشوبايس. وقد قال تشوبايس مرة بأن هدفهم بعد تفكك الدولة السوفييتية هو تدمير الملكية العامة بأسرع وقت وتحويلها إلى ملكية خاصة ولكن الحقيقة أن ذلك تم بطريقة لاوطنية ولاإنسانية، فلم يراعي التدرج في الانتقال إلى نظام اقتصادي جديد دون تدمير وسحق الطبقات الاجتماعية. بينما لو نظرنا إلى الصين نجدهم أدخلوا النظام الرأسمالي في الاقتصاد، ولكن أبقوا على إدارة الدولة للقطاعات الرئيسية في الاقتصاد وحافظوا على المكتسبات الاجتماعية للناس، ما جعل التحول سلساً وناجحاً، وأدى في النهاية إلى أن الصين أصبحت الدولة رقم واحد في العالم بالنمو الاقتصادي، بينما روسيا تراجعت بشكل مرعب لكي تصبح حصتها 2% من الناتج الإجمالي في العالم.
وفي الحقيقة فإن روسيا تعتمد بشكل أساسي على تصدير النفط والغاز والأخشاب والمواد الثمينة والأسلحة، ولم تتطور صناعاتها وتكنولوجياتها بشكل كبير وإنما اعتمدت على النماذج والتصاميم السوفييتية.
وقد كانت مرحلة التسعينيات مليئة بالفوضى والفساد ما حول الدولة إلى دولة فاشلة وبدأ يلتسين ببيع الأراضي الروسية للغرب حتى يسدد رواتب الموظفين. ورافق ذلك فقدان الأمان والأمن في البلاد وبرز خطر تقسيم روسيا إلى جمهوريات ومقاطعات (وحرب الشيشان خير مثال على ذلك).
وفي نهاية 1999 أعلن يلتسين المريض تخليه عن السلطة وخلفه رئيس الوزراء (حسب الدستور الروسي) فلاديمير بوتين، ضابط المخابرات السابق، الذي انغمس في التسعينيات في التجارة وتعاون مع المافيات الشهيرة وأصبح شخصية معروفة في تلك الأوساط.
وقد يتساءل المراقب كيف اختاروا فلاديمير بوتين بالذات ليكون الرئيس المقبل لروسيا التي تقف على حافة الانهيار تبعاً للاتحاد السوفييتي. وبدون شك فإن العوامل الداخلية الاقتصادية بالدرجة الأولى ونظام الحكم الشمولي والتدخل في أفغانستان لعبت دوراً في إنهاء النظام السوفييتي. أما بوتين فهو ممثل أجهزة الأمن السوفييتية التي شعرت بأن البلاد ستتفكك وبرز خطر انهيار الدولة، وقد قررت تلك الأجهزة أخذ زمام المبادرة من الليبراليين الجدد فسموا القيادة لبوتين. وقد طمأن بوتين الفئات الأوليغاركية والمليارديرية بالأمان وبالفعل أوفى بوعده للرئيس السابق يلتسين حيث منحه الحصانة في أول مرسوم رئاسي.
لكن بوتين بعد أن ثبت حكمه وبرز كبطل على خلفية حرب الشيشان الثانية حيث سحق المتمردين بعد أن اشترى بعض قادتهم إلى جانبه مثل الإمام أحمد قاديروف والد رمضان قاديروف الرئيس الحالي لجمهورية الشيشان. قام بوتين بتصفية حساباته مع منافسيه المحتملين من كبار رجال الأعمال فمنهم من وضعه في السجن ومنهم من هرب، فلاحقته الأجهزة الأمنية الروسية وقتلته في بلدان اللجوء.
وهكذا فرض بوتين هيمنته على السلطات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية. وبدأ يبحث عن الثأر من الولايات المتحدة التي فرضت هيمنتها كقطب وحيد في العالم بعد زوال الاتحاد السوفييتي، علماً أن بوتين بعث رسائل مطمئنة للغرب عند استلامه للسلطة قائلاً: يصعب عليّ تخيل الناتو كعدو لنا وأريد أن تكون روسيا دولة عصرية قوية وأن تكون لها علاقات وطيدة مع الغرب.
وفي بداية حكمه استفاد بوتين كثيراً من ارتفاع أسعار النفط وشهد الروس بحبوحة اقتصادية ومعيشية، ولم يشعر الروس بالمشاكل المعيشية إلا بعد تراجع أسعار النفط فاكتشفوا أن النظام الاقتصادي الفاسد ليس وليد اليوم.
وما يميز فترة حكم بوتين أنه جمع حوله أصدقاءه من مدينة سان بطرسبورغ (ممن درس معهم وتدرب على الجودو وممن مارس التجارة سوية معهم في فترة التسعينيات التي تميزت بهيمنة المافيات التي ارتكبت جرائم منظمة، وإذا نظرنا إلى أكبر رجال الأعمال من أصحاب المليارات نجدهم من أصدقاء بوتين القدماء وهم اليوم رؤساء شركات النفط والأسلحة والبناء ومنهم من يتقلد مناصب حساسة في الدولة في أجهزة الأمن والجيش والحكومة والمصارف.)
ومن يدقق في منظومة السلطة في روسيا يجد فيها مراكز قوى مختلفة: جنرالات الجيش وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الاقتصاديين الأغنياء وهم بشكل عام ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية مختلفة فمنهم ذوو الميول القومية المحافظة وبوتين أقرب لهم، ومنهم الليبراليون ذوو التوجهات الغربية. وبالرغم من وجود انتقادات لسياسة بوتين الداخلية إلا أن الجميع تقريبا يدعم سياسته الخارجية القائمة على مجابهة العدو الخارجي وهو الغرب الذي يريد “تحطيم روسيا وزعزعة استقرارها”.
باختصار فالنظام السياسي الذي تبلور في روسيا خلال العقدين الماضيين هو نظام شمولي بامتياز يقف على رأس الهرم شخص واحد يسمع آراء الكثيرين ويطلع على تحليلاتهم ولكنه يتخذ القرار بنفسه.
ويرى بعض المحللين السياسيين والعسكريين الروس بأن روسيا كدولة ومجتمع تعيش منذ فبراير 2014 “حالة حرب” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو قائدها العسكري. وأعلنت روسيا أنها لن ترضخ للضغوطات الخارجية لأن سياسة استرضاء الغرب تلحق ضررا بالمصالح القومية الروسية.
ويبدو أن بوتين الذي أعلن مرارا أنه يعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي كارثة كبيرة، فإنه معجب بالدولة القوية المركزية المتمثلة بروسيا الاتحادية التي يرأسها شخص قوي وحزب واحد وسلطة سياسية واحدة. وكأنه يتذكر امجاد الإمبراطورية الروسية (أيام القياصرة) والامبراطورية السوفيتية أيام الحزب الشيوعي وبالتالي لما لا يحين عصر “البوتينية”، التي يجب ان تسود لمائة عام على الأقل (حسب رأي فيتشيسلاف سوركوف مستشار الرئيس الروسي بوتين لفترة طويلة).
ولا يبدو مستغرباً أن روسيا لا تشبه لا دولة أوروبية ولا دولة شرقية بل يفضلون تسمية روسيا بأنها دولة أوراسية (طبعا هنا تلعب دورها نظرية الفيلسوف القومي الارثوذكسي المحافظ ألكسندر دوغين)، والديمقراطية هنا يسمونها “الديمقراطية الموجهة”، والحقبة التي تعيشها روسيا والتي يعتقد بعضهم أنها ستبقى لمئة عام تسمى “الحقبة البوتينية” على غرار الحقبة القيصرية والحقبة السوفيتية.
كما أن المواطن الروسي تكونت لديه طباع اجتماعية ونفسية تاريخية وهي الخضوع للسلطة وتصديق ما تقوله من خلال وسائل الإعلام الرسمية وهي الوحيدة المتاحة عملياً. فأيام القيصر كان الروس يمجدونه ويسمونه الأب، وفي عهد الشيوعية كان الأمين العام للحزب والمكتب السياسي شبه مقدسين، وبعدهم جاء عهد بوتين وأصبح يلعب نفس الأدوار، لدرجة أن رئيس البرلمان الروسي (مجلس الدوما) فيتشيسلاف فولودين قال مرة: “روسيا هي بوتين”. وحتى بوتين أعلن ذات مرة أن العالم بدون روسيا لا يساوي شيئاً.
التوجهات الخارجية الروسية في عهد بوتين:
كان خطاب بوتين الشهير في 2007 في مؤتمر الأمن في ميونيخ كالقنبلة بالنسبة للغرب، عندما أعلن أنه لا يقبل بالقطب الواحد وسيدافع عن حقوق روسيا ومصلحتها القومية. وانتقد توسع الناتو شرقي أوروبا.
كما أن الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي تم إقرارها عام 2016 ركزت على المستجدات السياسية والعسكرية والأمنية في العالم التي تتطلب من روسيا اتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه المواقف غير الودية للدول الغربية حيال روسيا وبسبب القضايا الأساسية في المناطق المختلفة من العالم. وقد نصت الوثيقة الجديدة على “ازدياد دور القوة في القضايا الدولية”. وأكدت على حق روسيا في الرد على التهديدات الدولية من خلال تعزيز قدراتها الدفاعية واتخاذ القرارات المناسبة والمتكافئة على الأفعال الموجهة ضد روسيا من قبل الغرب (مثل العقوبات الاقتصادية وتوسع حلف الناتو بالقرب من الحدود الغربية لروسيا)
كما أن السياسة الخارجية الروسية البراغماتية تأخذ مصالح روسيا والنخبة الحاكمة بعين الاعتبار كأولوية. والمعارضة الروسية الممثلة بالأحزاب المشاركة في البرلمان الروسي (مجلس الدوما) كلها تجتمع على دعم السياسة الخارجية الروسية القائمة على فكرتي الوطنية الروسية والأرثوذكسية الروسية.
وكان التدخل الأمريكي في العراق عام 2003 تنبيها قوياً للروس بأن أمريكا لا تتقيد بالقوانين الدولية ويمكن انتظار أي شيء منها إن لم تصبح روسيا دولية قوية وتفرض احترام سياستها في الساحة الدولية.
وأحاطت بروسيا في العقد الأول من القرن العشرين سلسلة أحداث ثورية سميت “بالثورات الملونة”، التي حاولت تحقيق انعتاق تلك الدول من الأنظمة الشمولية التي ورثتها بعد انهيار المنظومة الشمولية الأم في الاتحاد السوفييتي. وقد شعرت روسيا بالخطر يحيط بها من كل جانب، وبدأت تخسر صداقة جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة وبلدان أوروبا الشرقية الواحدة تلو الأخرى. بالإضافة إلى أن أغلب تلك الدول أعلنت توجهها الموالي للغرب وبعضها انضم لحلف الناتو وأخرى للاتحاد الأوروبي.
وجاءت أحداث يوغسلافيا ضربة قوية للروس وخاصة نشوء دولة اسمها كوسوفو في بداية عام 2008 واعتراف الغرب بها مباشرة ومعاقبة ميلوسوفيتش وصربيا السلافية، لذلك تدخلت روسيا عسكرياً وبقوة في جورجيا في صيف 2008 واستولت رسميا على جمهوريتين اقتطعتهما من جورجيا وهما “أبخازيا” و “أوسيتيا الجنوبية” واعترفت باستقلالهما. وكان ذلك الموقف صادماً للغرب. لأن بوتين بدأ ينفذ ما يقول على أرض الواقع.
