وجهة نظر

img

يحتار المرء من بعض السوريين سواء الموالين منهم أو المعارضين، عند تحليلاتهم لغزو دولة عظمى على رأسها بوتين، للأراضي الاوكرانية، فمنهم من يرى في موقف الاتحاد الأوروبي الداعم للحكومة الأوكرانية خطأً تاريخياً سيؤدي إلى دمار أوكرانيا كما حصل في سوريا، متناسين أن الأمر واحد بالنسبة الشعبين في كلا الدولتين.

في الحالة السورية قدم بوتين كل أشكال الدعم لنظام ديكتاتوري ثار عليه شعبه، وفي الحالة الثانية أقدم بوتين على غزو دولة تتعزز فيها قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهي مستقلة وجارة، لفرض سلطانه عليها، وهؤلاء يذهبون لأكثر من ذلك بأن الغرب ورّط بوتين كما حصل مع صدّام حسين قبيل غزوه الكويت، وأن الرئيس الأوكراني هو من أصول يهودية ينفذ مخططات الغرب الإمبريالي والصهيونية العالمية.

في المقابل نجد عند بعض المحسوبين على الثورة والمعارضة حالة من الإحباط بتأثير الاستبداد التاريخي، فبدلاً من التعاطف مع الدولة الأوكرانية وشعبها في مواجهة المحتل الغازي الذي يمارس البلطجة المنظمة، يقومون بالترويج لقوة بوتين وعدم قدرة الرئيس الأمريكي الضعيف على مواجهته.

بدلاً من كل هذا الهراء يتوجب علينا كسوريين فتح حوار فيما بيننا من أجل تحريك قضيتنا السورية لأن الجريمة التي ارتكبها بوتين بحق أوكرانيا تتطابق مع ما مارسه على الشعب السوري هو ونظام الإجرام الأسدي، من قتل وتهجير، وتحويل بلدنا إلى حقل تجارب لمختلف صنوف الأسلحة.

تطرح علينا بعد الذي حصل في أوكرانيا وحجم الدعم والتضامن معها الذي أظهره الغرب تجاه الغزو الروسي، المتمثل أساساً في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مسألة دفع القضية السورية إلى الواجهة والضغط على المجتمع الدولي الذي يدّعي وقوفه إلى جانب الشعب، وأن يتجسّد وقوفه إلى جانب السوريين فعلاً وليس قولاً فقط، كي يكون منسجماً مع عقلانيته وتبنيه للأخلاق والقيم الإنسانية ودفاعه حقوق الإنسان.

ما يحدث في أوكرانيا الآن ليس صراعاً محلياً وإنما حرباً على العالم المتمدن هي الأخطر بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نتاج السياسة التي ينتهجها بوتين، المستندة إلى إرث من الاستبداد والعقل الشمولي الذي لا يمكن له أن يضيف إلى الحضارة الإنسانية سوى الدمار والتفنن في التخريب والقتل واعتداء على دولة مستقلة وعلى الأمن والسلم الدوليين، ومحاولة لإعادة أمجاد القياصرة وتعزير دور الأنظمة المستبدة والديكتاتورية في العالم على شاكلة نظام الأسد ودولة الملالي في إيران وبقايا الأنظمة الديكتاتورية التي تتحكم بشعوبها.

أعتقد أن روسيا التي دخلت في حرب مع العالم، ستتحول في قادم الأيام إلى دولة جوع وفقر مثل سورية بسبب العقوبات الاقتصادية والمصرفية والنفطية والسياسية، وستزداد معاناة الشعب الروسي، وتتحول دولته إلى دولة مارقة ومنبوذة دولياً وسيكون مكانها إلى جانب نظام كوريا الشمالية ونظام الأسد.

في الختام أرى أن الأنظمة الشمولية معيقة للتطور الإنساني، وأن طريق الحوار هو الأسلوب الأنجع في حل الخلافات التي تنشأ بين الدول من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في أرجاء المعمورة.


الكاتب إبراهيم ملكي

إبراهيم ملكي

محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان، عضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية السورية

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة