النضال السلمي من أجل الديمقراطية أم الخروج على الدولة بالسلاح؟

للعهد الجديد الذي جاء بعد إسقاط النظام البائد وجهان: فهو دولة جديدة معترف بها من قبل الغالبية الساحقة من الشعب السوري، وهذا لا يمكن إنكاره من خلال مظاهرات التأييد العارمة واستطلاعات الرأي، كالتي أجرتها واحدة من أكثر المجلات البريطانية رصانة، وهي “الإيكونوميست”، وخرجت منها بأن العهد الجديد يجد تأييداً من 85% من الشعب السوري من مختلف الطوائف. كما أنه معترف به أيضاً من قبل الدول العربية والإقليمية والدولية والأمم المتحدة، وبالتالي فإن الخروج عليه وحمل السلاح والتهديد بقتاله هو خروج على الدولة الشرعية.
والوجه الآخر للعهد الجديد هو النظام السياسي بكل محاسنه ومساوئه. هذا النظام الذي يمكن لأي كان، فرداً أو حزباً أو هيئة اجتماعية-سياسية، أن يعترض عليه وينتقده ويسعى لتعديله وإصلاحه بالطرق السلمية الديمقراطية.
ودعوني أستطرد قليلاً هنا؛ فقبل إسقاط النظام، وفي عهد نظام البطش والإرهاب الأسدي، نشأ في السويداء حراك وطني ديمقراطي جسد حالة انبعاث سلمية للثورة السورية. فهل واجه الشيخ الهجري وجماعته النظام البائد برفع السلاح والتهديد بالقتال؟ أم هل كان النظام البائد أفضل من العهد الجديد، مع كل ما مارسه ضد الشعب السوري وضد السويداء وحراكها السلمي من حصار وتهديد وإجرام؟
أعود لمسألة الدولة بالقول إن أول صفة لأي دولة هي احتكار العنف، ويعني ذلك احتكار السلاح واستخدامه. بدون احتكار السلاح، لا توجد دولة. وهناك عشرات الأمثلة لدول فاشلة بسبب وجود ميليشيات مسلحة تنازع الدولة في حمل السلاح. وأقرب تلك الأمثلة لبنان، حيث وصلت الدولة هناك إلى حافة الانهيار بسبب وجود ميليشيا حزب الله ومنازعته للدولة في حمل السلاح. وحتى الآن، فإن النافذة المفتوحة للبنان للعبور نحو المستقبل تمر بصورة إجبارية بتجريد حزب الله من السلاح. وإذا لم تتمكن الدولة اللبنانية من ذلك، فلن يخرج لبنان من مأزقه على وجه اليقين.
والمثال الآخر للدولة الفاشلة بسبب الميليشيات هو العراق، الذي أصبح نهباً للميليشيات التابعة لإيران ومن خلفها للدولة الإيرانية، وفقد إرادته كدولة مستقلة، وغرق في الفساد والفوضى والحمى الطائفية. فهل تريدون أن تصبح سورية دولة فاشلة تتنازعها الميليشيات التي تتزعمها مافيات وتقودها عصبيات طائفية لا تنتمي للعصر؟
كل الانتقادات التي يتم توجيهها للنظام السياسي من قبل جماعة الهجري والمجلس العسكري يتشارك فيها طيف واسع من السوريين، يريد تحقيق أهداف الثورة السورية في دولة مدنية، دولة مواطنة متساوية، دولة قانون. حتى اللامركزية الإدارية – وليس السياسية أو الفدرالية الملغومة – أهداف مشروعة ومطلوبة، لكن الطريق الوحيدة المقبولة لتحقيقها هي في النضال السلمي الديمقراطي بالتشارك مع باقي فئات الشعب السوري، وليس بالخروج على الدولة وعدم الاعتراف بها كدولة، وحمل السلاح والتهديد بالقتال، ودعوة الدول للتدخل – حتى العدوة منها – لسورية المحتلة لجزء من أرض الوطن.
هذا الطريق مسدود لأن غالبية الشعب السوري تقف بوجهه، ولأن هناك إرادة عربية ودولية لا توافق عليه، ولأنه في حال استمراره سوف يقود إلى تشجيع صعود ميليشيات أخرى وتمزيق سورية وإشعال حرب أهلية تحرق الجميع.
لا شك أن أهلنا في السويداء لمسوا خلال الفترة الماضية أن غياب الدولة لا يوفر الأمان لهم، وأن الميليشيات ليست بديلاً عن الدولة بل نقيضاً لها، وأن مصلحة المجتمع ستصبح رهينة عقول أفراد يحتكرون القرار بدلاً عن المؤسسات. فهل هذا هو المصير الذي يقبل عاقل الذهاب إليه؟
لا أحد يريد أن يبقى مصير السويداء مختطفاً ومعلقاً بين السماء والأرض، لكن الحل لن يأتي من خارج السويداء، وكل الأمل أن يأتي سريعاً وبدون خسارة قطرة دم واحدة.