وتمكنت روسيا من عرقلة انضمام جورجيا إلى “الناتو “، وجعلتها دولة لا تتحقق فيها شروط عضوية الحلف، واستخدمت لاحقاً نفس النهج مع أوكرانيا بعد ضم القرم.
ولقد ترك في نفس الرئيس بوتين أثراً عميقا ما جرى في العراق وليبيا. فالولايات المتحدة أسقطت نظام صدام حسين وسمحت بقتله شنقاً عام 2006. وكذلك حدث مع القذافي الذي اتخذ قرار دولي في 2011 بالتدخل في ليبيا وامتنعت روسيا عن التصويت ما سمح للقرار الدولي بالنفاذ، حيث أسقط نظام القذافي وقتل شخصياً.
ولا ننسى أن روسيا تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث يفيد استبيان مركز ليفادا الروسي بأن حوالي 57 % من الروس يرون أن الأيام القادمة ستكون سيئة جداً، و71% من الروس قلقين على مستقبلهم، بينما ثلاثة أرباع سكان روسيا ليس لديهم مدخرات تعينهم وقت الازمة. وهناك الملايين سيبقون بدون عمل بعد انتهاء الوباء. كما أن عدد الفقراء في روسيا يقدر بأكثر من 20 مليون وفق الاحصاءات الرسمية ولكنه في الواقع اكثـر من ذلك.
العلاقات الروسية السورية:
نتحدث أحياناً عن الصداقة بين الدول والشعوب ولا ندقق في عمق هذه الصداقة وأبعادها التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وفي واقع الحال هناك مستويات للعلاقات بين الدول، حيث أن الدولة تتضمن النظام والشعب والأرض.
وإذا راجعنا العلاقات الروسية/السورية، التي نشأت تاريخياً منذ أكثر من ألف سنة، عندما انتقلت المسيحية إلى روسيا الكييفية (نسبة لمدينة كييف) وأعلن الأمير فلاديمير اعتناق الديانة المسيحية. عندها لعب السوريون في ظل بيزنطة دوراً أساسيا في نشر المسيحية في العالم بما فيها روسيا. وأصبحت العلاقات الروحية قوية جداً بين روسيا وبلاد الشام. وحتى أن بعض المستشرقين الروس يرون بأن اللغة الكيريلية (الروسية) وضع أبجديتها قديسان من أصول سورية بيزنطية وهما كيريليوس (بالروسي كيريل) وميفوديوس (بالروسي ميفوديا).
وتطورت العلاقات وتعمقت حتى أصبحت الكنيسة الروسية تابعة لبطريركية دمشق وسائر المشرق وتم إصلاحها أكثر من مرة على يد البطاركة السوريين، إلى أن تم تحويل المطرانية الروسية إلى بطريركية منذ عدة قرون. ومعروفة رحلة البطريرك مكاريوس بطريرك انطاكية وسائر المشرق إلى روسيا منذ ثلاثة قرون تقريباً وإشرافه على حل مشاكل الكنيسة الروسية وترقيتها لتصبح بطريركية مستقلة بعد أن كانت مطرانية.
ثم أن اهتمام الروس، وخاصة منذ القرن التاسع عشر، ببلاد الشام كان متميزاً من خلال زيارات الحجاج الروس للأماكن المقدسة في فلسطين وشراء الأراضي والعقارات وإنشاء المدارس الروسية لتعليم الأطفال في فلسطين ولبنان وسورية، والتي تخرّج منها الكاتب اللبناني المعروف ميخائيل نعيمة، وتبع ذلك إنشاء الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الارثوذكسية التي تعمل حتى اليوم وتحظى باهتمام السلطات الروسية وشخصيات اجتماعية كبيرة.
وعندما حصلت سورية على استقلالها عام 1946، والذي دعمه حينها الاتحاد السوفيتي في عصبة الأمم المتحدة، بدأت العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية بين البلدين. ومعروفة صفقة الأسلحة الروسية التي اشترتها سورية عن طريق تشيكوسلوفاكيا في 1957.
في أواسط القرن الماضي بدأت صداقة واسعة بين الدولتين السوفيتية والسورية. فالتواصل كان على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية. وتبلورت لدى السوريين مشاعر حقيقية حول أهمية الصداقة مع الاتحاد السوفيتي ليس فقط على المستوى الحكومي وإنما على المستوى المجتمعي.
وفي مرحلة الستينيات تمسكت موسكو بقوة بالدفاع عن النظام البعثي في دمشق بحجة أنه يتبع نهجاً اشتراكيا ولكن هذا جزء من الحقيقة. وللتاريخ فليست الأيديولوجيا هي فقط من حدد تلك الصداقة والدعم السوفيتي لنظام البعث بل المصالح الجيوسياسية لموسكو فسرت ذلك التمسك السوفيتي بالنظام في دمشق.
وفي فترة حكم البعث بدأت ملامح تعاون وصداقة جديدة تتبلور بين سورية والاتحاد السوفيتي، بالرغم من وجود علاقات وزيارات وتعاون بين الأحزاب والنقابات والمنظمات الاجتماعية. إلا أن التعاون الأبرز كان بين الأجهزة العسكرية والأمنية بحكم طبيعة النظام في البلدين. فالنظام السوفيتي كان شمولياً بامتياز حيث كانت قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي ومكتبه السياسي هي الحاكم المطلق للبلاد وكل ما عدا ذلك هو تكملة صورة.
ونظام البعث كان أيضا شموليا وبالرغم من إنه أبرز إعلاميا دور الحزب والنقابات في الحكم والمجتمع إلا أن الحقيقة كانت بأن السلطة والقرار كله كان بيد أجهزة الأمن والجيش وكان نظاما كرس الطائفية كما كتب عن ذلك بشكل مفصل الراحل ميشيل كيلو في كتابه “الانتقال من الإمة إلى الطائفة…” ونشره عام 2020.
وأسوأ مرحلة مرت في سورية كانت في ظل الأسد، الذي ألغى عمليا دور المنظمات والأحزاب والمجتمع وحول الحكم إلى نظام أمني قمعي فاسد.
وتأثرت العلاقة مع روسيا لتتناغم مع هذه الحالة، سيما وأن النظام في موسكو كان أيضاً أمنياً عسكرياً مع رتوش مقتبسة من الحياة المدنية والاجتماعية لتزيين النظام إعلامياً وتقديمه على أنه شعبي بامتياز.
والغريب أن طبيعة العلاقات لم تتغير بين روسيا وسورية بل تعمقت بين الأجهزة الأمنية والعسكرية دون أي اعتبار للعلاقات الاجتماعية والثقافية والنقابية. فروسيا أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي دولة شبه رأسمالية هدفها الأعلى هو مصلحتها الاقتصادية والجيوسياسية وتراجعت المبادئ والقيم إلى الوراء وهذا ينسجم إلى حد بعيد مع طبيعة الدولة البوليسية التي بناها حافظ الأسد.
- أسباب الدعم الروسي لنظام الأسد
كانت الثورة السورية، التي انطلقت في آذار/مارس 2011، ثورة سياسية اجتماعية شعبية شارك فيها الشباب والطبقات المتوسطة وكل المهمشين في المجتمع بحثا عن الحرية والحياة الكريمة. وفي 2012 أصبح نظام الأسد القمعي الفاسد في مرمى الثوار والمقاتلين وكاد أن يسقط لولا تدخل إيران وميليشياتها الطائفية وخاصة حزب الله اللبناني.
ولكن روسيا اتخذت قرارا استراتيجيا بعدم السماح بسقوط نظام الأسد لكيلا تتكرر تجربة العراق وليبيا، والتي قد تصبح أمرا عاديا في العلاقات الدولية وتصل الى دول أخرى. واعتقد أن هذا القرار اتخذ في الدوائر العالمية. والتنفيذ وقع على روسيا والنظام وايران وقوى اخرى اقليمية، لأن لها مصالح جيوسياسية مشتركة. والدليل أن الاوروبيين والامريكان منذ انطلاقة الثورة السورية كانوا يقولون لنا اذهبوا الى روسيا وبيدها الحل. ولكن ما نشهده اليوم، بالرغم من أن روسيا بالواجهة، إلا أن الحل ليس بيدها بل بيد أمريكا واسرائيل، أما روسيا فتعمل من خلال التنسيق معهم (نذكر القمة الأمنية الثلاثية الامريكية الاسرائيلية الروسية في القدس في صيف 2019).
قبل الثورة كان حجم التبادل التجاري بين موسكو ودمشق لا يزيد عن مليار دولار، وعندما تورّث بشار الأسد الحكم عن ابيه عام 2000 لم يزور موسكو إلا بعد 5 سنوات بينما زار معظم الدول الأوروبية، ما يدل على أن توجهاته كانت غربية بامتياز وهو الذي درس لفترة في بريطانيا وتزوج من أسماء الأخرس، التي ولدت وتربيت في بريطانيا وكانت تعمل في بنك أمريكي معروف في لندن. وقد صرح مسؤولون روس من أعلى المستويات أن الأسد ليس صديقنا ولا حليفنا بل هو أقرب للغرب.
إذا ما السر في السياسة الروسية بالدفاع الشامل عن نظام الأسد بكل المجالات: العسكرية والاقتصادية والأمنية والإعلامية والسياسية؟
السبب بلا شك يكمن في أن روسيا، التي ورثت الاتحاد السوفيتي حافظت على توجهاته الخارجية السياسية والجيوسياسية (والدليل أنها وطدت صداقتها مع الأنظمة الشمولية التي كانت تسمي نفسها “وطنية تقدمية” وكانت صديقة للاتحاد السوفيتي ونموذجا مصغرا عنه)، ولكنها اختلفت عنه في ان سياستها ومواقفها اتسمت بالبراغماتية وهي تنطلق من المصلحة الخاصة أولاً، ولم تعد أيديولوجية (شيوعية). فروسيا المعاصرة دولة تطبق النظام الرأسمالي، وإن كان بشكل مشوه، وليس لها علاقة بالشيوعية.
لم نفهم كسوريين تماماً، ولم نتوقع ان تلتزم موسكو إلى هذه الدرجة المطلقة بالدفاع عن نظام ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية في سورية. ويقول المطلعون إن النظام السوري يشبه الصندوق الأسود، الذي لو فُتِحَ للعالم لكشف الستار عن أسرار وحقائق خطيرة تفضح الدول والحكومات وأجهزتها الأمنية والعسكرية المختلفة، وتكشف تورطها في ملفات كبيرة تصل الى حد الجريمة بحق شعوب المنطقة..
ويرى بعض الخبراء الروس أن نظام الأسد هو “الأكثر وحشية” في الشرق الأوسط، وأنه لا يقبل الحلول السياسية. ويرى آخرون أن النظام غير قادر على إدارة البلاد نتيجة ضعف القيادة وتفشي الفساد، بالإضافة الى الصراعات داخل النخبة الاسدية الحاكمة وتذمر السوريين معارضة وموالاة وشرائح رمادية من تدهور الحياة الاقتصادية والمعيشية
- أسباب التدخل العسكري الروسي في سورية:
- خسرت روسيا اوكرانيا عام 2014 فقامت فوراً بضم شبه جزيرة القرم لروسيا وتدخلت عسكريا في شرقي أوكرانيا مما عرضها لعقوبات غربية مؤلمة، طالت شركات الأسلحة والبنوك والشركات النفطية ورجال الأعمال المقربين من الكريملين واغلب مسؤولي الأمن والجيش والوزراء، وكلفت روسيا عشرات المليارات من الخسائر.
