تفجير الكلية الحربية في ذمة المستفيد
إن تفجير الكلية الحربية في حمص، وبحجم ضحاياه، أمر في غاية الخطورة! ويجب ألَّا يمر بسلام، دون معرفة الفاعل الحقيقي، ففي معرفته لا يماط اللثام عن حقيقة العدو الفعلي لسورية وشعبها فحسب، بل إنه يؤكد توحشه، ويضيف جريمته إلى ما سبقها من جرائم ومجازر! وهو من جهة ثانية، ينفض الرماد من عيون حاضنته التي اتخذها رهينة منذ اثنتي عشرة سنة ولا بزال! وهذا شيء مهم في الظروف التي أحاطت بالتفجير.. وللكشف عنه، لابد أن يبدأ البحث، كأية جريمة لها غايات وأهداف سياسية بالسؤال عن المستفيد الأول، ممن قد لا تطاوله الشبهات، وخاصة إذا كان معدوداً بين الأصدقاء والحلفاء..
لاشك بأن رمي التهمة هنا على الإرهاب أمر سهل، إذ إن الإرهاب حمّاَل لمثل هذه الجرائم، وخاصة إذا خرج غبي من بين تنظيماته، وتبنى الجريمة، كما حدث لدى تنفيذ مجزرة تفجير خلية الأزمة عام 2012 في وقت، ربما وجد بينها من هو غير موافق على الحل الأمني، أو على شكل تطبيقه، أو يخشى بقاءه بعد لقاءات “الخلية” بنخب عديدة من أطياف المجتمع السوري..
إذاً من هو الفاعل الحقيقي؟! قبل الإجابة، لابد لنا من معرفة الأرضية التي وقعت خلالها تلك الجريمة، وأول خيط نور في البحث يشير إلى حال النظام البائس التي وصل إلى أدنى قاع له، لا بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فحسب، بل بسبب الحال الأمنية في مناطق سيطرته إذ غدت على أهبة الاستعداد لانفجارات غير محسوبة النتائج. وخاصة بعد أن جددت الانتفاضة المستمرة في السويداء شعلة الثورة السورية، وأعادت لها ألقها، وأخذت تهدد بالامتداد إلى مناطق أخرى طاولها اليأس، وفقدان الأمل. ما دعاها إلى إعادة القراءة لمجريات الاثنتي عشرة سنة الماضية، قراءة واعية..
وما أحاط بظروف الحدث أيضاً، أن النظام لم يلتفت إلى اتفاقه مع الدول العربية التي أعادت له الاعتبار وفق شروط محددة، إذ بقي على مراوغته تحت ضغط إيراني الذي ربما تنتفي مصلحته مع احتضان الدول العربية للنظام أو إذا ما وجد القرار 2254 الخاص بسورية طريقه إلى التطبيق..
في إطار كل ذلك ينظر إلى ذلك العمل الإجرامي الذي أتى تحذيراً لفئات اجتماعية سورية من عاقبة أي تمرد جديد ضد النظام تقوم به مدن أو مناطق تعدُّ من الموالاة..
أما إذا جئنا إلى مجريات الهجوم الذي حدث فإن المدقق يرتاب بعدة أمور منها:
أولاً- جرى عدوان استفزازي من جانب النظام وأنصاره على قرى ريف إدلب قبل يوم أو يومين دونما أيِّ سبب، واستمر بعد الحدث، ولم يستهدف سوى المدنيين إذ بلغ عدد ضحاياه نحو خمسة عشر شهيداً أغلبهم نساء وأطفال، وكأنَّما أتى ذلك العدوان واستمراره ليجد المبرر لمن ستلصق به تهمة تفجير الكلية الحربية في اليوم التالي، أي للمعارضة..
ثانياً- إن مثل هذا الهجوم يحتاج إلى ترتيبات متنوعة وعُددٍ كافية، ربما احتاجت أياماً وأشهراً، إذ يحتاج لمعرفة دقيقة بمكان التخرج وبموعد الاحتفال باليوم والساعة، إضافة إلى معرفة حجم حمايته، ونوعها، وتوزعها، ومدى إمكانية تخطيها، ناهيك بأن مثل هذه العمليات متوقفة لدى طرفي الصراع منذ عدة سنين..
ثالثاً- كل الخبراء من عسكريين، وسواهم، وحتى الناس العاديين، تساءلوا عن نوع الحماية المفترض توفيرها، في مثل هذه الحال، تأميناً لذلك الاحتفال الذي يقدَّر أن يحضره وفد حكومي رفيع المستوى إضافة المئات من أهالي الخريجين، إن لم أقل أكثر من ذلك، فكيف لم تؤخذ تلك الأمور بعين الاعتبار؟!
رابعاً- أما المهزلة الفاقعة التي تؤكد كل ما تقدم فهي حادثة اليوم التالي، إذ هاجمت قوافل مشيعي الجثامين ست طائرات مسيرة، لكن الدفاعات الجوية السورية كانت لها بالمرصاد فتصدت لها وأسقطتها بالكامل! ودون أن تترك أي أثر ولا حتى خطامها أو بقايا الصواريخ التي أسقطتها.. إنها فعلاً مهزلة من وقع في شر أعماله فلم يعد يحسن يداري فعلته فزاد الطين بلة..
خامساً- أكد أكثر من ضابط، أن الطائرة المسيَّرة إدا ما أصابت هدفها بإحكام، لن يتجاوز عدد ضحاياها أصابع اليد الواحدة.. وأشار العقيد “مالك الكردي” في تصريح لموقع أخبار المدن إلى: “أن الأسلحة المضادة للطائرات كثيرة في حمص وهي مجهزة بأدوات تستطيع رؤية أسراب الطيور وتحدد نوعها.. وتقضي الضرورة والعادة في مثل ذلك اليوم أن يكون الاستنفار كاملاً، وعلى مدى اليوم.. وأوضح العقيد أن أقرب خط تماس للمعارضة يبعد 120 كم، ووصول المسيَّرة إلى هدفها يستغرق وقتاً طويلاً، ولابد أن ترى في النهار بوضوح تام..” وقال أيضاً: “إن أحدهم شوهد قبيل القصف يصور الطائرة فيما قال أحد الضباط إنها إيرانية”
وينقل العميد الركن “غياث عاقل” فيقول: ” أُبلغنا بوجود طائرات مسيرة انطلقت من منطقة الوعر واقتربت من مبنى الكلية- الحربية قبل نصف ساعة من وقوع الاستهداف، فطلب السيد وزير الدفاع توضيحًا من ضباط أمن الكلية، بعد أقل من عشر دقائق جاء الرد من مكتب التنسيق العسكري بأن الطائرات المسيرة إيرانية، وأن وجودها روتيني، ويومي..” وبعد تلقي الرد بدقائق وصلت توجيهات للسيد وزير الدفاع من جهات عليا بضرورة اختصار مراحل الاحتفال، والإسراع بفض التجمع دون توضيح للأسباب، أعطى السيد الوزير تعليماته بهذا الخصوص، وأوكل مهمة إلقاء كلمته لنائبه الثاني – ولم تلق الكلمة- وغادر بشكل فوري مع موكبه المكان دون أن يحضر العرض النهائي، وبعد مغادرة السيد وزير الدفاع واللجنة العسكرية المرافقة له بـ ٤٢ دقيقة تماماً حصل الاستهداف. (عن صفحة صدى الساحل)
أخيراً إذا كان النظام حريصاً حقاً على دم السوريين من مؤيديه، على الأقل، فعليه أن يستعين لمعرفة الجاني الحقيقي، بالسعي لتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة من أهل الاختصاص. أما إذا كان شريكاً في الجريمة فواجبه التستر عليها، ويبدو أنه إلى ذلك أقرب، فليتخذ من إنكار حزب الله لجرائمه في الاغتيالات كافة، وفي تفجير المرفأ..