- أهم سبب للتدخل الروسي في سورية هو السعي لإثبات روسيا نفسها كقوة عالمية عظمى لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة (بالرغم من أن باراك أوباما قال عن روسيا أنها قوة إقليمية)، وأرادت اجبار الغرب للتعامل معها واحترام رأيها. بالإضافة إلى أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا لم يحقق تقدما ولم يقدم مخرجا من الأزمة الأوكرانية، حيث استمر سكان شرقي أوكرانيا متذمرين لأنهم ايدوا روسيا وارادوا الانضمام اليها فلم تستقبلهم موسكو، وبقوا تحت ضغط الجيش الأوكراني.
- وقد ارادت موسكو من التدخل العسكري الروسي ابعاد نظر المواطنين الروس عن صعوبة الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة والتي نتج بعضها من العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا (تركيا وإسرائيل لم تعترفا بالعقوبات!)، ومن تكاليف التدخلات الروسية في أوكرانيا ونتيجة ضم القرم التي تحتاج لمبالغ كبيرة لإحيائها وتنميتها. ويكفي ان نذكر بأن نسبة الفقراء في روسيا باعتراف الدولة يقارب 20 مليون شخصا، علما ان الخبراء يؤكدون بأن الرقم قد يكون مضاعفا. وهنا يكفي أن نذكّر بقول الكسي كودرين وزير المالية الأسبق والمقرب من الرئيس بوتين ورئيس غرفة الحسابات والرقابة المالية في روسيا: إن لم تتراجع روسيا عن تدخلاتها الخارجية وسعيها للتوسع، فإن مصير الاتحاد السوفيتي ينتظر روسيا. ويدعو كودرين الى التركيز على التنمية الداخلية وخاصة الاهتمام بالوضع الصحي والتعليمي للمواطنين وتخفيف النفقات على الدفاع.
- تنظر روسيا الى سورية كجزء من المنطقة وهي ترسم مواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط على ضوء الصراع الجيوسياسي العالمي ولا تأخذ طموحات الشعب السوري بالاعتبار ولا معاناته ولا مطالبه الإنسانية المشروعة. وبلا شك فإن القواعد العسكرية الروسية العديدة في سورية هي جزء من استراتيجية روسية خارجية تهدف لجعل سورية بوابة ونقطة انطلاق نحو الشرق الأوسط.
- لروسيا أهداف اقتصادية من خلال استثمارات الشركات الروسية في مجال النفط والغاز والفوسفات والمجالات الأخرى
- وهناك أهداف عسكرية من خلال بيع الأسلحة وتجريبها في سورية بالرغم من أنها قتلت عشرات الآلاف من الابرياء السوريين. وهنا يقال في موسكو بأن وزارة الدفاع الروسية اغتنت كثيراً بعد 2015 لأنها روجت لأسلحتها وزادت المبيعات بعدة مليارات من الدولارات.
- أهداف سياسية: موسكو لا تقبل أن يتم تغيير الرؤساء عن طريق الثورات والدعم الخارجي، بل كما تدّعي بالانتخابات والطرق السلمية، علماً أن هذا مستحيل في الأنظمة الشمولية المافيوية.
- كما أن لافروف أكد منذ انطلاقة الاحتجاجات في مصر بأن روسيا لا ترحب بالثورات. وعندما طلب وفد المعارضة السورية من السيد لافروف (وكنت عضوا في ذلك الوفد) أن يتفهم مطالب الشعب السوري بضرورة تغيير النظام الاسدي الاستبدادي الفاسد، رد لافروف بعبارة واضحة: إما أن تتفاهموا مع النظام وتقبلوا به أو “انتظروا بحراً من الدماء!”. وهذا ما حدث. جرت أنهار من الدماء. وهذا يذكرنا بشعار المافيا الاسدية: إما الأسد أو نحرق البلد. وقد حرقوا البلد.
- وهناك أهداف دينية من قبيل منع تشكيل دول في المنطقة أغلبها من السنة بحجة أنها ستقتل الأقليات (قال ميدفيديف إذا استلم السنة الحكم في سورية فإنهم سيقتلون العلويين). وهناك اعتقاد مزيف بأن النظام الاسدي علماني بغض النظر عن طبيعته الأمنية البوليسية الفاسدة واستخدامه للطائفية. بالإضافة الى اللعب على وتر الروابط التاريخية بين روسيا القيصرية ومسيحيي الشرق للقول بأن روسيا هي المدافع الحقيقي عنهم منذ سقوط القسطنطينية. كما نذكر بأن الكنيسة الارثوذكسية الروسية أعلنت مرة بأن التدخل العسكري الروسي في سورية هو جهاد مقدس (أي ديني).
- وفي مقابلة تلفزيونية مع الجنرال الروسي فيودوروف الذي عمل ملحقاً عسكرياً في دمشق أيام حافظ الأسد. يقول الجنرال بأن الخبراء الروس هم من أوحى لحافظ الاسد بتوريث السلطة لابنه بشار لكي يحافظ على هيمنة العائلة والطائفة ولم يرغب السوفييت بترشيح مصطفى طلاس أو عبد الحليم خدام لأنهما غير واثقين من صداقتهما لموسكو.
- وسّعت من تدخلها العسكري للعب بالورقة السورية في سوق النخاسة العالمي. فهي راهنت على الورقة الطائفية وراهنت على ورقة المسيحيين وادعت انها تحميهم من الإرهاب وتاجرت بورقة الأكراد وتغيرت مواقفها منهم أكثر من مرة وخاصة بعد تحالفها مع تركيا التي تعتبر ميليشيات قسد خطرا على امنها القومي باعتراف روسي.
- بما أن روسيا لم تقدم على مدى 10 سنوات أي خطة للحل السياسي الواقعي والمقبول وساهمت بتدمير سورية الى جانب نظام الأسد إذا فالتدمير الحاصل قد يخدم مصالح روسيا لأن الشركات الروسية ستكون لها حصة الأسد وكسب المليارات من خلال إعادة الإعمار. ولكن اليوم وبعد انتهاء الحرب فالوقت ليس لصالح روسيا بل هي أمام تحدي كبير بالانتقال الى مرحلة البناء السلمي. ولكن المعوقات كثيرة وجدية واهمها ان المجتمع الدولي يطالب بتغيير سياسي في النظام وهذا يعني احتمال خسارة روسيا لمصالحها في سورية
- وقد شرح لافروف سبب التدخل العسكري الروسي في سورية وهو منع سقوط نظام الاسد حيث وصلت المعارضة المسلحة إلى دمشق ولولا روسيا لسقطت دمشق، بينما في مرات اخرة أعلنت موسكو انها دخلت سورية لمحاربة الإرهاب وآلاف المتطرفين الإسلاميين من أصول سوفيتية لمنعهم من العودة ومعهم السلاح الى روسيا.
- نتائج السياسة الروسية في سورية:
جيوسياسياً:
- بالرغم من الانتصار العسكري الروسي، والذي توقعت موسكو بأنه لن يطول عن ثلاثة أشهر، إلا أنها لم تنجز مهمتها ولم تحقق انتصارا جيوسياسيا يتعلق بالصراع الدولي. فالولايات المتحدة مع تعاقب الإدارات (الجمهورية والديمقراطية) فيها ما زالت تعادي موسكو وخاصة في ملف أوكرانيا المتوتر جدا هذه الأيام والذي اقترن بعقوبات غربية كبيرة ضد روسيا، إلا أن المتابعين للملف السوري والأدوار الإقليمية والدولية يؤكدون على وجود تفاهمات أمريكية روسية في سورية قد لا تصل الى مرحلة حسم الوضع في سورية لكنها تأكدت من خلال القمة الأمنية الرفيعة الامريكية الروسية الإسرائيلية في صيف 2019، والتي من المتوقع أن تكون روسيا تعهدت بضبط الوضع السياسي والأمني مستقبل في سورية بحيث تحافظ على أمن دولة إسرائيل كونها أولوية لها رقم واحد ، مثلما هي بالنسبة للولايات المتحدة، وكذلك بأن تعمل موسكو لإخراج ايران من سورية (وغير مفهوم كيف سيتم ذلك باستثناء صمت موسكو عن الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية وكذلك المنافسة في المجالات الاقتصادية والأمنية المتعلقة بالنظام السوري). أي أن موسكو لم تتمكن من فرض سياستها في الساحة الدولية كقوة كبرى لأن الغرب ما زال في حالة مجابهة ويمارس ضغوطات كبيرة على موسكو.
- للأسف، تعتقد بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها على أن تطبيع العلاقة مع النظام قد يؤثر سلبا على الوجود الإيراني ولكن هذه أوهام، والأسوأ من ذلك هو توجه تلك الدول الى التطبيع مع إسرائيل أيضا لمحاربة ايران علما ان تلك الدول نفسها لها علاقات تعاون واسعة مع ايران!
- وحتى لو اعتبرنا فرضا ان إمكانية إعادة الاعمار قد تؤثر على تحسين حياة السوريين وقد تدفع النظام لبعض التنازلات، إلا أن الحقيقة أن النظام فاسد وقمعي ولا يؤتمن أبدا على مستقبل سورية. وليس صدفة أن قال دبلوماسي أمريكي منذ سنوات بأن المعضلة التي تجابه الكريملين، تكمن في أنه يريد جذب الاستثمارات إلى سورية، لكنه يتغاضى عن أن النظام السوري فاسد ولا يثق به الممولون.
- نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية بتاريخ 24 /10/2016 مقالة بعنوان: “أمريكا حققت مهمتها الأساسية في سورية” وإن روسيا تتورط في حرب لا تعرف نهايتها! وهذا يؤكد الاستنتاج بأن موسكو اليوم تقف أمام تحديات كبيرة تهدد وجودها في سورية وتهدد مصالحها إن لم تتعاون مع الدول الأخرى لفرض حل سياسي مقبول يخلق الاستقرار.
- وسمعنا تصريحات وتعليقات حول انتصار النموذج الروسي في حل المشاكل وقمع الثورات وهو الذي قدمته في سورية. فهل استخدام القوة المفرطة في قمع الشعب السوري هو النموذج الروسي الافضل لدول المنطقة؟ وهل فرض انظمة شمولية قمعية فاسدة هو النموذج الأفضل؟ ام يجب احترام ارادة الشعوب ومنحها حقها في العيش الحر الكريم. وكما قال فيودور لوكيانوف الخبير الروسي في السياسة الدولية ومدير أبحاث منتدى فالداي للحوار: هل الأموال الصينية والطائرات الروسية ستخلق الاستقرار في الشرق الأوسط؟
عسكرياً:
- بلا شك انتصرت روسيا عسكريا في سورية بعد تدخلها عام 2015 ولكن هذا الانتصار بين قوى غير متكافئة بالمطلق فمن جهة فصائل معارضة مسلحة اغلبها غير محترف ولديه أسلحة لا يمكن مقارنتها بأسلحة روسيا التي تمتلك جيش من أكبر جيوش العالم، واستخدمت خلاله أحدث الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا. وباعترافات وزير الدفاع الروسي وحتى الرئيس الروسي، جربت روسيا 350 صنفا من الأسلحة الجديدة في سورية وكأن سورية حقل تجارب للعمليات الميدانية. بالإضافة الى أن روسيا دربت حوالي 63 ألف ضابط من رتبة جنرال وحتى عسكري. وبالطبع خسرت روسيا مئات القتلى في جنودها وكبار ضباطها، بما فيهم طيارين وخسرت طائرات مقاتلة ومروحيات بما فيها طائرات حربية حديثة وطائرة استطلاع تجسسيه مزودة بأحدث التكنولوجيا وعلى متنها حوالي 14 خبير عسكري بالتقنيات الحديثة. وتفيد المعطيات الرسمية لدائرة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، بأن القوات الجوية الفضائية الروسية قامت منذ بداية العملية في سورية بأكثر من 28 ألف طلعة، ووجهت نحو 90 ألف ضربة جوية. ولأول مرة تم استهداف مواقع الإرهابيين بصواريخ “كاليبر” المجنحة. كما وجهت ضربات إلى الإرهابيين قاذفات استراتيجية بعيدة المدى. وحسب تقارير وسائل الإعلام، فقد استخدمت في سورية لأول مرة القاذفات الاستراتيجية “تو 160″ و”تو 95”. كما تم القضاء على 54 ألف إرهابي في سورية منذ بدء العملية. علماً أن الوقائع تفيد بأن القوات الروسية قصفت مواقعا مدنية واخرى تخص المعارضة ولا تمت بصلة للإرهابيين وذلك ضمن عملية تثبيت نظام الأسد ومنعه من الانهيار. وبالرغم من أن التقديرات غير الرسمية تقول بأن عدد القتلى الروس يقدر بعدة مئات، إلا أن بيانات وزارة الدفاع الروسية تفيد بأن 39 عسكريا روسيا فقط لقوا مصرعهم في سورية. وتم منح 4 منهم لقب “بطل روسيا”. وخسرت القوات الروسية 4 مروحيات وطائرتين خلال العملية العسكرية. لكن مصادر المعارضة الروسية تذكر بأن تكاليف التدخل العسكري في سورية تزيد عن 5 مليار دولار.
- وبالرغم من كسب روسيا قاعدتين عسكريتين: جوية في حميميم بالقرب من اللاذقية وبحرية في طرطوس، وفق اتفاقيات باستخدام الأراضي السورية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد وبحقوق تخرق السيادة السورية مثل حصانة القوات العسكرية المتواجدة في القواعد. بالإضافة الى عشرات القواعد العسكرية الروسية الصغيرة المنتشرة في المطارات والمواقع المختلفة، إلا أنها غير مستقرة عمليا بسبب عدم استقرار الوضع العام في سورية وتعدد الدول والميليشيات المحتلة على الأراضي السورية والتي يمكن ان تهدد الوجود الروسي مادام الوضع بلا حل سياسي مستقر.
- شكلت روسيا فيلقا عسكريا تابعا لها هو الفيلق الخامس ولكنه يصارع الفرقة الرابعة وتشكيلات عسكرية تابعة لطهران.
- من اللافت ان الروس تحدثوا رسميا وكذلك في وسائل الاعلام بأنه لم يتبق من الجيش العربي السوري سوى ميليشيات تقتات على الحواجز وتلعب دور تشبيحي، وبعضهم دعا الى إعادة تشكيل الجيش ليصبح جيشا وطنيا[1]، بينما تشير تصريحات الرئيس بوتين في نهاية 2016 إلى أن الروس غير واثقين من حلفائهم الايرانيين والسوريين بعد سقوط حلب، حيث صرح: “آمل للغاية، ان يتمكن الجيش السوري من الحفاظ على سيطرته على حلب..” وذلك مرتبط بالهزيمة المدوية، التي منيت بها قوات الأسد والقوات الإيرانية في تدمر، حيث هربوا وتركوا الروس لوحدهم وسقطت تدمر بيد داعش.
- من اللافت أن موسكو تعتمد كثيرا على الطرق غير الرسمية في الترويج لأجنداتها في المجالات المختلفة. فمثلا لم ترسل قوات برية إلى سورية باستثناء الشرطة العسكرية لأغراض الحماية والقيام بدوريات بينما أرسلت قوات مرتزقة من الشركة الأمنية الخاصة “فاغنر” التابعة لرجل الاعمال المقرب من بوتين وهو يفغيني بريغوجين صاحب شركات نفط وغاز تعمل في سورية منذ بداية الثورة. ولا يعترف الكريملين رسميا بقوات فاغنر علما انهم يعملون في دول عديدة مثل ليبيا وفنزويلا وجمهورية افريقيا الوسطى والسودان بإشراف الجهات الرسمية، لدرجة ان الامريكان عندما قتلوا مئات المرتزقة من فاغنر في دير الزور في 2018 لم تعترف موسكو بالحادث وانما اكتفت الخارجية الروسية بالقول قتل 4 اشخاص روس.
- وردت اخبار غير مؤكدة بأن روسيا شكلت عدد من الفروع الأمنية لحماية المؤسسات الاستراتيجية في سورية مثل الإذاعة والتلفزيون والبنوك والمكتبة المركزية وأهم الوزارات وغيرها.
سياسياً:
- اتذكر في بداية الاحداث عندما بدأ الاسد بقتل السوريين مستخدما الجيش والاسلحة الثقيلة، كان لافروف يقول ان الوضع في سورية لا يستدعي مناقشته في الامم المتحدة لأنه لا يهدد السلم العالمي. ولكن عندما أصبح نظام الاسد في خطر أصبح الروس يقولون ان سيادة سورية واستقرارها في خطر وأصبح الوضع خطرا على الامن والسلم العالمي.
- تمكنت روسيا بمساعدة تركيا من عقد مفاوضات بين المسؤولين الروس وممثلي فصائل المعارضة المسلحة في انقرة في ديسمبر 2016، وهي نفس الفصائل التي كانت تتهمها وزارة الخارجية الروسية سابقاً بأنها إرهابية، مثل “أحرار الشام” و “جيش الاسلام”. وحتى أن رئيس وفد المفاوضين باسم المعارضة إلى استانا هو من “جيش الاسلام”. وأراد الروس تهميش دور “الهيئة العليا للتفاوض” كهيئة سياسية، بالتركيز فقط على الفصائل المسلحة.
- يُشهد لموسكو أنها اقامت علاقات متينة مع أنقرة، ولكنها لم تصل الى حد الشراكة الاستراتيجية فتركيا عضو في حلف الناتو وهذا أمر لا يمكن تجاوزه ببساطة بل هناك مصالح اقتصادية وسياحية واستثمارية مشتركة بين البلدين. ونلاحظ في هذه الفترة اختلافات جدية بين البلدين بسبب نشاطات القيادة التركية في أوكرانيا وقره باغ وفي جورجيا والبحر الأسود وملفات أخرى، دفعت موسكو لإيقاف السياحة الى تركيا بحجة الكورونا.
- بدأت روسيا بالتعاون مع تركيا ومع ايران لاحقاً بعقد مفاوضات أستانا التي استمرت حتى عام 2021 وعقدت 15 جلسة، وحققت نتائجا خطيرة لصالح النظام وحلفائه، وأهمها اتفاقية مناطق خفض التصعيد التي ادعت الدول الثلاثة الضامنة ان الهدف منها هو وقف اطلاق النار، لكن اتضح لاحقا انها فخ لاسترجاع تلك المناطق بمشاركة روسية وايرانية عسكرية فعالة كما حدث في دوما، فاصبح النظام مسيطرا على حوالي 64 % من اراضي سورية بينما كان قد فقد قبل التدخل العسكري الروسي، السيطرة على ثلثي مساحة البلاد على ايدي فصائل الجيش الحر والفصائل الاخرى. ولكن النظام حاليا لا يسيطر الا على 17% من الحدود البرية السورية وفقد السيطرة عمليا على كل المطارات والموانئ لأنها تحت اشراف روسيا وإيران وامريكا والميليشيات المختلفة.
- اتبعت موسكو طرقا سياسية خبيثة مثل مفاوضات استانا واختراع قصة الدول الثلاثة الضامنة علما أن إيران وروسيا مشاركتان في الحرب إلى جانب النظام، وأصبحت تركيا تتماهى مع الموقف الروسي، وما نتج عنها من استرجاع اراضي لصالح الأسد، وكذلك ابتدعت موسكو مؤتمر سوتشي يناير 2018 تحت مسمى طنان وهو مؤتمر الحوار السوري -السوري (كانت تريد تسميته مؤتمر الشعوب السورية ولكن هناك من نصح بأن العنوان استفزازي لأغلبية السوريين). وقد حضره حوالي 1500 شخص اغلبيتهم الساحقة اختارتهم أجهزة الأمن السورية، وحينها اقترحت تشكيل لجنة للإصلاح الدستوري بموافقة من الأمم المتحدة وبرضى أمريكي. وبهذا قلبت موسكو تسلسل أولويات الحل السياسي في سورية التي وردت في قرارات جنيف-1 لعام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، اللذين نصا على تشكيل هيئة حكم انتقالية تقود العملية السياسية. أما اللجنة الدستورية والدستور فلم يشكل يوما هما رئيسيا للسوريين كون المشكلة في سورية سياسية بامتياز وتتعلق بطبيعة النظام السياسي. وهنا ندرك كيف تكمل بعضها البعض سياسة موسكو وسياسة النظام بإغراق السوريين في التفاصيل المملة والفارغة، وكل ذلك يحدث بتطبيل دولي واقليمي في الجوقة الروسية الامريكية التي لا تريد تغيير النظام السوري.
- لعبت موسكو بورقة الأقليات الدينية والقومية. حيث قال رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية ليونيد سلوتسكي أثناء تواجده في دمشق في 20 مارس 2017، أنه لا يمكن تحقيق مصالحة في سورية دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقليات. وأول من طرح فكرة الفيدرالية هو نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف. فنجد أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعلن صراحة بأن انتصار المعارضة السورية يعني قيام دولة سنية ستقتل العلويين[2]. ولا يبدو هذا الاهتمام الروسي بالموضوع الطائفي صدفة فروسيا تتحالف مع ما يسمى “الهلال الشيعي” المكون من إيران والحكومة العراقية ونظام الاسد وحزب الله اللبناني، الذين ساهموا في ابقاء الاسد في السلطة حتى اليوم.
- وهناك فكرة جديرة بالاهتمام وقد قلتها مرارا وتتلخص فيما يلي: روسيا تدرك ان مصالحها لن تكون محفوظة في سورية الموحدة (لارتكاب روسيا جرائم ضد الأغلبية السورية) لذلك ستوافق قبل اي جهة اخرى على تقسيم سورية لحفظ مصالحها في دولة ممزقة (دويلة علوية ودويلة كردية تربطها بروسيا مصالح وصداقات) اما البقية فلا خبز لروسيا فيها. كما أن دميتري مدفيديف حذر من تفكك سورية إلى تجمعات إرهابية وقال يجب “الاتفاق على مستقبلها عبر المفاوضات”. مع أن روسيا تبذل كل ما تستطيع لاسترجاع منابع النفط والثروات الزراعية والحيوانية الى سيطرة النظام لتمويل الإعمار المزعوم.
- وتعتمد موسكو أدوارا سياسية لشخصيات ليست من المستوى الرفيع في الدولة ليقوموا بوساطات ولعب أدوار تسهم في تطبيق الاجندات الروسية مثلا الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف يقوم بمهمات حكومية غير رسمية لتوطيد التعاون الروسي مع دول الخليج، وكذلك ساهم في إطلاق سراح البحارة الروس وله علاقات ودية مع جهات ليبية مؤثرة وارسل مساعدات إنسانية لمناطق النظام وساهم في إعادة ترميم بعض المساجد في سوريا (كما نقلت وسائل الاعلام).
اقتصادياً:
- تم توقيع 30 اتفاقية عام 2018 من خلال اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون بين البلدين ولم ينفذ منها بعد سنتين إلا القليل، والسبب حسب رأي الروس هو ان الأسد كان يتلاعب وكان يتأثر بإيران. ولهذا السبب بالذات ذهب وفد رفيع الى سورية مكون من نائب رئيس الحكومة الروسية يوري بوريسوف ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عام 2020 لحل المشاكل الاقتصادية وكذلك اللجنة الدستورية التي لم تتقدم خطوة واحدة منذ تشكيلها.
- أسست روسيا عدد من الشركات بأسماء سورية ولكنها تعمل تحت اشراف روسي في مجالات النفط والغاز ومجالات تجارية واستثمارية.
- يتنامى تأثير بعض الأطراف غير الحكومية على السياسة الروسية في الشرق الأوسط. ويدور الحديث عن شركات الطاقة الروسية والوكالة الدولية للتنمية السيادية التي أُنشئت في روسيا في عام 2019. ومن اللافت أن دور هذه الوكالة التي يترأسها قسطنطين مالافييف، يقتصر على توزيع أصول الشركات العسكرية الروسية الخاصة
- نشرت وسائل الاعلام الروسية تفاصيل هيمنة داعش على حقول النفط والغاز في حقل الشاعر بالقرب من حمص ، حيث تعمل شركات روسية وتبيع للنظام النفط والغاز الذي تشتريه من داعش وتتمتع بحماية داعش!
إعلامياً:
- قامت موسكو وبشكل متواصل على مدى 10 سنوات في الترويج لنظام الأسد وتلميع صورته وتبرئته من أي انتهاكات بما فيها استخدامه للأسلحة الكيماوية وتلقي التهم على معارضي نظام الأسد. وأكبر دليل عدد الفيتو التي استخدمتها موسكو في مجلس الأمن لمنع توجيه أي انتقاد لنظام الأسد عداك عن قبول انتهاكه لحقوق السوريين وارتكابه جرائم حرب.
- كانت في أغلب الأحيان وسائل الاعلام الروسية تأخذ معلوماتها واخبارها مباشرة من الإعلام السوري المعروف بكذبه وزيفه وتعتبر تلك الاخبار حقائق مطلقة.
- ومع ذلك في نيسان 2020 قامت وسائل الاعلام الروسية بحملة قوية غير مسبوقة ضد نظام الأسد وعائلته ووصفت بشار بأنه حاكم ضعيف ولا يتمتع بتأييد الى 20% من السوريين، وأن ماهر الأسد مجرم ويعمل في التهريب وأن رجال أعماله الاخوين قاطرجي يتعاونان مع داعش وقسد لشراء النفط والقمح. والهدف من تلك الحملة كان على ما يبدو “فركة أذن” لبشار لكيلا يخدع الروس في علاقاته الاقتصادية بشكل خاص
- وطبعا كانت ردة الفعل السورية حادة تجاه تلك الحملة الإعلامية الروسية وتمثلت بمقالة لخالد العبود هدد فيها بوتين وقال يمكننا ابلاغ مجلس الأمن بان روسيا دولة محتلة. وطرح أفكارا أخرى استهجنها الروس ولكنه استفزهم وأصبحوا يكررون ان النظام ليس حليفنا والأسد ليس صديقنا، ولكنهم كالبالع للسكين على الحدين ينتقدون الأسد عند الضرورة القصوى ولكنهم يستمرون بدعمه. كما ساهم في الرد على الحملة الإعلامية الروسية بهجت سليمان ببيان عدائي ضد روسيا، كتب أسماء بعض الموقعين دون علمهم. وروى أحدهم بان مسؤولين في الخارجية الروسية ضحكوا من البيان وعلقوا عليه باستخفاف وعدم احترام.
- التحديات أمام روسيا في سورية:
- تنظر روسيا إلى علاقاتها مع دول الشرق الأوسط باعتبارها ورقة من الأوراق الرابحة التي تلجأ إليها في تفاعلها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
- من جهة، تنظر روسيا إلى الشرق الأوسط باعتباره مصدرا مهما للاستثمارات، وسوقا لتسويق منتجات بعض قطاعات الاقتصاد الروسي (ومنها، بالدرجة الأولى، الصناعة الحربية، والإنتاج الزراعي، وقطاع الطاقة النووية، والنفط، والغاز، والبتروكيماوية). ومن ناحية أخرى، لا تزال الميزانية الروسية تابعة لأرباح تصدير النفط والغاز
- ومن الدوافع الأخرى وراء السياسة الروسية في الشرق الأوسط- كما تقول موسكو- كان القلق المستمر من الحركات الإسلامية المتطرفة في روسيا وآسيا الوسطى
- تدرك القيادة الروسية بكامل الوضوح أن الظروف الاقتصادية قبل كل شيء تمنع بلادها من لعب دور قيادي في هذه المنطقة. ولا تزال دول الشرق الأوسط تركز في المجال الاقتصادي على التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والصين والهند التي تشهد النهضة.
- تخشى القيادة الروسية (وليس هذا الخوف بلا أساس) من أن يؤدي تقليص الوجود الروسي في المنطقة إلى تراجع اهتمام دول الشرق الأوسط، ولاسيما دول الخليج، بموسكو وإلى تراجع استعداد هذه الدول للتعاون.
- تأتي في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الروسية إيقاف توسع الناتو نحو حدودها الغربية واثبات أنها دولة عظمى ليس فقط في فضاء الجمهوريات السوفيتية السابقة وانما بعيدا عن حدودها (كما هو الحال في سورية).
- ما نلاحظه في المواقف الروسية أنها تتناغم مع السياسة الامريكية في نهاية المطاف (وافقت أمريكا على نتائج مفاوضات استانا كلها وعلى تشكيل اللجنة الدستورية ومقررات مؤتمر سوتشي وعلى التدخل العسكري الروسي في 2015).
- من خلال لقاءات الروس مع ممثلي الولايات المتحدة والدول الاوروبية والدول العربية المعارضة لبقاء الاسد تحاول روسيا اظهار نفسها بالمتعاونة وانها تتفهم تلك المواقف السياسية للشركاء وفي حالات اخرى تحاول روسيا ايصال رسائل لنظام الاسد بشكل صريح وعلني وتنقل مواقف الدول المعارضة للأسد.
- العامل التركي يؤثر على الموقف الدبلوماسي الروسي نظرا لأن أوساط رجال الاعمال الروسية تعطي اولوية للمشاريع الاقتصادية وتوسيع التعاون مع تركيا، خاصة أن تركيا تلعب دورا سياسيا مهما احيانا مخالف للموقف الروسي، يجب مراعاته (مكره اخاك لا بطل). وفي هذا الإطار يرى بعض الخبراء أن موسكو تخشى من انقلاب شركائها مثل تركيا وأحداث أوكرانيا تشير الى هذا الاحتمال الصعب بالنسبة لموسكو.
- غالبا ما تلجأ النخب المحلية في المنطقة إلى تعزيز التعاون مع روسيا بغية استخدام هذا الملف كورقة رابحة في المساومة مع واشنطن للحصول على شروط أفضل للتعاون الثنائي.
- وتريد روسيا أن تقول للمواطن الروسي انظروا حققنا أرباحا من الاستثمارات في سورية. وقد قالها دميتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي خلال وجوده في دمشق في 2014: المواطنون الروس ينتظرون تعويض كل دولار صرفناه في سورية! وسمعت من صديق روسي زار سورية مع وفد من رجال الأعمال منذ سنتين. قال لهم مسؤول سوري تعالوا واستثمروا وسنعطيكم امتيازات كبيرة. فرد عليه رجل أعمال روسي قائلا: نحن مستعدون للاستثمار وشركاتنا جاهزة، لكن قدموا لنا المال.
- قال صحفي روسي معتدل- حتى لو اعتبرنا أن الأسد انتصر في الحرب فإنه لن يكسب السلم. وهذا الذي يقلق الروس اليوم. ولكن الواقع يقول ان موسكو تخشى من التغيير في سورية
- يشكك بعض الخبراء الروس في جدوى الاتفاقيات طويلة الأجل التي عقدتها موسكو مع نظام الأسد المتهالك، ويذكرون بالاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع جورجيا وتركمنستان لبناء قواعد عسكرية لمدة 25 سنة، ثم الغيت بعد سنوات قليلة نتيجة تغير الأوضاع السياسية في تلك البلدان.
- روسيا ومستقبل سورية:
- التوجه السائد في الاوساط الرسمية الروسية حول آفاق الحل في سورية في الفترة القادمة هو سيناريو «النتيجة غير المحددة”، وهذا يعني أنه لا توجد خطة أكيدة وإنما حسب الظروف والوقائع يتم تحديد الحل بشرط ان يحقق أهداف الدولة قدر الإمكان. وهناك آراء اخرى حول هذا السيناريو:
- هذه المخاطر تؤثر على سمعة روسيا. ففشل المفاوضات حول الدستور ستظهر روسيا على انها فاشلة في لعب دورها الفاعل في سورية وسيبقى دورها شكلي.
- هذا السيناريو يتطلب من موسكو ان تبذل جهودا اضافية للتمسك بنظام الاسد وتأهيله وكذلك التخفيف من مظاهر الاحتجاج الشعبية على ضوء الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في سورية.
- على موسكو ان تبذل جهودا اضافية لحل المشاكل داخل بنية النظام والتي ظهرت للعلن مؤخرا.
- استعرضت القيادة الروسية مرارا تأثيرها على رأس النظام وتعاملت معه بطريقة مهينة. فالرئيس بوتين زار دمشق لمرة واحدة واستقبل الأسد في مقر القيادة العسكرية الروسية في دمشق، وكأن بشار هو الضيف وبوتين صاحب البيت. واستدعى بوتين الأسد بمفرده للمرة الرابعة (مرتين في روسيا ومرتين في حميميم) بلا مرافقة وبلا بروتوكول. وفي مرة نشر الروس فيديو يقوم أحد الضباط الروس بجر بشار من يده ويوقفه ليفهمه أنه لا يحق له مرافقة بوتين بل يجب أن يتوقف ويشاهد العرض العسكري من بعيد (ديسمبر 2019)
- زلت لسان لافروف عام 2012 وصرح بأن النموذج اليمني في الحل يمكن تطبيقه في سورية، أي أن يرحل الاسد وتجري اصلاحات معينة، لكنه تراجع بسرعة عن هذا المقترح.
- من الغريب أن الروس رحبوا باتفاق الليبيين في ابريل 2021 على حل سياسي يضمن سيادة ليبيا واستقلالها من خلال انتخاب مجلس رئاسي مكون من 3 اشخاص يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة ورئيس للحكومة الوطنية المؤقتة فلماذا لا يساهمون بحل سوري عادل.
- اذكر انني في سنة 2013 اقترحت على السيد ميخائيل بوغدانوف مقترحا بتطبيق السيناريو اليمني في سورية، وأعدت طرح الموضوع على شكل مبادرة لإنقاذ سورية عام 2018 ، وكان جوهرها ان سورية تحتاج لتغيير يخلق استقرار ويضمن مصالح روسيا المشروعة ومصالح الشعب السوري. وفي 2020 أعدت المقترح للروس وبالرغم من أن المعطيات والظروف تغيرت ونضجت لتطبيق تلك الاتفاقية إلا أن الروس مازالوا يضعون رؤوسهم في الرمال.
- لقد توحد جميع السوريين في المعاناة ويجب ان يفتح ذلك عيونهم على وحدة المصير والهدف وهو انقاذ سورية من الكارثة التي فرضتها عصابة الأسد مدعومة من حلفائها وفي ظل صمت وتخاذل دولي معيب أمام إبادة الشعب السوري بكافة شرائحه.
- لقد أصبحت سورية ممزقة وموزعة بين نفوذ دول وميليشيات اجنبية ومرتزقة ومتطرفين والكل ينهش بجسم هذه البلاد بتغاضيهم عن أي مساعدة للناس أو نشهد في كل مكان في سورية نهب ثروات البلد لأمراء الحرب وتجار الدم.
- الموقف الروسي والأمريكي منعا حدوث حل سياسي وحافظا على نظام الأسد بالرغم من التصريحات والممارسات المختلفة للبلدين ولكن النتيجة واحدة وهي أن سورية أصبحت دولة فاشلة. ويتساءل الكثيرون: لماذا لم تقدم روسيا ولا أمريكا حلا سياسيا يخلق استقرارا في سورية ويخرج شعبها من الهولوكوست الذي تعيشه. وألم يحن الوقت لتتقدم موسكو بمقترح سياسي عقلاني يرضي الشعب السوري ويحافظ على مصالحها ويستقطب توافقا دوليا.
- فالأسد لا يصدق التعامل مع الروس وبدأوا يشعرون بذلك وهذا يفسر المقالات الروسية الناقدة بقوة، التي وجهت السهام ضد الأسد فاضحة ضعفه في إدارة البلاد وأن شعبيته لا تصل الى 20%، وانتشار الفساد في عائلته ومحيطيه وفي مجمل النظام وكذلك تبجح النظام ومناداته مدعوما من إيران بالحل العسكري بالرغم من ان موسكو تردد ليلا نهارا انها تريد الحل السياسي وبالفعل لم يعد من مصلحتها فتح معارك والاصطدام مع تركيا أو أمريكا.
- لولا تدخل موسكو العسكري في 2015 لسقطت دمشق. قالها الوزير لافروف وقبله قالها حسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون واعترف بذلك نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف. وكل منهم يحاول تثبيت انتصاره في الحرب الظالمة ضد الشعب السوري دعما لنظام استبدادي اجرامي فاسد.
- سرّب المحلل السياسي والمستشار في الخارجية الروسية رامي الشاعر في شباط/فبراير الماضي نص رسالة (قال إن هناك 40 رسالة بالخصوص) أرسلها بشار الاسد إلى الرئيس بوتين في عام 2013 يستنجد فيها بروسيا من امكانية توسع المعارضة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة، رغم أن النظام – كما ادعى الأسد – أوفى بوعوده وأتلف الاسلحة الكيماوية. ويبدو أن الكشف عن الرسالة في هذا التوقيت له دلالات عدة وتبعث رسائل مختلفة للعالم:
- إن مصير النظام يبقى معلقاً بيد روسيا التي انقذته في 2015 من السقوط وليس بيد إيران أو غيرها.
- رسالة للنظام الذي تسربت معلومات عن اتصالات بينه وبين دول غربية وإسرائيل لإمكانية التعاون معها والتخلي عن روسيا وإيران.
- ورسالة للعالم بأن موسكو مستعدة للتفاوض على مصير الأسد شريطة توفر الصفقة المناسبة لها.
- وتزايد عدد كتاب ومحللين روس يؤكدون أن استمرار وجود الاسد وعائلته في السلطة لن يساهم في استقرار سورية.
- الأمريكان يلعبون على هذا الوتر بالذات وهم غير مستعجلين على الحل من بداية الثورة وحتى اليوم. فهم من جهة يزيدون العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا وبسبب اعتقال المعارض الروسي نافالني والناشطين الآخرين، ووصل الامر الى درجة وصف بايدن لبوتين بأنه قاتل، وهذه حادثة تستحق التوقف عندها، فلها دلالاتها الكبيرة في العلاقات الدولية. وبالطبع يتزامن كل ذلك بتوتر وتصعيد غير مسبوق في العلاقات الروسية الأوروبية وخاصة حول أوكرانيا. ونرى الإدارات الامريكية والدول الأوروبية غير مكترثة بشكل رسمي بالحل في سورية وتركت الامور بيد روسيا وخاصة حتى انتهاء العمل العسكري. وهناك من يعتبر في روسيا بأن الولايات المتحدة نجحت في جرها الى المستنقع السوري.
- من خلال متابعة المواقف الروسية في الداخل والخارج يتبين أن القيادة الروسية تسعى لاتخاذ بعض المواقف الدولية لتدعيم سياستها الداخلية، كما تستخدم القيادة الروسية بنجاح الفكرة الوطنية (القومية) الروسية والانتماء الارثوذكسي في حشد تأييد شعبي روسي لسياستها الخارجية، وتعتمد القيادة الروسية في دعم سياستها الخارجية على تأييد المؤسسات الدينية الروسية المختلفة.
- أنطون مارداسوف، الخبير العسكري، رئيس قسم دراسات نزاعات الشرق الأوسط في معهد التنمية المبتكرة، قال: على افتراض أن الهدف هو إبقاء الأسد في السلطة، والحفاظ على المؤسسات السورية، فقد تم إنجاز هذه المهمة. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن دمشق ارتكبت أخطاء كثيرة، وسيكون من المفيد بالنسبة لروسيا أن تتجنب الارتباط مع الأسد.
- المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، صرحت في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز” البريطانية (13/4/2018): قبل نزع السلاح الكيميائي من سورية كان بشار الأسد الصديق الأفضل ليس لموسكو، لكن لواشنطن ولندن. وأن “وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري كان، إبان عضويته في مجلس الشيوخ، على علاقة ودية مع الأسد الذي قضى معظم حياته في بريطانيا،إنه رجلكم أكثر مما هو رجلنا”.
- موقع “لينتا.رو” الالكتروني المعروف في روسيا بتميزه عن الإعلام الرسمي، نشر مقالتين يومي 18 و24 إبريل 2020، إحداهما بعنوان “بشار الأسد يخون روسيا لصالح إيران ويقتل آلاف السوريين”، كتبهما فلاديمير كورياغين وألكسي نعوموف.
- صحيفة “موسكوفسكي كومسومولتس” الروسية نشرت مقالة بعنوان “كمين بمسمى “الأسد”، بقلم الصحفي اندريه كاماكين (26/4/2018): قال فيها إن بشار الأسد، وإن كان حليفنا، كان ولا يزال “ابن العاهرة”.
- كتاب روسي مهم بعنوان ” الأفق السوري” كتب مقدمته وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وكتب خاتمته وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وأوصيا بقراءة الكتاب لأهميته. وهو مجموعة ابحاث ودراسات لخبراء روس، صدر عن مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا ( 2016) ، نشر في مواقع عدة، منها مراكز مقربة من الكريملين والخارجية الروسية بإشراف الباحث الروسي م. شيبوفالينكو، وهو يقع في 2004 صفحات. وكُرس للبحث في دور روسيا وقواتها المسلحة في سورية. يؤكد أن أسلحة الدمار الشامل في سورية استخدمت من “كلا الجانبين” (أي المعارضة والنظام). وهذه المعلومة تتناقض مع كل السياسة الخارجية الروسية في ملف استخدام السلاح الكيماوي في سورية.
- رئيس تحرير صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، كونستانتين ريمتشكوف (4/3/2018): روسيا تحمي بشار الذي يستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وهي التي استخدمت هذا السلاح في بريطانيا (في إشارة إلى عملية تسميم الجاسوس الروسي المزدوج، سيرغي سكريبال). لذلك أعتقد أننا أمام لعبة دولية جيوسياسية كبيرة. يمكن لروسيا أن تسلك فيها طرقا مختلفة. يعتقد ترامب أن موسكو يمكن أن تتخلى عن إيران. إسرائيل تريد أن تصفعها وأميركا أيضا. ولكن، ماذا يمكن أن نطلب في المقابل؟ بقاء الأسد؟ هذا هو الغباء بعينه، فالأسد ليس عمنا ولا خالنا، لكي نتحمّل كل هذه العقوبات الغربية، بسبب دعم نظامه.
- الباحث الروسي، نيكولاي كوجانوف، عن مستجدات الموقف الروسي: “الآن، تغيرت المعطيات، وتمت إعادة بشار إلى منصبه. حيث أخذ زمام المبادرة. في الواقع، جرّنا السوريون إلى الغوطة الشرقية على مضضٍ منا. ونحن الآن في طريق مسدود”.
- الباحث العسكري الروسي، كيريل سيميونوف، كتب مقالتين، “من يحكم سورية؟” و”الجيش السوري تحول مليشيات”:
- يعرّف سيميونوف كل فرد في عائلة الأسد وأقربائهم وأهم الشخصيات العسكرية والأمنية والسياسية الموالية والمحيطة بهم. ويعرض، بطريقة غير معتادة في الاعلام الروسي، وبموضوعية وصدق الوضع في سورية. ويشير إلى أن عائلة الأسد هي التي تحكم سورية، وتساعدها في ذلك شريحة من الضباط العلويين، وأنه ما دامت هناك سلطة إدارية لدى عائلة الأسد، لا يمكن إجراء إصلاحات حقيقية في سورية. ويكتب سيميونوف: زال الآن الخطر الأساسي عن النظام، بفضل تدخّل روسيا وإيران، فلولاه لسقط النظام بيد المعارضة. ويتابع: عندما نقول إن النظام كسب الحرب يجب أن ندرك أنه لم يكسب السلام. فكل المشكلات التي أدت إلى الحالة الثورية في سورية تعمقت أكثر خلال الحرب، أي أن أسباب الثورة ما زالت قائمة، بل تعمقت أكثر نتيجة التدمير والتهجير القسري والتهجير إلى خارج سورية، ونتيجة تفتيت المجتمع. ويلاحظ الخبير أن مستوى الفساد ارتفع بدرجات غير مسبوقة، وأن الأموال تجمعت في أيدي فئةٍ محدودة، خصوصا الشبيحة. ويستنتج الكاتب: إن لم تجر إصلاحات عميقة تمسّ أسس النظام السياسي، ستكون الظروف متاحة لمزيد من التصعيد والتوتر. ولذلك، من الأفضل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية. ويرى أن من الأفضل تحويل البلاد إلى نظام برلماني لتقييد سلطة الرئيس. ويجب إشراك المعارضة السياسية والمسلحة في عملية التغيير، وإلا من الصعب المضي نحو الأمام في سورية. وكانت مقالة سابقة للخبير سيميونوف تناولت الوضع الذي آل إليه الجيش السوري النظامي، واستنتج أنه تحول إلى مليشيات تقتات على ما تجنيه من الحواجز.
- يتحدث الكاتب عن الاختلاف في المصالح الاستراتيجية، بين موسكو وطهران؛ إذ ليس من مصلحة إيران حدوث أي تقارب بين روسيا والدول الغربية. حتى إن مصالح الأسد اليوم لا تتطابق مع المصالح الروسية؛ فحلم بشار الأسد كان انتصاره في الحرب الأهلية، لكن هذا الحلم لم يتحقق. ولن يتمكن من الهيمنة على الوضع.
- يتابع الكاتب مهما يكن شكل الحل السياسي السلمي؛ فإنه يقتضي إصلاحات سياسية تؤدي إلى إزاحة بشار الأسد عن السلطة. وكل المسألة تكمن في توقيت إزاحته، وهو يحاول إطالة عمره. وفي أحسن الأحوال، مصير الأسد هو النفي، بل حتى هذا المصير غير مضمون؛ لأن الدماء المهدورة كبيرة في سورية. باختصار: النصر غير واقعي والسلام أيضًا غير متوقع. من هنا نفهم لذلك يسعى الأسد وأنصاره لإطالة عمر الحرب، فهي الطريق الوحيد لبقائه حيًا، بالمعنى السياسي والفيزيائي.
- لا ننكر وجود مصالح جيوسياسية واقتصادية وعسكرية لروسيا في المنطقة وخاصة في سورية- البلد الأقرب تاريخيا لها. ولكن ما حدث يثير الاستغراب من ناحية طريقة تحقيق تلك المصالح وحتى فهمها.
- يرى خبير روسي أن أي تنازلات روسية في سورية غير ممكنة، إلا لو تضمّن ذلك تطبيع العلاقات الروسية الأمريكية بشكل إجمالي. وفي انتظار أن يتوصّل الأميركيون والروس إلى تفاهم جديد أو صفقة تتحوّل حرب شمال غربي وتتحول إلى عملية استنزاف طويلة.
- مستشار وزير الدفاع الروسي، أندريه إيلنيتسكي أشار إلى أن واشنطن تواصل بناء “قوس مزعزع للاستقرار”، يمتد من البحر الأسود إلى البلطيق، وهناك تلعب بيلاروسيا أحد الأدوار الرئيسية. وأن مركز راند الامريكي اوصى بالتأثير على روسيا من خلال سورية واوكرانيا.
- يتحدث بعض الخبراء الروس عن سعي واشنطن لعرقلة بيع الاسلحة الروسية من خلال الضغط على الصين والهند أكبر المشترين للسلاح الروسي. علما ان مداخيل بيع الاسلحة الروسية يشكل عشرات المليارات.
- تخبط الموقف الروسي في الشرق الأوسط:
- عدم وجود قوة عسكرية كبيرة روسية قادرة على التوزع في بقع جغرافية متنوعة على الصعيد العالمي بشكل عام، وعلى صعيد الشرق الأوسط خصوصا.
- غياب قوة اقتصادية روسية تكون رديفاً وداعماً للقوة العسكرية، فالاقتصاد الروسي ما يزال متخلفا، وما يزال، في جزءٍ كبير منه، اقتصادا ريعيا يعتمد على تصدير النفط والغاز.
- غياب الأيديولوجية السياسية الضاغطة، كما كان الأمر مع الاتحاد السوفييتي.
- الافتقار للقوة الناعمة التي يمتلكها الغرب في المنطقة، خصوصا الولايات المتحدة، والمقصود بالقوة الناعمة، وفق المفكر السياسي جوزيف ناي، القدرة على الجذب والضم من دون الإكراه أو استخدام القوة وسيلة للإقناع.
- واللافت أيضاً تصريح السيد رامي الشاعر وهو شخصية دبلوماسية سابقة ورجل أعمال وكاتب سياسي مقرب من الخارجية الروسية، لصحيفة الشرق الأوسط (29 يناير الماضي): إن مواصلة «تعنت النظام يفاقم الموقف أكثر»، وأشار الى تحذير روسي من أن استمرار الوضع الحالي قد يسفر عن قيام المجتمع الدولي بطرح ملف شرعية النظام مجددا على طاولة البحث.
- روسيا لها علاقات استراتيجية مع بلد واحد في الشرق الأوسط هو اسرائيل. وهناك تقارب كبيـر في المواقف والمصالح.
- روسيا لا تريد تنفيذ القرار 2254، لأن هذا القرار يسمح للسوريين باستعادة وطنهم وقرارهم المستقل، ويسمح لهم بإبطال كل قرارات وقّعها النظام السوري مع روسيا وإيران.
- الحجة الروسية في محاربة الإرهاب تخفي خلفها حقائق مطامع روسية في سورية، فالروس لم يتدخّلوا للدفاع عن نظام حكم بشار الأسد لأنه حليفهم فحسب، ولكنهم تدخّلوا لغايات استراتيجية تتعدى حدود جغرافية هذا البلد. ولعل موقع سورية الجيوسياسي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، سيعطي أفضلية لروسيا في فرض نفوذها في مناطق شمال أفريقيا ومنطقة الخليج العربي وأوروبا.
- النشاطات السورية في روسيا:
- النشاطات الاقتصادية والمالية والتجارية السورية في روسيا تلعب دورا مهما في التأثير على مراكز القرار الروسي والسياسات الروسية تجاه الوضع في سورية.
- يعمل في روسيا لوبي قوي لصالح النظام وتوجد أكبر شبكة مالية وغسيل اموال في موسكو يشارك فيها رجال اعمال سوريون (المهندس مدلل خوري) وضباط امن روس ورجال اعمال روس وقبارصة ولبنانيون ورجال دين مسيحيين ويشرف عليها محمد مخلوف خال بشار الاسد الذي يقيم هو وابنه ضابط المخابرات السابق -حافظ مخلوف ويستثمرون عشرات المليارات من الدولارات التي اخرجوها من سورية في العقارات والبنوك والشركات المختلفة في روسيا وبيلاروس واوكرانيا وفي دول اوروبية شرقية اخرى. واغلب أسماء هؤلاء على القائمة السوداء.
- هناك تحقيقات صحفية قامت بها مؤسسات دولية تشير الى ضلوع بعض الشخصيات السورية والروسية في لعب دور الوسيط في شراء الاسلحة بما فيها الغازات السامة وارسالها للنظام من خلال بنوك وهمية أو شركات تتبع لدول ثالثة.
- بعد عام 2011 قام مجموعة من رجال الأعمال السوريين الموالين للنظام السوري ومعهم شخصيات روسية بتأسيس الصندوق الروسي السوري في موسكو لجمع التبرعات ودعم النظام السوري.
- تأثير قانون قيصر على الدور الروسي في سورية:
- تعتبر موسكو أنها تساهم بما يكفي في تمويل مؤسسات السلطة السورية.
- ولا تنوي روسيا الاستثمار في إعادة الإعمار بسورية.
- من الواضح أن الاستثمارات في قطاع البناء في سورية يجب أن تكون طويلة الأجل، أما الشركات الروسية المعنية فلا تستطيع أن تتحمل الانتظار لـ10-15 سنة حتى تحصل على عائدها الاستثماري.
- القيادة الروسية تهتم ليس بتمويل عملية إعادة إعمار سورية بحد ذاتها، بل بالحصول على المبالغ التي من المقرر أن يخصصها المجتمع الدولي لهذا الغرض، لكي تتصرف بها حسب ما تراه مناسبا.
- البحث عن حل روسي في سورية:
- يعر ف المراقبون أن موسكو تبحث عن بدائل سياسية وتجري لقاءات مع شخصيات معارضة سورية ومع مكونات سورية مثل اللقاء بين نائب رئيس البعثة الروسية في جنيف مع ممثلين عن الطائفة العلوية المقيمين في الخارج (منهم المحامي عيسى ابراهيم حفيد الشيخ صالح العلي)، وكذلك لقاء بوغدانوف في الدوحة مع الشيخ أحمد معاذ الخطيب. وقام بوغدانوف بزيارة باريس واللقاء مع شخصيات سورية مختلفة.
- تحاول روسيا الدفع بعمل اللجنة الدستورية معتبرة إياه مفتاح الحل السياسي. وصرح المندوب الروسي في مجلس الأمن- بأن بعض الدول وعدت بالتمويل بعد تشكيل اللجنة الدستورية، لكن الحقيقة مختلفة عن هذا التصريح.
- الحل السياسي الذي قد يفتح الباب لبناء سورية كدولة عصرية في نهاية المطاف، وهو مبني على توافق أميـركي – روسي، يشمل الضغط على روسيا، لتضغط بدورها على النظام لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منه. يتضمن هذا السيناريو حلاً لأهم المشاكل العالقة المذكورة أعلاه، وتغييـراً مهماً في بنية النظام. وقد يقوم هذا السيناريو على فكرة المقايضة، بين أميـركا وروسيا، بأن تقوم أميـركا برفع العقوبات عن النظام، ووقف تنفيذ قانون قيصر(سيزر)، ورفع الفيتو عن تمويل إعادة الإعمار، والتطبيع مع سورية، مقابل أن تفرض روسيا على النظام حلاً يقوم على انتقال سياسي من دون بشار الأسد.
- الاتفاقات الامريكية الروسية حول سورية:
- نشير أولاً إلى رأي الخبير الروسي ميخائيل الكسندروف من معهد موسكو للعلاقات الدولية بأنه توجد في النخبة الروسية طبقة من الناس تميل إلى وجهة النظر الغربية، وهي تنتظر دائما شيئا ما من الغرب وتحافظ على نفوذها وتحاول التأثير على الرئيس بوتين باتجاه تحسين العلاقة مع الغرب. لقد ربطت تلك النخبة حياتها المهنية وأعمالها التجارية بالعلاقات مع الغرب، وهي بحاجة إلى الضغط لتقديم تنازلات لأمريكا.
- أبرز فيتو اتخذته موسكو وهو رقم 13 (عام 2019) بالتشارك مع امريكا لإيقاف عملية “نبع السلام” التركية شرق الفرات.
- الاتفاق حول نزع السلاح الكيميائي عام 2013 (أنقذ النظام من ضربة عسكرية امريكية غربية)
- اتفاق بمشاركة اردنية لخفض التصعيد في جنوب غربي سورية (2018)
- اتفاقات لعدم الاحتكاك العسكري في الاجواء السورية
- تأييد امريكي للتدخل العسكري الروسي في سورية (2015)
- تنسيق امريكي روسي اسرائيلي يسمح بتوجيه ضربات جوية اسرائيلية لمواقع عسكرية ايرانية ولحزب الله في سورية
- تأييد امريكي لروسيا في جعل اللجنة الدستورية أولوية على قرارات جنيف-1 والقرار 2254
- تأييد امريكي للاتفاقيات الموقعة مع تركيا في سوتشي وفي موسكو حول ادلب وشمال شرقي سورية.
- ونتساءل هنا: هل الضغوطات والعقوبات الأمريكية وغيرها على تركيا وعلى روسيا صدفة؟ فهي دفعت البلدين للتقارب. فهل هذا من مصلحة أمريكا؟ ام هي خطة لضرب البلدين مستقبلا بتوريطهما في الملف السوري والليبي؟ وتكررت نفس القصة في علاقة امريكا بالخليج ودفعتهم للاقتراب من روسيا. فهل كل ذلك صدفة؟
- اسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي وأسقطوا نظام صدام حسين العلماني، وسلموا العراق لنظام الملالي الاوتوقراطي الديني وسمحوا له بالتدخل في شؤون الدول العربية، مع استمرار التهديدات المتبادلة بين إيران واسرائيل لذر الرماد في العيون وتوتير الاجواء بين إيران والخليج لابتزاز الجميع وخاصة دول الخليج لشراء اسلحة وزيادة التبعية.
- وتدل أغلب المعطيات على وجود تفاهمات استراتيجية روسية امريكية ومن خلفها اسرائيلية حول سورية: وهناك امثلة كثيرة منها زيارات جون كيري 2015 الى سوتشي، وزيارة بومبيو الى سوتشي 2019- والاتفاق الامريكي الروسي حول جنوب غربي سوري (درعا) بالرغم من ان هناك صراع جدي في اوكرانيا بين موسكو وواشنطن واسرائيل تلعب عالحبلين.
- القمة الامنية الثلاثية الروسية الامريكية الاسرائيلية في 24 يونيو 2019 قبل قمة العشرين في اليابان في نهاية يونيو 2019 حيث التقى بوتين وترامب واكدا على نتائج القمة الامنية.
- ومن جانب آخر قامت أمريكا في عام 2018 بقتل وإبادة ما بين 215-644 من المرتزقة الروس ” فاغنر” مع أسلحتهم ومعداتهم الثقيلة في شرقي الفرات. وترك ذلك ردود فعل حادة لدى المحللين الروس ، حيث قال فلاديمير لوكاشيفج : نحن صامتون لأنه لدينا كذبة اسطورية “ليس لدينا مرتزقة “، لأنه في القانون الجنائي لروسيا الاتحادية هناك المادة الجنائية رقم 359 خاصة ب”المرتزقة”، التي تنص على أن التجنيد والتدريب والتمويل والدعم المادي للمرتزقة واستخدامهم في نزاع مسلح أو الأعمال العدائية هي جريمة ويعاقب عليها القانون الروسي وقد تصل العقوبة بقوانين بلدي إلى 15 عاما في السجن. وأضاف: لا بد من صياغة سؤال هام ماذا تفعلون في سورية. وقال مستاءً: أصبحت روسيا في مهب الريح . هذه هي نهاية أسطورة “التفوق العسكري لدينا” وأسطورة “نحارب أفضل من الجميع “وأسطورة “لن نترك خلفنا أولادنا “وأسطورة” انسحاب قواتنا من سورية.
- الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية
- منذ أبريل/ نيسان 2020 ازداد عدد المقالات والتحليلات المنشورة في مواقع اعلامية ومراكز بحوث مقربة من الخارجية والكرملين حول ” الأسد الضعيف والفاسد”، وضرورة القيام بإصلاحات سريعة، وتقديم تنازلات لدعم الحل السياسي على اساس القرار 2254
- وفي مارس 2021 صرح سيرغي فيرشينين بأن الانتخابات الرئاسية استحقاق ضروري للحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة، وأن الغرب يفرض العقوبات على النظام السوري ويجعله يمر في أزمة اقتصادية ومعيشية.
- تصريح السفير الروسي في دمشق يفيموف حول الأوضاع الصعبة في سورية وعدم قدرة روسيا على الدعم المادي للنظام.
- في المقابل لم يتحرك الحل السياسي الذي تدفع به موسكو عبر مسار استانا وسوتشي.
- اللجنة الدستورية لم تحقق أي تقدم رغم خمس جولات بدأت في نهاية 2019 بعد تأخير ومشاورات طويلة بدأت في مؤتمر سوتشي في يناير 2018.
- تصريحات المقداد بعد لقاء بيدرسون في 21 فبراير الماضي تؤكد أن النظام لا ينوي انجاج عمل اللجنة الدستورية واولويته هي استغلال موضوع المساعدات وتدفق الاستثمارات العربية والغربية لإعادة الاعمار.
- مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تنظم في سورية في نهاية مايو القادم انتهت عمليا الآمال بأنها سوف تشكل بداية لمرحلة جديدة في سورية، مع اصرار دمشق وموسكو على فصل الانتخابات عن مسار عمل اللجنة الدستورية، والاصرار على عدم تحديد سقف زمني لانتهاء أعمال اللجنة الدستورية. وفي دمشق انطلقت الاستعدادات لتنظيم الانتخابات وأعلن الأسد عن ترشيح نفسه لفترة جديدة مدتها سبع سنوات بمقتضى دستور عام 2012.
- لن تكون الانتخابات الرئاسية المعروفة نتائجها مسبقا سوى مسرحية جديدة هزيلة ومفضوحة تعود عليها السوريون منذ 50 عاما.
- التغطية الإعلامية الروسية لذكرى الثورة السورية في مارس 2021
- تجاهلت معظم التقارير ذكر الأسباب السياسية والاجتماعية لاندلاع الثورة السورية وركزت على دور التدخل الخارجي والدعم الغربي للاحتجاجات ضد نظام الأسد في إطار تصدير الثورات واشعال “الربيع العربي”، والصراع الجيوسياسي على المنطقة. ولم تأت التقارير على الفساد والقمع الأمني وركزت على موجات الجفاف التي ضربت سورية في العقدين الأخيرين. وكان لافتا اشارة كثير من التقارير إلى أن سورية كانت مثالا للدولة العلمانية في المنطقة، والتعايش بين شرائح المجتمع المختلقة، وأنها كانت واحدة من أكثر بلدان الشرق الأوسط ازدهارا” وأنها كانت مكتفية ذاتيا و” استطاعت تأمين كل احتياجاتها بالكامل”.
- الرواية الرئيسية لمعظم التقارير هي أن “روسيا أنقذت سورية من الإسلاميين” و “بفضل روسيا، بقيت سورية موجودة بشكل عام (الروس ينظرون الى سورية على انها سورية الأسد)، وهناك تمسك بمقولة أن الصراع في سورية على أنه مواجهة بين القوات الحكومية و”الارهابيين الاسلاميين”.
- معظم التقارير حول الذكرى العاشرة في وسائل الإعلام الروسية لم تأت عمليا على ذكر بشار الأسد وإيران واقتصرت في كثير من الأحيان على الإشارة إلى النجاحات التي استطاعت روسيا تحقيقها، أو الآثار الإنسانية للحرب في سورية.
- رسم بيان للخارجية الروسية في 12 مارس الخطوط العريضة للتغطيات الإعلامية للذكرى العاشرة، وهي عموما الاشادة بالدور الروسي في سورية، والتأكيد على أنها تدعم سيادة الدول، وتحارب الإرهاب وتواجه مخططات الغرب في المنطقة، والتشديد على أن روسيا تسعى لتسوية سياسية لكن الغرب يعطل التسوية ويتسبب في المأساة الإنسانية في سورية، ويدعم الإرهاب والحركات الانفصالية. وقد تبنته عمليا جميع وسائل الاعلام الروسية في تقاريرها المكتوبة والمصورة
مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية السيد/ اندريه كورتونوف (في مارس الماضي):
- نشر موقع المجلس مقالة تحليلية مطولة لمدير المجلس أندريه كورتونوف بعنوان “سورية في منتصف دورة طويلة”، وبدأ فيها الخبير البارز لبدايات الثورة في مدينة درعا، وتسبب اعتقال السلطات بعض الأطفال في 6 مارس 2011 بسبب كتابات على الجدران، تلاها تظاهرات للمطالبة بإطلاق سراحهم، وأشار إلى أن السلطات لم تكن مستعدة للتعامل السلمي، وأنه بعد إطلاق النار وقتل ثلاثة متظاهرين في اليوم الأول انتشر الغضب إلى المدن والقرى الأخرى.
- وخلص إلى أن أقصى ما يمكن أن ينجز هو تحفيز النظام على إطلاق اصلاحات ” بحذر” ولو على مستوى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، رأى أن الظروف المناسبة للضغط سوف تحين بعد الانتخابات الرئاسية صيف العام الحالي.
ألكسندر مالاشينكو الخبير في الشرق الأوسط (محطة راديو “ايخو موسكفي ” الليبرالية المؤثرة في مارس الماضي):
- بوتين انتصر في الحرب في سورية لأنه أراد أن يمنع انتصار الشعب ضد حاكمه وتغييره بالقوة
- اي انتخابات رئاسية ستجري في سورية ستكون مزيفة وشكلية لان نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح لن يشارك ونصف السكان في منطقة سيطرة النظام لن يشارك وهكذا فالانتخابات سينجح فيها بشار لأنه سيضع الرقم الذي يريده مثل نسبة 99%
- روسيا انقذت بشار قبل 5 سنوات ولكن حتى لو رحل حينها فإن الاوضاع لم تكن لتسير بشكل اسوا فسورية اليوم تشهد انقسامات حادة من الناحية السياسية والعرقية والاقتصادية والاجتماعية والطائفية.
- من الخطأ رهان روسيا على شخص الأسد فإن اختفى لسبب ما فماذا ستفعل روسيا.
- الخلاصة:
تمسكت موسكو بنظام الأسد لمدة 10 سنوات وقدمت له الدعم العسكري والسياسي الكبيرين، وساهمت ببقائه حتى اليوم، ولا يمكن القول إنها حققت أهدافها الرئيسية في سورية ما دام الوضع متأزم وكارثي وغير مستقر. ويبدو أن التعنت الروسي ظاهريا لصالح الأسد، هو الذي ادخلها في طريق مسدود. فالحرب انتهت تقريبا وماذا بعد؟ روسيا عاجزة عن تحقيق انتصار في مرحلة السلم التي يجب ان تشمل ترتيب الوضع السياسي في سورية وإعادة الإعمار الاقتصادي والمجتمعي ولكن روسيا أعلنت صراحة أنها لا تملك الإمكانيات المادية لتمويل الاعمار ومثلها إيران بسبب العقوبات الكبيرة على كليهما. فسوريا وفق تقديرات الأمم المتحدة تحتاج إلى عدة مئات من المليارات من الدولار لإعادة الإعمار ويكفي ان نذكر تقرير دولي يقول بأن مدينة حلب لوحدها تحتاج الى 6 سنوات لتنظيفها من الدمار وبقايا البيوت المهدمة.
وتبحث موسكو عن بدائل في سورية ولكنها تخشى أي تغيير في بنية النظام، وهي بذلك تستمر بمحاولات الالتفاف على القرارات الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص بوضوح على عملية تغيير سياسي، وهي اخترعت موضوع اللجنة الدستورية لتلهي العالم بها، بالرغم من أنها لا يمكن ان تكون مدخلا لحل سياسي في سورية ما دام نظام الأسد موجودا.
وللأسف يبقى الموقف الدولي ضعيفا وشبه غائب عن الفعل والتأثير في إيقاف مأساة الشعب السوري ومساعدته في التخلص من عصابة الأسد التي قتلت ودمرت وهجرت وجوعت السوريين وما زال المجتمع الدولي يراقب دون خجل أو تصميم على وضع حد لهذه المعاناة التي لم تشهد لها البشرية مثيلا من الحرب العالمية الثانية.
والسوريون المغيبون حالياً عن المشاركة في تقرير مصيرهم، يجب أن يفهموا المهمات الكبرى التي تجابههم وأن يستعيدوا دورهم الوطني من أجل الاستقلال من كل أنواع الاحتلال، وتغيير النظام الأسدي، وإعادة الإعمار والحياة إلى البلاد التي تمكن المهجرين والنازحين من العودة الى منازلهم، وحل مشاكل إنسانية واجتماعية واقتصادية كبرى في مقدمتها العدالة الانتقالية، وبناء دولة مدنية ديمقراطية لكل السوريين.